عفاف عبد المعطى تكتب: قراءة فى رواية قبل الموت

السبت، 25 فبراير 2017 05:00 ص
عفاف عبد المعطى تكتب: قراءة فى رواية قبل الموت عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تعد رواية نورا أمين "قبل الموت" الصادرة عن دار العين، نصا من نوعية ما أطلق عليه جينيت (Genette 1982) النص السابق وهو نص يولد منه نصا جديدا يسمى نصا لاحقا، ويتم ذلك حين يُشتق نص جديد من نص سابق بفضل عملية التحويل فيدخل النصان فى علاقة نصية لاحقة يخضع فيها النص المصدر لعملية تحويل مباشرة أو غير مباشرة فتعاد كتابة النص كتابة جديدة.

من ذلك ما كتبت نورا فى صورة مشهدية استهلالية  للنص عن تلك الممارسة الآلية للجنس بين رجل مدرب على ذلك وامرأة باتت لا تشعر معه بشىء "فى غرفة بعيدة غريبة امراة تخلع ملابسها سريعا مدربة جيدا هى، هو يأتى لا يقبلها يتناولها بإقبال مدرب ينالها، لا كلمات بينهما" (ص121)  هذه الآلية فى الفعل تشى بأن القارئ أمام رواية من نوع الروايات التى تقدم بشكل حفرى لتلك الظروف التى أدت إلى تلك المصائر أو إلى الأفعال الروتينية التى تقتل الروح أكثر من كونها تساعد على الحياة، والتى تعد دربا من قبل الموت، وعلى الرغم من حبكة المشهد ووضوح الوصف للصورة إلا المقدمات لا تؤدى إلى ما يتوقعه القارئ من نتائج، حيث تدخلنا الكاتبة فى حالة أخرى دلالة على ما قبل الموت لكنها الحالة الصريحة للرجل العجوز الذى يلهث محدثا جلبة داخل الشهر العقارى كى يتأكد من تسجيل قطعة الأرض التى تستخدم كتربة إيذانا بدفنه فيها "لابد له قبل أن يموت أن يتأكد من أن المقبرة مسجلة رسميا باسمه وأن أحدا لن يحتلها بوضع اليد  وأن الأورق كلها مستوفاة (ص129) إن التتالى السردى فى رواية قبل الموت للكاتبة نورا أمين أن جاز أن نطلق عليها رواية لا يشى أن ما تقدم عن ذلك الرجل هو جزء منها بقدر ما هو نموذج ضمن نماذج عدّة موضوعة بين دفتى الكتاب مصورة لعدة حالات وصل بها يأسها مداه فلم يكن لها ملجأ غير الموت،  وهو ما جاء على لسان العجوز نفسه "أجل الحياة قصيرة للغاية بالكاد تأتينا ثم لا تلبث أن تنفلت بينما نحاول نحن العثور على مقبرة لا يمكن لأحد نزع اسمنا من عليها، لذلك قررت أن أقتل الموت".

 

يحسب للكاتبة نورا أمين الكثير فى مجالات الإبداع والكتابة، أولا إصدارها لنصوص إبداعية بينها فترات زمنية متباعدة، وهو ما يشى باهتمام الكاتبة بمضمون المكتوب أكثر من اهتمامها بنشر وانتشار النصوص نفسها، يحسب لها أيضا اهتماها وممارستها لفن المسرح أبو الفنون وتدريبات تأهيل الممثل و كذلك للترجمة، إذن نحن أمام فنانة بالمعنى الأشمل لذلك استخدمت فى النص ما أطلق عليه فى النقد الغربىsub-text  وهو النص الموحى به وليس المُصرح به مباشرة فى ما يشى بإنتاج الذات (بالطبع ليس ذات الكاتبة) بمعنى النظر الى خيوط الدوال فى نسيج النص خاصة أن كان نص قبل الموت ينفى عن نفسه كونه رواية بالمعنى التقليدى.

 

فى نص قبل الموت يجد القارئ نفسه أمام مجموعة من المشاهد مكتوبة فى لغة شعرية نسجت بعناية لكنها ليس بحال رواية إلا لو استثنينا تداخل السرد بصوت الراوى الذاتى عندما تصف المرأة القعيدة نتيجة للشلل نفسها ومحاولتها لإيجاد أية علامة جسدية تسترجع معها أنوثتها الغابرة، أو صوت الراوى الفاعل لفعل السرد وهو ليس شخصا بل هو ضمير مستتر فى ثنايا النص وإن كانت نورا أمين جعلت هذا الراوى يعترف بأنه نائب عن الشخصية "اكتب ذلك بالنيابة عنها لأن الكتابة حرفتى (ص135) لتتواصل حرفية الكتابة بالتناوب بين السيدة العاجزة عن الحركة والراوى أو السيدة الأخرى التى تروى عنها تفاصيل لا تتعلق بمسار الحياة بكل ما تفيض به بقدر ما هى تفاصيل جسدية  كتبتها صاحبتها وراويتها عنها كى تؤكد أن على فعل العجز الذى يؤدى حتما إلى الموت على اعتبار أن ما تصفانه وتسردانه هو دلالة ما قبل الموت "ينبغى العثور على السلام الكامن فى العجز الكامل" (140) والجناس الناقص هنا بين الكامن والكامل هو خير دليل على الاستسلام للعجز.

 

انتظم سياق المروى فى نص "قبل الموت" للكاتبة نورا أمين ضمن مجموعة من الأساليب السردية المتباينة، فتلك الحكايات التى تضمنها النص ما هى إلا مشاهد قدر منها متصل وأكثرها منفصل مثل حكى السرد عن المرأة العاجزة واتباع ذلك لمسار من القص النفسى كانت الصورة متحركة بطلته والعنصر الوحيد الثابت فيها "لمحت قرينتى، نقطة مقابلة ثابتة جسد واقف فجأة دون حراك كانت امراة تشبهنى لكنها كانت مأزومة" (ص164).

 

 قدم نص "قبل الموت" صورة غير تقليدية للرواية التى تعتمد الشخوص والأحداث وتراتب السرد ونتنوع أساليبه، ذلك أن مركز السرد كان على الشخصية بما يؤال إلى أن كل شخصية تبحث عن معنى لوجودها مسارها الفناء لكن هناك شخصيات تدرك لحظات ما قبل الموت بينما معظم الشخصيات تجهله.

 

إن الصورة النسوية التى قدمها النص سواء بعلاقة المرأة بنفسها أو بعلاقة المرأة بالمرأة يشى بنوع من كتابات السيرة الذاتية ومن ثم تباين علاقة الراوى بالحكاية التى يتصور قارئها مدى علاقة الراوى بالحكاية التى يرويها هل يسرد ما عاشه من أحداث أم هو يسرد أفعال الآخرين؟ وبفضل الطريقة التهويمية التى اتبعتها نورا أمين لا يجد القارئ لهذا السؤال إجابة  كذلك المستويات السردية التى تندرج فيها افعال السرد فقد كان السرد فى نص قبل الموت ينحو إلى المستوى الأول لوصف حالات متباينة فى مرحلة ما قبل الموت الحقيقى أو المعنوى، ثم المستوى الثانى من السرد عن أناس هم أيضا فى طريقهم إلى الموت مثل الكاتب الذى انتحر بعد أن قابلته الكاتبة فى منتجع ما للكتابة "منذ بضعة سنوات كنت فى منحة للكتابة فى قرية أوربية هادئة قابلت شاعرا مكسيكيا كان هنا للغرض نفسه، سافر فى الصباح دون أن يدرى أحد بعد أسبوعين جاء خبر انتحاره، الحب هو بداية الانتحار البطئ بعينه، لم يقتله حبيبه ذو القلب الميت إنما قتله الحب " (ص 184) فذات الكاتب الفاعلة للانتحار هنا لم تمتلك القوة للإقدام على الانتحار إلا لأنها امتلكت كفاءة أداء الفعل بفضل شعور إلياس المنطى الذى يعد  ضرورة  لا محالة منها للوصول إلى  إنهاء الحياة.

 

إن نوعية الكتابة التى قدمتها الكاتبة نورا أمين فى نص "قبل الموت" بتخليها عن فكرة القواعد الإساسية للرواية وجنوحها إلى كتابة نص غامض بطله الأساسى الشخصية، بل ليست الشخصية العادية، بل هى الشخصية التى تقع فى ذنب إدراكها لواقعها، بمعنى أن الشخصية كلما أدركت حقيقة علاقاتها بالآخرين أو بالنسق الاجتماعى كلما وقعت أسيرة لهذا الإدرك الذى غالبا ما يؤدى إلى هلاكها.

 

 كما أن التفاعل بين هذه الشخصية وغيرها من الشخصيات القارة فى محيطها يشى ويضىء أسرار انطواء تلك الشخصية التى غالبا لا تتألف أو تتماس وفى حالة التآلف مع غيرها أو التماس فهى هالكة لا محالة.

 

إن ارتباط نورا أمين بالمسرح أبو الفنون وإخلاصها للعمل فيه فرض عليها استخدام اليات أبو الفنون عند السرد فجاء نص قبل الموت مشهديا من الدرجة الأولى سواء كانت مشاهد منفصلة كل قائم بذاته أو متصلة لتعبر عن تماس شخصية المرأة بشخصيات أخرى لذلك اتخذ السرد مستويات عدة المستوى الأول فيها كان السرد المبتدى أى الحكاية التى تتضمن عددا من الحكايات مثل الحكاية داخل الحكاية بما مثله السرد وما يليه من تباين فى ذكر الشخصيات الفرعية التى تظهر من خلال حكى المرأة فى المستوى الأول من الحكاية مثل شهر زاد فى ألف ليلة وليلة تروى حكايات عن شخصياتها (النسوية عند نورا امين) وهى بذلك رواية من خارج الحكاية ثم عندما تدخل تلك الساردة إلى النص، فهى إحدى شخصياته تسرد نفسها بالتفصيل محققة المستوى الثانى من السرد لنوع من الكتابة  الذات / نفسية باقتدار.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة