27 سنة كاملة، لم ير فيها شكل الشوارع، قرابة الثلاث عقود قضاها خلف القضبان، لم ير سوى اللون الأزرق المتمثل فى ملابس السجناء، ينام فى وقت معين ويستقيظ فى توقيت محدد، ويأكل ويشرب من نفس الوجبات المقررة، يندم كل يوم مر من عمره على لحظة "شيطان" ضعف فيها، فسلم عقله لشيطانه وتاجر فى المخدرات ليكون السجن مأوى له.
السجين
"عم شكر"، كما يناديه السجناء فى سجن برج العرب، يقترب من عامه الستين، تخاف أن تصافحه بقوة خشية أن يسقط منك على الأرض، تجلس معه تتحدث برفقته، تشعر أنك تتكلم مع شخص من أهل الكهف، لا يدرى ماذا يحدث فى الخارج، خاصة أنه غير مهتم بمشاهدة التلفاز مثل باقى السجناء، ولا يجيد قراءة الصحف.
وسرد السجين، لـ"اليوم السابع" قصته الكاملة، منذ 27 سنة قبل الآن، عندما تم القبض عليه فى قضية "هيروين" أو "بودرة" كما يطلق عليها "عم شكر"، وصدر ضده حكم بالسجن المؤبد، ليقضى أروع أيام الشباب داخل السجن.
قال السجين، فى بداية حديثه: "اسمى شكر الله .ف، أبلغ من العمر 58 عامًا، للأسف قضيت 27 سنة منهم فى السجن، حيث دخلته وعمرى 31 سنة فقط، فكنت فى ريعان الشباب، وسأخرج وأنا كهل عجوز لم أستفيد من شبابى شىء، نادمًا على ما اقترفت يدى، مرددًا ليت الشباب يعود يومًا".
واستطرد شكر: "أخرج حاجة فاكرها قبل ما ادخل السجن إننا روحنا كأس العالم سنة 90"، هكذا يتحدث السجين عن الفترة التى سبقت دخوله السجن، وبعدها مباشرة فى 1991 دخلت السجن، فى قضية حيازة "هيروين"، وصدر ضدى حكمًا بالسجن المؤبد، وتوالت الأحداث بالخارج وأنا هنا لا أدرى شيئا، قالوا لى من قدموا حديثًا للسجن، أن البلد حدث بها زلزال، ومنهم من تحدث عن إرهاب التسعينيات، وآخرون قالوا لى: "أنت مش دريان بالدنيا دا فيه ثورتين قاموا فى البلد.. بس أنا مش عارف غير ثورة 1952"، حكوا لى عن شكل الشوارع بالخارج، وقالوا لى أنها امتلأت بالكبارى، وأصبحنا أكثر من 104 ملايين مواطن فازدحمت الشوارع بالمواطنين، لكنهم قالوا لى لم تبق هذه "الوشوش" الطيبة كما هى، فزادت الجريمة واستبدلت الوجوه الطيبة بأخرى لم نراها أو نألفها قبل ذلك، وسادت أجواء من التوتر بين معظم الناس".
"السجين"، نحيف الجسد طويل القامة أسمر الملامح، قال: "كونت صورة عما يدور بالخارج وعن طبيعة الأشخاص، ولدى أمل فى الخروج للحياة مرة أخرى قبل أن أموت، ورغم أننى قضيت هذه العقوبة الطويلة التى أطاحت بشبابى إلا أننى لا ألوم سوى نفسى الأمارة بالسوء، والتى زجت بى فى السجن، حتى أصبحت فى أشد حالات الندم، فى وقت لا يفيد فيه الندم، فقد ضاع كل شىء ولم تتبق سوى الجميع".
ووجه شكر نصيحة للجميع مفادها: "نصحيتى للجميع، لا تسلموا عقولكم للشيطان، حتى لا تكونوا فى يوم هنا مكانى، تحروا الحلال فلا تجروا وراء المال الحرام، فتكون العواقب وخيمة، فقد حُرمت من زوجتى التى تعانى الأمرين فى غيابى ورفضت الطلاق، على أمل فى الخروج والعيش معها ما تبقى من العمر، واثنين من أولادى تركتهما طفلين وبات الاثنين رجلين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة