رويترز: اليونانيون يغوصون فى مستنقع الفقر بعد 7 سنوات من خطط الإنقاذ

الثلاثاء، 21 فبراير 2017 03:53 م
رويترز: اليونانيون يغوصون فى مستنقع الفقر بعد 7 سنوات من خطط الإنقاذ مظاهرات باليونان - أرشيفية
رويترز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يخطر على بال "ديميترا"، حتى بعد أن بلغت سن التقاعد، أن ظروف الحياة قد تدفعها لقبول معونات غذائية، تتمثل فى بعض الأرز وكيسين من المكرونة وكيس من الحمص وبعض التمر وعلبة من الحليب فى الشهر.

أصبحت "ديميترا"، فى الثالثة والسبعين من عمرها، واحدة من عدد متزايد من اليونانيين الذين يدبرون أحوالهم بصعوبة، وهى التى كانت تساعد المحتاجين متطوعة فى الصليب الأحمر للعمل فى تقديم الطعام، فبعد 7 سنوات من خطط الإنقاذ، انهالت فيها المليارات على البلاد، لم يطرأ أى تحسن على مستوى الفقر، بل ازدادت الأوضاع سوءًا بدرجة لا مثيل لها فى أى دولة أخرى بالاتحاد الأوروبى.

تقول المواطنة اليونانية: "لم يخطر ذلك على بالى قط، عشت حياتى باقتصاد، لم آخذ إجازة، لا شىء، لا شىء على الإطلاق"، وامتنعت عن ذكر بقية اسمها خشية الوصمة التى ترتبط فى الأذهان بقبول المعونات فى اليونان، بينما تنفق الآن أكثر من نصف دخلها الشهرى، البالغ 332 يورو (350 دولارًا) على إيجار شقة صغيرة فى أثينا، والباقى تنفقه على فواتير خدمات المرافق الأساسية.

الأزمة المالية العالمية التى شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، وتداعياتها اللاحقة، دفعت 4 من دول منطقة اليورو للجوء إلى مؤسسات الإقراض العالمية، وخضعت كل من أيرلندا والبرتغال وقبرص لخطط إنقاذ، وخرجت من أزمتها وعاد اقتصادها للنمو من جديد، أما اليونان، التى كانت أول دولة من الدول الأربع فى تطبيق خطة إنقاذ عام 2010، فقد احتاجت ثلاثة حزم إنقاذ.

أنقذت أموال هذه الحزم التى دفعها الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى اليونان من الإفلاس، غير أن سياسات التقشف والإصلاح التى اشترطها المقرضون ساعدت فى تحويل الركود إلى كساد، وقد حاول رئيس الوزراء "أليكسيس تسيبراس"، الذى تتراجع شعبية حكومته ذات القيادة اليسارية فى استطلاعات الرأى المتلاحقة، أن يجعل من محنة اليونانيين صرخة استغاثة، فى أحدث جولة من المفاوضات الطويلة مع المقرضين الذين يعطلون الإفراج عن مزيد من المساعدات.

وفى تصريحات صحفية الشهر الحالى، قال رئيس وزراء اليونان: "علينا جميعًا توخى الحرص تجاه بلد تعرض للنهب، وقدم شعبه وما زال يقدم تضحيات كثيرة باسم أوروبا".

على صعيد حزم الإنقاذ المقدمة لليونان، فقد تمثل جانب كبير من أموال المساعدات الطائلة فى صورة التورط فى ديون جديدة لسداد ديون قديمة، لكن بغض النظر عن المسؤول عن انهيار مستويات المعيشة، فإن أرقام الفقر من وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبى (يوروستات) مروعة، بينما الحقيقة أن اليونان ليست أفقر الدول الأعضاء فى الاتحاد الاوروبى، فمعدلات الفقر أعلى فى بلغاريا ورومانيا، غير أن اليونان تأتى بعدهما مباشرة، فى المركز الثالث، وتبين بيانات يوروستات أن 22.2% من السكان تعرضوا لـ"عوز شديد" فى 2015.

وفى حين أن الأرقام شهدت انخفاضا حادا فى دول البلقان، فيما بعد العهد الشيوعى، إذ بلغ الانخفاض نحو الثلث فى حالة رومانيا، فقد تضاعف المعدل فى اليونان تقريبًا منذ 2008، وهو العام الذى تفجرت فيه الأزمة العالمية، وعموما فقد انخفض المعدل على مستوى الاتحاد الأوروبى من 8.5% إلى 8.1% فى تلك الفترة.

وتتضح الصورة الواقعية لهذه الإحصاءات فى أماكن مثل بنك الطعام، الذى تديره بلدية أثينا، حيث تتسلم "ديميترا" وغيرها من المواطنين معوناتهم الشهرية، فأمام هذا البنك وقف عشرات اليونانيين فى وقار، وكل منهم يحمل بطاقة فى يده للحصول على حصته، وكلهم مسجلون فى قائمة من يعيشون دون حد الفقر البالغ 370 يورو شهريًّا.

تقول "إيلينى كاتسولى"، المسؤولة فى دار البلدية بالعاصمة اليونانية، التى تتولى إدارة المركز: "الاحتياجات هائلة"، بينما توضح أرقام بنك الطعام الذى يخدم منطقة وسط أثينا، أن الاتجاه على المستوى المحلى مماثل للاتجاه الذى أوضحته بيانات يوروستات، وتتابع "كاتسولى" حديثها بتأكيد أن عدد الأسر المسجلة فى البنك يبلغ 11 ألف أسرة - بواقع 26 ألف شخص - وذلك بارتفاع ضخم عن مستوى 2500 فقط فى 2012، و6000 فى 2014، ويشمل هذا العدد 5000 طفل.

أما على صعيد فداحة الصورة التى تكشفها أحوال البنك، فكانت كثير من الأرفف والثلاجات التى يتم تخزين الطعام فيها فارغة، فما يتم توزيعه يتوقف على ما يتبرع به رعاة المركز، وهم من الشركات التى تعانى هى نفسها فى كثير من الأحيان، وتقول "كاتسولى": "نشعر بالقلق لأننا لا نعلم ما إذا كنا سنقدر على تلبية احتياجات هؤلاء الناس، فهناك أسر لديها أطفال صغار، وفى بعض الأيام لا نجد حتى الحليب لنقدمه لهم".

المرحلة التى وصلت لها الحالة اليونانية، دفعت مؤسسات دولية عديدة، منها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، لحث الحكومة على إعطاء الأولوية لمعالجة الفقر والتفاوت فى مستويات الدخل، بينما تشير الأرقام إلى تقدم أحرزته الجهود الحكومية، إذ انخفض معدل البطالة من الذروة التى بلغها عند 28% من قوة العمل إلى 23%، لكنه ما زال الأعلى فى الاتحاد الأوروبى، ومنذ بدأت الأزمة انكمش الاقتصاد اليونانى بمقدار الربع، وأغلقت آلاف الشركات ومنشآت الأعمال أبوابها.

الآن تنعقد آمال اليونانيين على انتعاش الاقتصاد خلال العام الحالى، غير أن بيانات صدرت الأسبوع الماضى، أظهرت أن حجم الاقتصاد انكمش مرة أخرى فى الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضى، بعد نموه فى الربعين السابقين، ويبدو أن تحسن مستويات المعيشة أبعد ما يكون، فقد أظهر استطلاع أجراه اتحاد الأعمال اليونانى، وشركة مارك لاستطلاعات الرأى، أن أكثر من 75% من الأسر عانت من انخفاض كبير فى الدخل خلال العام الماضى.

وتشير الإحصاءات إلى أن كل أسرة من ثلث الأسر اليونانية، لديها عاطل واحد عن العمل على الأقل، فى حين قال 40% من المشاركين فى الاستطلاع إنهم اضطروا لتخفيض الإنفاق على الطعام، وفى حى من الأحياء الفقيرة يقدم مركز خيرى تديره الكنيسة الأرثوذكسية 400 وجبة يومية، مقسمة على أربع مجموعات.

وفى مختلف أحياء أثينا يشهد عدد المشردين الذين ينامون فى العراء على ذلك، ويقود متطوعون عربة "فان" فيها غسالتان ومجففان، لمساعدتهم فى غسل ملابسهم، ويقول أحد المشاركين فى تجهيز العربة وهو يتأهب لاستلام أكياس الغسيل من الرجال والنساء المحتاجين: "أنت ترى الوجوه نفسها، لكنك ترى أيضًا وجوهًا جديدة فى كل مرة".

الصورة العامة تلخصها "ديميترا"، السيدة المتقاعدة ذات الـ73 سنة، وهى تمسك كيسا بلاستيكيا يحوى المساعدات الغذائية التى حصلت عليها، وتقول بنبرة تمتزج فيها الشيخوخة بالضعف والخوف: "لا أعتقد أن هناك شخصًا واحدًا لا يخاف من المستقبل".







مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة