تحدث الرئيس جمال عبدالناصر تليفونيًا مع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام»، يوم 4 فبراير «مثل هذا اليوم» 1967، وكان الشاغل وقتها هو إصابة «عبدالناصر» بمرض «السكر» وحسب «هيكل» فى كتابه «الانفجار 1967»، كانت مشكلة جميع الأطباء معه أنهم يطلبون منه تخفيف ساعات عمله عشر ساعات فى اليوم بدلًا من أربع عشرة ساعة، وبأن يأخذ إجازة منتظمة يومًا كل أسبوع وشهرًا كاملًا كل سنة، وكان ذلك هو الدواء الوحيد، الذى لا تسمح له به الظروف، فقد كان التزامه بجماهير الناس التزامًا من نوع غريب، وكان يعود مرات من لقاء الجماهير ليقول والدموع تلمع فى عينيه: «الناس يجعلوننى أشعر وكأننى أذوب، وأشعر أن ما قدمناه قليل إزاء ما ينتظرونه»، قال «عبدالناصر» هذه الكلمات لهيكل فى اتصالهما التليفونى يوم «4 فبراير 1967».
يتحدث «هيكل» عن أنه فى الشهور الأولى من سنة 1967 كان «عبدالناصر» على نحو أو آخر يقوم فى فكره ومحاوراته مع الدائرة القريبة منه بعملية واسعة لإعادة النظر والمراجعة، وكانت شاملة لمناحى الأوضاع الدولية والعربية والداخلية، والظاهر أنه فى تلك الفترة كان يشعر، ويعبر أحيانا عن شعوره بأن هناك أشياء كثيرة تتغير، وهو لم يستطع أن يصل فيها إلى قرار، وكانت هناك ظواهر يرصدها ولا يستطيع النفاذ بعد إلى أساسها، ومخاطر يراها دون أن يتمكن من تحديد الأسلوب الأمثل لمواجهتها، وضرورات طارئة تفرض نفسها عليه بغير أن تتوافر لديه أسس التحليل الموضوعى لهذه الضرورات، ومتغيرات تجرى على ساحة العالم، وبالذات فى العلاقات بين القويين الأعظم «أمريكا، الاتحاد السوفيتى»، ولكن مداها وعمقها كانا غير واضحين».
يقدم «هيكل» محضرًا للقاء عقد فى القاهرة يوم 4 فبراير «مثل هذا اليوم» 1967 بين «عبدالناصر»، ووفد عراقى، برئاسة الفريق عبدالرحمن عارف، رئيس الجمهورية العراقية، كنموذج دال على الحالة الفكرية والسياسية، التى يمر بها عبدالناصر، ففى طلب الحكومة العراقية منه، كيف يتصرفون فى مشكلة البترول ومسألة تأميمه من السيطرة الأجنبية عليه؟ قال لهم: «ليس أمامكم إلا الصبر فى انتظار ظروف ملائمة»، وفى الصفحة الثامنة من التقرير، تحدث عن عدم راحة العراق من توقيع مصر مع سوريا «ميثاق الدفاع المشترك»، قائلا: «لابد أن نظهر لسوريا إزاء التحرش الذى تواجهه أنها لا تقف وحدها، والحقيقة أننى أجد نفسى فى حيرة بين دمشق وبغداد، فهم يطلبون منى أن أضغط عليكم، وأنتم تطلبون منى أن أضغط عليهم، وأنا أعتقد أننا جميعا لا نتحمل ضغوط بعضنا على بعض، ويكفينا ما نواجهه من ضغوط أعدائنا».
فى صفحة 41 من التقرير تحدث عبدالرحمن عارف عن «الأعداء فى الداخل» وعلق عبدالناصر: «لا ثورة بدون ثورة مضادة، ونحن فى مصر مضى علينا الآن 15 سنة «الثورة عام 1952» ومع ذلك فإن الثورة المضادة موجودة، ولقد وقفت فى مجلس الأمة آخر مرة وقلت لهم بصراحة إن البلد فيها حزب رجعى غير علنى، وهو منظم أكثر من الاتحاد الاشتراكى لأن ما يجمعه هو مصالح لها جذور ممتدة ومتصلة من عشرات السنين، ووقفت مرة فى إحدى الخطب وقلت بأن أكثر تلغرافات التهنئة، التى أتلقاها فى المناسبات هى من عناصر الثورة المضادة، وهم فى الحقيقة لا ينسون المناسبات، ولكن النوايا شىء آخر، وكنت دائما أقول إن هؤلاء أقلية، ولكن الثوار الحقيقيين أيضًا أقلية، والصراع بين الفريقين هو صراع على اكتساب ثقة الجماهير، أو بمعنى أصح صراع للتأثير على الجماهير، إن الذين يشتغلون بالسياسة فى بلاد مثل بلادنا لا يزيد عددهم عن خمسة آلاف أو عشرة آلاف، وفى المقابل فإن العناصر النشطة المضادة المشتغلة بالسياسة لا تزيد أيضًا عن هذا العدد، أما الباقون فهم جماهير عريضة تسمع وترى وقد تتأثر، وإما أن تؤثر عليها أنت أو يؤثر عليها غيرك، يعنى إما أن تؤثر عليها الثورة أو تؤثر عليها الثورة المضادة».
وفى صفحة 48، جرى الحديث عن قوى الثورة، وقال عبدالناصر: «هناك قوى سياسية كان يمكن أن تكون رصيدًا احتياطيًا للثورة، ولكنها لسوء الحظ ولأسباب مختلفة تلعب دور الرصيد الاحتياطى للثورة المضادة، وأقصد بالذات فئتين: الشيوعيين والإخوان المسلمين».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة