أسماء عطا تقدم قراءة فى ديوان "لا يمكنك الاختباء من الموتى" لـ أسامة بدر

الأربعاء، 15 فبراير 2017 03:00 ص
أسماء عطا تقدم قراءة فى ديوان "لا يمكنك الاختباء من الموتى" لـ أسامة بدر غلاف الديوان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قدمت الدكتورة أسماء عطا جاد الله، الحاصلة على دكتوراه فى النقد الأدبى الحديث من كلية دار العلوم – جامعة المنيا، قراءة بعنوان "غرائبية التركيب وسريالية الصورة" فى ديوان "لا يمكنك الاختباء من الموتى" للشاعر أسامة بدر، جاء فيها:

 

يعرض الديوان (الصادر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب - سلسلة ديوان الشعر العربى 2016) موقفا ذاتيا من جدلية الموت والحياة بوصفهما فانتازيا وليست واقعا حقيقيا، فالشاعر يتناول الواقع الحياتى من رؤية غير مألوفة خارقة لكل الثوابت الموجودة فى الكون وفق آليات فنية مختلفة من خلال العناصر الخيالية التى يعتمد عليها الشاعر فى تكوين نصه الشعرى، وفق إطار متناسق من خلال اللغة والصورة والرمز والإيقاع؛ فالشاعر يصف تجربته وفق عالم متخيل ويخضع هذا العالم لقوانين فيزيائية تختلف عن العالم الذى نعيش فيه، ويتناول شخوصا غير واقعية وخيالية محضة ويصور عالم يخضع لقوانين فيزيائية لم تكتشف بعد بميتافيزيقيا تتناقض والحاضر؛ لذا يعتمد الشاعر على التراكيب اللغوية الجديدة التى تمثل غرابة وجدة لدى القارئ، ولا يدرك المتلقى معناها الحقيقى إلا بعد عملية التركيب والتلاحم النسقى لدلالة الكلمة داخل الجملة، فهو ينقلها من معناها المعجمى إلى واقعها الحياتى، مما يبين مهارة الشاعر.

 

فالتركيب الغرائبى للألفاظ يستمد قوته من المجاز الذى يشحن اللغة بطاقات جديدة ويضفى أسماء على الأشياء ووقائع ليس لها اسم فى اللغة العادية ويتجاوز باللغة محدوديتها لتقدم عالما مغايرا أكثر غنى وهذا لا يوجد إلا فى قصيدة النثر فاقترابها من النثر جعلها تغنى التجربة بالصيغ والمفردات التى لا يمكن قبولها فى الشعر الموزون والاعتماد على المفردات التى تصدم القارئ؛ فاللغة فى تجربة أسامه تعتمد على التكثيف والتوتر الناتج من التناقضات الموجودة فى الحياة وتعانى الذات داخلها من الوحدة والغربة.

 

فالشاعر يلجأ إلى اللغة البسيطة التى تعتمد على البلاغة الواقعية كما يقول( د. سيد البحراوى ) وهو الوعى الجدلى بالعالم دون أن يفرض هذا الوعى نفسه على العالم بينما يدرك قوانينه الحاكمة فى اللحظة المعنية ومن ثم لا يفرض تفاؤلا شعاريا أجوف، ولا يعلن انتصار البطل لأن الظروف الموضوعية لا تزال ضد انتصاره.

 

الصورة الشعرية تحمل سمات المرحلة الشعرية التى يعد الشاعر جزءا منها؛ كما تسجل الحالة النفسية التى يقاسيها الشاعر ويعانى من خلالها فتتنوع الصور فى نص أسامة بين الصور المتلاحقة التى تتلاحق فيها المشاهد والأحداث والدلالات لترسم ملامح الاغتراب والألم التى تصيب الذات. والصورة الانتشارية التى يرصد فيها الشاعر الأحداث، مما يعمل على اتساع الصورة وانفتاحها عبر عملية الوصف التفصيلى لجزئيات الأحداث والصورة الدرامية التى تلعب دورا مهما فى رسم المعنى ليخترق الذات الفردية إلى الذات الجماعية فيمثل المنولوج الداخلى حوار الذات المتشظية أمام الواقع، فالشاعر يرتدى قناعات تصويرية داخل النص بوصفها أجسادا تتحرك بداخل الصورة الدرامية التى تعزف عن استخدام المجازات والأخيلة بل ترصد الواقع الإنسانى، كما هو رصدا شعريا دقيقا لحال الإنسان، فالشاعر يطرح تجربته الدرامية فى الحياة على الفضاء الورقى ليجسد حالة التشظى والاستلاب التى تعيش فيها الذات، حيث إنها لا تجد متنفسا لها حتى تحقق خلاصها فالحلم أصبح مسلوبا منها، حيث إنه يشترى أحلامه، بالإضافة إلى الصورة النفسية والفلسفية التى تمثل حلقة وصل بين الشاعر والعالم الخارجى، والصورة الرمزية والارتدادية التى تقطع التسلسل الزمنى، فتجعل القارئ يستحضر زمنين أمام عينيه فى لحظة واحدة الزمن الحالى والزمن السابق التى يستمد منه البراءة والنقاء والزمن الحاضر الذى يعانى منه و الصورة السينمائية التى تجسد إيقاعا بصريا عبر اللقطات التى تتوالى لتكمل المشهد مما تدفع المتلقى إلى الانتباه والتركيز الشديد حتى يمتزج بالنص.

 

الإيقاع

يلعب الإيقاع الداخلى دورا مهما فى تجربة الشاعر فيمثل إيقاع التكرار الذى يؤدى إلى رفع مستوى الشعور فى القصيدة، فهو لا يعطى جرسا موسيقيا، وإنما يكون مرآة عاكسة لكثرة الشعور المتعالى فى نفس الشاعر وإضاءة للقارئ بتتبع المعانى والصور، فهو آلة من كشف أغوار النص؛ بالإضافة إلى التصاعد الدلالى والتركيب البصرى وتجدد المشاهد عبر كل تكرار، بالإضافة لإيقاع التوازى والسلسة، كما يمثل نص أسامة بدر استلهاما للموروث الشعبى من خلال رصده لشخوص هذا الواقع وأفعاله، بالإضافة إلى التناص الذى يعمل على تفاعل النص وحيويته وثرائه كما يعمل نص أسامه على أسطرة الواقع المعيش ويعتمد على المفارقة والتداعى الحر للأشياء.

 

تلعب السريالية دورا مهما فى القفز فوق الواقع المعيش وخلق واقعا جديدا يناسب الذات المحاصرة خارجيا عن طريق الحلم ؛فيعد الحلم  بنية أساسية فى نص أسامة فإذا كان المنولوج يمثل حالة من حالات استبطان الذات لوعيها بالهروب من الخارج إلى الداخل، فإن الحلم يمثل حالة من حالات اللاوعى التى تهرب فيها الذات من الوعى إلى اللاوعى فتقنية الحلم تثرى البنية السردية وتساعد على نمو الحدث حينا وتغيره حينا آخر للتعبير عن صراع نفسى يجد متنفسا له فى اللاوعى عن مخزون المكبوتات والمحرمات والانفلات من المنطق مقابل الوعى الذى يحكم منطق العالم الخارجى. فالديوان يمثل حالة من المهادنة مرة والثورة مرة والتوازى مع العالم مرة أخرى وكلها مجريات الواقع الخارجى ليحقق ثورة داخلية.

 

أنسنة الجماد واستنطاقه تمثل حوارا دراميا يؤازر الشاعر لحظات ألمه،ويقفز الجماد فوق دوره الحقيقى ليمتزج مع الشاعر فى الإبداع ليعوض ما حرمته الحياة فيحل الفن محل ما حرم فى الواقع مما يعمل على تزكية الخيال.

 

حين زارنى الملاك

لم أكن بالمنزل

ابنتى أدخلته غرفة الضيوف

طلب كوب الشاى بثلاث ملاعق سكر

وقطعتى كعك

البنت الطيبة كانت تظن الملائكة كلهم مثل أبيها

هو لا يشتكى - مثلى - من مرض السكر

وليس لديه طبيب عصبى يهدده بالموت دائما

حين جئتُ كان يحدثهم عني

قال أنه رآنى فى الحلم كأننى أطير

الملاك الزائر كان يحمل معه جناحين كهدية

لكننى صرخت : كيف تدخلون ملائكة غرباء

عندها طار الملاك من شباك الغرفة

مُعَلقا فى قدمى حمامة

كنت أربيها للغناء

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة