مابين احتلال الجزائر والانتداب للبنان وقف ماضى فرنسا فى طريق المتطلعون لقصر الإليزيه، حيث يدرك المرشحون للرئاسة الفرنسية - والتى ستجرى انتخاباتها فى أبريل المقبل - أن هناك محطات عربية مهمة لا يمكن إغفالها وهم يسوقون لأنفسهم كرؤساء المستقبل، تلك المحطات تأتى اهميتها من أنها تحمل ماضيا آتيا من زمن الاستعمار والوصاية ومستقبل يقبع بقبضة الفرنسيون ذو الأصول العربية.
هؤلاء المجنسون ينظر لهم المرشحون لرئاسة فرنسا على أنهم الورقة التى ستغلب كفة أحدهم فى نهاية الطريق، فبيروت والجزائر محطاتان عربيتان لا يمكن لأى من المرشحين الوصول لقصر الإليزيه دون المرور عليهما، وهو ما ظهر خلال الأسبوع الماضى من تعاقب المرشحين للرئاسة على تلك العواصم الشرق أوسطية.
وبالفعل بدأ المرشحان الأوفر حظا – وفقا لآخر استطلاع للرأى فى فرنسا - للانتخابات الرئاسية فى حملتهما الرئاسية من الخارج، حيث حل المستقل إيمانول ماكرون ضيفا فى الجزائر فى زيارة أثارت زوبعة لن تُمحى أثرها سريعا حول 132 عام من الاحتلال الفرنسى، فى حين وصلت مرشحة اليمين مارين لوبان للبنان لتحيى تاريخ من الانتداب الفرنسى عليها، مرشحة نفسها كحامى للمسيحيين من الاضطهاد.
ماكرون وفى سبيل مغازلته لنحو 2 مليون فرنسى من أصول جزائرية لجأ للاعتراف بجرائم بلاده ضد الجزائريين إبان مرحلة الإستعمار، وقال خلال زيارته للعاصمة الجزائرية أن "الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسى، ويعد جريمة ضد الإنسانية، ووحشية حقيقية تتطلب تقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات".
ووقعت تصريحات ماكرون كالصاعقة فى الداخل الفرنسى الذى هاج على المرشح الرئاسى فى وقت ترفض فيه باريس الرسمية حتى الآن، الاعتراف رسمياً بجرائمها فى الجزائر، وحاول منافسوه من تيار اليمين المتطرف استغلال تلك التصريحات لإشعال المعركة الانتخابية داخليا، حيث قال جيرار دارمانين المقرب من الرئيس السابق نيكولا ساركوزى والنائب عن الحزب الجمهورى (يمين) فى تغريدة "العار لإيمانويل ماكرون الذى شتم فرنسا فى الخارج (بقوله) الاستعمار الفرنسى كان جريمة ضد الإنسانية".
استغلال هذا الإرث الثقيل الذى جاء نتيجة أكثر من قرن استعمارى للأراضى الجزائرية فى الحمله الانتخابية لكسب أصوات جديدة، أمر معلوم جيدا لدى الجزائريين الذين لم يعولوا كثيرا على تصريحات ماكرون حيث اعتبر مدير ديوان الرئاسة الجزائرية أحمد أويحيى، تصريحات مرشح الرئاسة بأنه "بصدد عمل حملة انتخابية فى الجزائر"، مؤكدا أنها جاءت "لمغازلة الجالية الجزائرية فى فرنسا".
وأشار إلى أنه "سبق للجزائريين سماع أجداد الفرنسيين يتغنون بمحو الجزائر عبر جرائم نكراء، لكن الشعب الجزائرى انتصر"، والآن فى فرنسا يتصارعون ويتحدثون بأن الاستعمار ضد الإنسانية، لافتا إلى أن أراضى بلاده شاهدة على المحرقة ضد ضباطهم وجنودهم.
وفى الوقت الذى فضل فيه ماكرون اللعب بورقة الاحتلال الفرنسى للجزائر راحت أبرز منافسيه اليمينية المتطرفة مارين لوبان لاستخدام ورقة مغايرة تماما حيث اختارت لبنان التى كانت تحت الانتداب الفرنسى لثلاثة عقود متتالية عقب سقوط الدولة العثمانية لتسوق نفسها كحاميه لحقوق المسيحيين فى الشرق، مغازلة ما يقرب من نصف مليون فرنسى من أصول لبنانية.
وقامت لوبان بزيارة إلى بيروت غير مباليه بالاعتراض الشعبى على قدومها، حيث طالبت بعض الأوساط اللبنانية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لإلغاء "زيارة الفاشية لوبان"، التى وصفوها بأنها تسعى لنشر العنصرية العنيفة وإرهاب المسلمين فى الحياة السياسية اليومية الفرنسية"، وأن حزب لوبان "الجبهة الوطنية الفاشية يعتمد خطاب كراهية ضد الأجانب ومجتمعات المهاجرين والغجر والمسلمين، وهذه الخطابات هى أساس التعبئة التى تستند إليها حملة لوبان الانتخابية للرئاسة الفرنسية.
إلا أن الزيارة تمت نظرا للعلاقات التاريخية التى تربط بيروت بباريس والتى تمنع مسئولى لبنان من إغلاق الباب فى وجهها، وما أن وطأت قدماها بيروت حتى بدأت فى التسويق لنفسها مدافعة لحقوق المسيحيين فى الشرق وهو التصريح الذى كان الأكثر استهلاكا للمرشحة المتطرفة.
لوبان قالت بعد لقاء وزير الخارجية جبران باسيل، "إن أفضل طريقة لحماية المسيحيين فى الشرق الأوسط هى القضاء على التطرف الإسلامى وهو أمر أخذته على عاتقى فى فرنسا لأن هذا الخطر قاتل، وقد كنا ضحاياه جراء الهجمات القاتلة التى وقعت فى فرنسا، وهى هجمات مستمرة على الأراضى الفرنسية، وبالتأكيد هى اقل جسامة لكن عددا لا بأس به من الهجمات يقع اسبوعيا فى الوقت الحالى عبر الاعتداء على عناصر من الشرطة ومدنيين، وهم يهتفون "الله أكبر".
وأضافت "أن وسيلة حماية الاقليات المسيحية هى القضاء على أولئك الذين يهدفون إلى تدمير كل الأقليات، هذا واضح بالنسبة لى، وذكرت أن ما يهمنى فى موضوع حماية المسيحيين هو العمل على تمكينهم من البقاء فى ارضهم وليس كما اقترح الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى منذ سنوات بإقناعهم بترك بلادهم وتحويلهم إلى لاجئين فى بلادنا". واعتقد أن هذه الرؤية خطيرة لمسيحيى الشرق الاوسط وهذا ليس هدفى، وإنما ما اريده هو جعلهم يواصلون العيش بأمان وطمأنينة فى بلدانهم".
وها هو بدأ العد التنازلى للانتخابات الرئاسية الفرنسية قد بدأ حيث ستجرى أولى جولاتها فى 23 أبريل المقبل بين خمسة مرشحين يبرز من بينهما ماكرون ولوبان كالأوفر حظا، واللذان خطفت حملتهما الانتخابية فى الخارج الأنظار أكثر من تحركاتهم الداخلية حيث يراهن كل منهما على أصوات الفرنسيين المهاجرين الذين سيكونون رمانه الميزان.