اقرأ معنا.. فصل من رواية "حكايات الحسن والحزن" لـ أحمد شوقى على

الأحد، 31 ديسمبر 2017 06:00 م
اقرأ معنا.. فصل من رواية "حكايات الحسن والحزن" لـ أحمد شوقى على حكايات الحسن والحزن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهب الجميل سالم بصحبة أخيه الأكبر للمعلم هيكل الأصيل، المقاول نجار المسلح، وبعد أن تعارف الطرفان، وأفصح كل من خامل وهيكل للآخر عن ولعه الأثير والخرافى بالأسمنت، قال خامل -وكان قد استراح فى مجلسه- لعمه هيكل.. يا حاج أخى سالم الصغير يعمل معى بالشركة ميكانيكى وهو أسطى عن تعليم وليس عن اكتساب وممارسة، والحمد لله من قوت يومه بنى شقة جديدة فى منزلنا، هى تلك التى تواجهكم، وأمه –مد الله فى عمرها وزادها حظًا وسعادة- رأت أن لابد له من الزواج، وبصفتها امرأة حصيفة -وأنت تعرف النساء- سألت عليكم، ولعرضكم النظيف وأصلكم العفيف ولحسن ظنها بكم تمنت مصاهرتكم، فماذا قلتم يا معلم؟
 
مَكر المعلم، وأخبره إن ابنته الكبرى متزوجة، والباقيات صغيرات.
 
وعافر خامل كثيرًا مع الرجل للخروج بإجابة ترضى روح أخيه، متحاشيًا الإشارة –أى إشارة- إلى إكرام التى جاءوا لخطبتها بالأساس، لكن الرجل لم يغفل طوال حديثهم أن يغمرهم بوافر الكرم والود، وهو كرم لم يستطيعا معه الصمود أكثر فى الكلام دون نتيجة، وحسنا أنهى خامل الحديث "كنا نتمنى القرب منكم، لكنها فرصة طيبة فى التعرف إليكم –جعلها الله معرفة خير، والله الموفق لكل طيب على كل حال". 
 
وعاد الرجلان بخفى حنين، لكن النساء ثورة لا تنطفئ، فهل من المعقول أن ترضى مسعدة لابنها الجميل أن ينفطر قلبه، وهل ترضى "باقية" أم إكرام لابنتها نفس المصير؟ تواطأت المرآتان، وفى اليوم التالى اتفقتا فيما بينهما على كل شيء، وأكدت باقية لمسعدة أن يعاود الرجلان الذهاب للمعلم بعد أسبوع، سيكون فى ضيافتهم –وقتها- زوج ابنتها الكبرى، وهو ابن عم المعلم هيكل وله عنده دلال وعشم، ثم يقول خامل أن زيارتهما الثانية تلك تأتى للتأكيد على قصور  الود التى أسسا لها بزيارتهما الأولى، وبعد أن يقدم المعلم ابن عمه لهما، يتوجه خامل وسالم بحديثهما إليه ويخبراه عن مدى انشراح صدرهما لبشاشة المعلم وكيف انتويا مصاهرته لولا النصيب –وقانا الله شر طياته- بعدها سيقوم ابن العم بكل شيء.
 وقد كان.وذهب خامل وأخوه من ورائه، وهذه المرة استطاع خامل بكل فخر أن يؤكد للمعلم هيكل أن أخيه حبة عينه لن يبخل عليه بأى شيء، وأنهما جاهزين لكل طلباته مهما كانت! ويا ليته ما قال ذلك، أو ليت سالم لم يحكى لنساء بيته؛ أمه وأخواته ورئيسة -بكل حبِ- ما وعد به خامل حموه الجديد المعلم هيكل الأصيل.
 
وكانت الخطبة من أقسى التجارب التى مر به سالم، فالمعلم هيكل رغم موافقته على الزواج لم ينس أنهما قد تحايلا عليه وأنه وافق إكرامًا لابن عمه زوج ابنته الكبرى، ورغم ذلك صمد سالم وصمدت معه إكرام، حتى جاء يوم تحديد موعد الزواج، وذهب سالم وأخوه للمعلم.. جُهزت الشقة ودهنها سالم بنفسه كما رأيت يا عم، وكل شيء يجرى بمباركتكم... أتعرف أننا حتى الآن لم نتفق على المهر ولا المؤخر...كل طلباتك مجابة إن شاء الله... ألفان مهر ومثلهما للمؤخر... ماذا؟ هذا يفوق طاقتنا ياعم، أبيع له البيت يعنى حتى يتزوج!.. ولم يترك خامل فرصة للصمت حتى يسد الجلسة واندفع سهمًا مغادرًا المكان، ورغم أن الذهول قد أقعد سالم عن الحركة، إلا إنه فى دقائق قليلة استطاع لملمة أطرافه وزحف ليلحق بأخيه دون أن يصدر منه صوت واحد.
 
ماذا جرى لخامل يا ترى؟ هل لم يعد سالم حبة عينه؟ كان يستطيع التفاوض مع المعلم هيكل حتى وإن فشل، هل ضاعت منه إكرام؟ خرس سالم تماما ولم يستطع رفع عينه فى أخيه عند عودتهما، بينما فضح خامل سكون العصر فى منزلهم بصراخه وشتمه، كل ما يعرف من لعنات وسباب وجهها لأخيه وحماه، ثورة اشتعلت فى البيت، والجميع باستثناء خامل وسالم لا يفقهون سببها، وعندما انصرف خامل لغرفته، انفرد سالم الوديع بنساء البيت -إلا رئيسة التى ذهبت خلف زوجها لتهدئ من روعه- وتلا عليهم ما كان من أمرهما مع المعلم هيكل، وبعدما أفرغ ما فى صدره وقبل أن تنشأ أية تساؤلات لدى أى من المستمعين،هبت سيدة واقفة ثم زأرت فيهم: "فعلتها رئيسة بنت الفقي".
 
أتدرون شيئًا؟.. أه آسف للمقاطعة، لكن ما فات قد يكون قصة جيدة قد ترضى شغف محبٍ للحكى لكنها بالنسبة إلى فى منزلة الحَبُّ من التبن، وهذا ليس تقليل من قدر التبن أو ممن يتعاطونه وإنما تعظيم من شأن الحَبُّ ومن لديه القدرة على التقاطه.. اعذرونى إن شققت عليكم، سأحكى الحكاية مرة أخرى، مع وعدِ بالإيجاز قدر الإمكان .. 
 
لنقل:
 
ذهب الجميل سالم - وكان الناس فى موسم المولد - بصحبة أمه وأخيه الأكبر للمعلم هيكل الأصيل، المقاول نجار المسلح، وبعد أن تعارف الطرفان، وأفصح كل من خامل وهيكل للآخر عن ولعه الأثير والخرافى بالأسمنت، قال خامل لعمه هيكل-وكان قد استراح فى مجلسه، فى حين قامت أمه لتجالس النسوة فى غرفة مجاورة- يا حاج أخى سالم الصغير يعمل معى بالشركة ميكانيكى وهو أسطى عن تعليم وليس عن اكتساب وممارسة، والحمدلله من قوت يومه بنى شقة جديدة فى منزلنا، هى تلك التى تواجهكم، وأمه –مد الله فى عمرها وزادها حظًا وسعادة- رأت أن لابد له من الزواج، وبصفتها امرأة حصيفة -وأنت تعرف النساء- سألت عليكم، ولعرضكم النظيف وأصلكم العفيف ولحسن ظنها بكم تمنت مصاهرتكم، ولا تخش شيئًا من تجهيز عروس أو مقدم أو مؤخر، كل ما هو لى هو لأخى وإن قصر هو أتكفل أنا بكل شيء، فماذا قلتم يا معلم؟
 
وقع المعلم هيكل أسيرًا لواجب الضيافة، ولأنه طيب لا يخذل للناس تعشمًا فيه –ما داموا ببيته- كلمهم بالحسنى، وتبسط لهم كثيرًا ولم يعبث –طوال جلستهم- فى وجههم قط، وعندما دخلت مسعدة للنساء، أعطت إكرام مع حلاوة المولد ورقة فئة العشرة جنيهات، ورغم ذلك مضى اللقاء حرانٌ دون بل ريق، فقط سوَّفَ المعلم هيكل وأكد أن كل الأمور بيد خالقها، وهو وحده يقدم ما فيه الخير لهم.
 
"هذه الست مغصوبة على تلك الزيجة" قالها المعلم بحسم لباقية زوجته.. خذى العشر جنيهات وعلبة الحلاوة وأعيديها لهم... كيف ذلك يا معلم... لن أكررها ثانية، هذه الست مغصوبة وهذا الأخنف كامل الذى يتكلم كثيرًا عن المال لن يسد عن أخيه فى شيء، ثم من سالم هذا الذى يجيئنى لخطبة ابنتى بهيئة مثل الراقصين؛ شعره طويل وبنطاله حول خصره وفخذيه ملفوف كالمزمار، خذى الحلاوة والفلوس وأعيديها إليهم!
 
مرت سنة! وهل يصدق أحدكم أن تمر السنة دون أن يعاود جابر الكرة من جديد لخطبة إكرام، أو أن تمر السنة دون أن تهدد إكرام بالانتحار أو الهرب، نعم مرت سنة دون أن يحدث أى من ذلك، فالأقدار أبلغ -فى كثير من الأحيان- من المجاز.. 
 
فى أول أيام سنة القطيعة، أى بعد زيارة عائلة خامل لبيت هيكل بيوم واحد، جاء عسكرى إلى بيت مسعدة وخامل يأمر سالم بتنفيذ أمر بالتجنيد الإجبارى وعليه غاب سالم شهرًا ونصف، لكن ليس التجنيد الإجبارى وحده هو سبب الميوعة التى وصمت سنة القطيعة، فنفس سالم/ جابر التى أنضجتها السنين هى فى حد ذاتها نفس مائعة، عجيبة، فأحيان كثيرة تكون ردة فعله مفارقة تمامًا للجهد المبذول فى نيل الشيء الذى يشتهيه، وصفة ذلك الشيء المشتهى، بل إن كلمة "شهوة" فى حد ذاتها غير دقيقة إذا أطلقناها على الطموحات التى تكنها نفس ذلك الفتى، فأمور كثير تجيش بذاته قد يراها ذوو النظرة غير الأصيلة مجرد نزوات أو العكس، ولعل ذلك انعكس واضحًا جليًا على الرسالة الأولى -والرسائل التى تلتها- التى ودع فيها إكرام عبر ورقة ألقاها على سطوح بيتها، فرغم أنه قد جاء فيها بكل ما قد يقوله عاشق مغدور وقع أسير السجن بعد أن خطف قاضى المدينة الظالم زوجته، إلا أنها جاءت ببساطة فى جملة وحيدة.. سأعود وسنجتمع وستظلين مدى العمر وبعده زوجتي.
 
هذا ما كان من أمر سالم الجميل، أما مسعدة ذات الكبرياء، فقد انتظرت أسبوعًا قبل أن ترد الواجب –هكذا قالت لنفسها- للمعلم هيكل. ذهبت وحدها لبيت صباح اليتيمة وأمها جارتا المعلم، وخطبتها لسالم، وكانت قبل أن تدخل بيت أم صباح قد مرت بإكرام فى الشارع وكسرت خاطرها؛ إذ أقبلت الأخيرة تحييها فأشاحت بوجهها عنها وكأنها ما رأتها، وعندما جلجلت الزغرودة فى بيت أم سميحة، بصق المعلم هيكل على عتبة الباب حيث كانت تقف ابنته.. ألم أقل لكم أن تلك السيدة مغصوبة علينا، (ثم التفت إلى  باقية) الآن فهمتِ، تلك المرأة ترى ابنتك سوداء وابنها أحمر، لذا فقد خطبت له حمراء مثله، والآن ذلك الراقص عندما يعود، أؤكد لكم أن سيفضل صباح الحمراء الجميلة على ابنتك السوداء.
 
لم تكن إكرام سوداء، بل سمراء عسلية العيون، كذلك لم يكن سالم أحمر بل أبيض مثل الخميرة، وليس أبيض لون اللفت أو الحليب، فهل هناك بيض كاللفت غير البُرْصَّ-المصابين بداء البرص-؟ أما شديد البياض فهو أحمر، وكانت صباح حمراء زرقاء العيون مذهبة الشعر، جميلة يضيق المعنى عن وصف جمالها، ورغم ذلك فإن المقارنة بين جمالها وجمال إكرام قد يصب فى مصلحة الأخيرة؛ فاسمرار إكرام لم يأت فقط من نضج جمال فحسب وإنما أيضا من نضج ذكاء ودهاء، لكنه دهاء عن عناد وطيبة!
 
مر الشهر على غياب سالم، تلاه أسبوع ثم أسبوع حتى عاد، وما أن وطأت قدماه عتبة البيت حتى انطلق إلى شقته، ثم إلى الشرفة ناحية السطوح.. بُهت ولم يجد إكرام كما تمنى، بل وخزت الزغاريد أذنيه، وامرأة الصعيدى ترد سؤالًا لزوجها.. الزغاريد من بيت المعلم هيكل، خطب ابنته إكرام لابن أخيه.
 
 دمّر جابر خطبته لصباح تدميرًا؛ ألقى بهدايا أمه التى ادخرتها له طوال الغيبة حتى يهادى بها عروسه عندما يعود، واحتد به الأمر حتى كاد يلطم أخته سيدة التى فشلت محاولاتها المستميتة لتحول بينه وبين إلقاء برطمان السمن البلدى إلى الشارع، وانطلق مغادرًا المنزل إلى بيت أخته إخلاص، لكنه عاد بعد أن قطع نصف الطريق، وذلك عندما أدرك أنه لن يستطيع أن يرى إكرام وهو بعيد عن شرفته، ولمّا أمسى إلى شرفته، وجد فيها ورقة، هى أكثر إيجازًا من رسالته الأولى إلى إكرام، حيث إنها اعتقدت أن الإيجاز الذى اعترى خطابه الأول، ليس إلا وسيلة إلغاز وتأمين تقى علاقتهما شر الفضيحة، لذا فقد جاء ردها الأول...لا تقلق.. لازلت على الوعد محافظة على العهد القديم.
 
شهور تمر والورق يتبادل بين الشرفة والسطوح، حافظت إكرام على الوعد ليس بدافع الحب وحده -رغم أن حبها وحده كفيل لها كى تحفظ العهد- بل أيضًا لأنها كانت ترى طموحها فى سالم، فهو على وسامته نال قسطًا معقولًا من التعليم، وموظف بالحكومة فى شركات الأسمنت الناهضة والطموحة أيضًا، على عكس ابن عمها الذى يعمل بالأجرة فى نجارة المسلح مع أبيها، كيف تتزوج أميًا وهى التى جاهدت فى تعليمها حتى استطاعت الحصول على الدبلوم المتوسط، ثم جاهدت أكثر للالتحاق بالمعهد العالى للمعلمات، وتخرجت لتشغل منصب المدرسة الخالى بمدرسة "الشجيرات" الابتدائية، كان عليها أن تعمل بجد هذه المرة لتُنفر ابن عمها منها، وكانت صبورة رغم ذلك تعمل بهدوء، والتزمت لإبعاده عدة طرق، أهمها أنها كانت تضع له أمام طبقه أثناء الأكل شوكة وسكين وكانت تتعمد أن تأكل بهما أمامه، بينما يضرب هو حيص بيص ويدوخ ويحمر ويخضر ويصفر فى محاولاته المستميتة لمجاراتها فى الأكل، وأحيانًا كثيرة ما ينهى طعامه قبل أن يشق ريقه، حتى أنه حاول –عبثًا- فى بعض المرات أن يطلب من ابنة عمه أن تطهو له الملوخية على الغذاء، فالملوخية لا تحتاج عناءً فى أكلها، وإذا وجد حرجًا فى تغميسها بالعيش شربها بالملعقة، وفى المرات الثلاث التى طلب فيها الملوخية كانت إكرام تضعها باردة  أمامه متعللة بأن عمه طلب طبخها فى الليلة السابقة، فادخرت له منها طبقًا لكنه للأسف بايت.
 
وانفضت الخطبة وكل امرئ صار لحال سبيله بالحسنى أو غير الحسنى، المهم أنها انفضت، ولأن إكرام حبة عين باقية أمها، لجأت الأخيرة إلى يحيى زوج ابنتها البكرية وابن عم المعلم هيكل فى الوقت ذاته، للتوسط لدى المعلم فى شأن إكرام وسالم.
ألقى يحيى اللوم كثيرًا على هيكل.. يا شهم ليست هذه أفعال الرجال، تبعث أم مرزوق بالعشرة جنيهات والحلاوة للناس فور أن خلعوا أرجلهم من عندك! يا أخى لو كنت مكانك لمسَمّرتُ الورقة على الحائط أو لقطعتها ولا كسرتُ بخاطر الناس، راجع نفسك يا معلم، وقد رأيت ما كان من أمر سالم مع صباح وماكان من أمر إكرام مع ابن أخيك، راجع نفسك..
 
لم تكن وساطة يحيى لدى هيكل وحدها التى دفعته لإعادة التفكير بشكل إيجابى فى أمر زواج سالم بابنته إكرام، فابنته متعلمة ولديها وظيفة، وقد خشى المعلم أن تلحق ابنته العار به إذ هى هربت مع سالم، وماذا يفعل حينها، فاضطر أن يوافق. وهكذا وجد سالم ورقة فى شرفته.. الخميس أنت وخامل بعد المغرب، يحيى زوج أختى وسيطنا، ولا تقلق من شيء الأمر محلول إن شاء الله.
 
ذهب خامل وأخوه من ورائه، وهذه المرة استطاع خامل أن يؤكد - بكل فخر-  للمعلم هيكل أن أخيه حبة عينه لن يبخل عليه بأى شيء، وأنهما جاهزان لكل طلباته مهما كانت! ويا ليته ما قال ذلك، أو ليت سالم لم يحكى لنساء بيته؛ أمه وأخواته ورئيسة -بكل حبِ- ما وعد به خامل حموه الجديد المعلم هيكل الأصيل.
 
وكانت الخطبة من أقسى التجارب التى مر بها سالم، فالمعلم هيكل رغم موافقته لم ينس أنه اضطر للرضوخ والموافقة على تلك الخطبة، بالتالى كان على سالم ألا يغضب أو يستاء –هو الموَسوَس بالقرف من أتفه الأشياء- إذا قضى أخو إكرام الصغير حاجته عمدًا أمامه أثناء تناوله العشاء بصحبة حماه، أو إذا قابله الأخير بلباسه الداخلى ثم جلس غير مكترث لحديثه بالمرة يدخن الجوزة، وكان لابد لإكرام إذا أرادت مجالستهما ألا يبدو عليها أى مظهر من مظاهر الزينة، وأن تجلس بعيدًا بجوار أمها على الطرف المقابل لمجلسهما، وكان المعلم يكبل عنقها إذا ظهرت بكل ما يبتعد بها عن المجلس، ورغم ذلك صمد سالم وصمدت معه إكرام، حتى جاء يوم تحديد موعد الزواج، وذهب خامل وجابر للمعلم.. جُهزت الشقة ودهنها سالم بنفسه كما رأيت يا عم، وكل شيء يجرى بمباركتكم.. أتعرف أننا حتى الآن لم نتفق على المهر ولا على المؤخر...كل طلباتك مجابة إن شاء الله... ألفان مهر ومثلهما للمؤخر... ماذا؟ هذا يفوق طاقتنا ياعم، أبيع له البيت يعنى حتى يتزوج إذن!.. ولم يترك خامل فرصة للصمت حتى يسد الجلسة واندفع سهمًا مغادرًا المكان، ورغم أن الذهول قد أقعد سالم عن الحركة، إلا إنه فى دقائق قليلة استطاع لملمة أطرافه وزحف ليلحق بأخيه دون أن يصدر منه صوت واحد.
 
ماذا جرى لخامل ياترى؟ هل لم يعد سالم حبة عينه؟ كان يستطيع التفاوض مع المعلم هيكل حتى وإن فشل، هل ضاعت منه إكرام؟ خرس سالم تماما ولم يستطع رفع عينه فى أخيه عند عودتهما، بينما فضح خامل سكون العصر فى منزلهم بصراخه وشتمه، كل ما يعرف من لعنات وسباب وجهها لأخيه وحماه، ثورة اشتعلت فى البيت، والجميع باستثناء خامل وسالم لا يفقهون سببها، وعندما انصرف خامل لغرفته، انفرد سالم الوديع بنساء البيت -إلا رئيسة التى ذهبت خلف زوجها لتهدئ من روعه- وتلا عليهم ما كان من أمرهما مع المعلم هيكل، وبعدما أفرغ ما فى صدره وقبل أن تنشأ أية تساؤلات لدى أى من المستمعين، هبت سيدة واقفة ثم زأرت فيهم: "فعلتها رئيسة بنت الفقي".






مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة