سليمان شفيق

البابا تواضروس رؤية متجددة ووطنية متدفقة

الأحد، 24 ديسمبر 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- دائما أتذكر محمود درويش، كلما قرأت فى سفر زكريا بالعهد القديم، كنت من المقاتلين فى بيروت وطلب منى ترك السلاح وحمل القلم، ومع نخبة من فرسان الكلمة، عملت فى مجلة المعركة لسان حال الصامدين فى بيروت المحاصرة 1982، وكان من ضمن مهامى إحضار مقال محمود درويش، ولم يكتب درويش كثيرا، وفى أحد الأيام دخلت عليه فوجدته يمسح دموعه، وسألنى «ماذا تريد»؟
 
أجبت متلعثما: ممكن مقالك؟.
 
نظر إلىّ من خلف دموع تسيل من حيفا إلى بيروت، مد يده وأعطانى ورقة مكتوبا عليها:
 
«مَا هذِهِ الْجُرُوحُ فِى يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِىَ الَّتِى جُرِحْتُ بِهَا فِى بَيْتِ أَحِبَّائِى». «سفر زكريا 6/13»
 
- عاد إلينا البابا تواضروس الثانى من رحلة علاجة حاملا صليبه والأمة التى تحتمل ولست أدرى لماذا حينما تذكرته تذكرت محمود درويش وقصيدة مديح الظل العالى، والآية من سفر زكريا التى أعطاها لى على ورقة مازلت أحتفظ بها حتى الآن، هل لأن درويش كان متيما بالنبى الباكى أرميا؟ أم لأن درويش كانت جراحة كما قال زكريا فى بيوت أحبائه، أم أن الشاعر والبابا جاءا إلى خاصتهما وخاصتهما لم تفهمهما؟!! أم أن كليهما امتلك رؤى متجددة فى محيط عتيق؟!!
 
- أثناء دراستى فى جامعة موسكو (1978/1987) التقيت بالبطريرك الروسى المتنيح البطريرك بيمين (1971/1989)، رغم الاضطهاد الشيوعى للكنيسة فإن البطريرك كان يجلس على كرسى أقرب للعرش، داعبته قائلا:
 
هل هذا من عروش القياصرة؟
 
همهم الرجل مبتسما: «البطريرك الروسى كان يضع يده على القياصرة».
 
ابتسمت قائلا: بطاركتنا الجالسون على كرسى مار مرقص أبسط من ذلك، فرد سريعا «ولكنهم ورثة الكاهن الأعظم للفراعنة»، وأضاف: لم نتعرض للاضطهاد إلا مؤخرا ولكن كنيستكم نيران الاضطهاد أحاطت بها ولكنها لم تحترق».
 
- «الذين لم تكن للنار قوة على أجسامهم وشعرة من رؤسهم لم تحترق وثيابهم لم تتغير ورائحة النار لم تأت عليهم (دنيال 3: 94)».
 
خرجت من مقر البطريرك بيمين أتصبب عرقا فى الجليد، تذكرت كيف كانت الإسكندرية مثل أورشليم «قاتلة الأنبياء والمرسلين»، سحل واستشهاد مار مرقص، ومن الشهيد الأول لما قبل الأخير ملايين الأقباط تعمدوا من معمودية الدم، من أوائل القرن الأول، أكثر من خمسة عشر اضطهادا، ولكن كنيستنا العتيدة الوطن والعقيدة عندها توأم ملتصق، فهى: «القبطية الأرثوزكسية»، كل مسيحيى العالم يتعمدون مرة واحدة ونحن نتعمد مرتين: «معمودية الروح ومعمودية الدم».
 
كل بطاركتنا علمونا نصلى من أجل الوطن والنيل والحاكم والجند والزرع إلخ، وسيدنا تواضروس سليل هذه التقاليد، والطقوس المعمدة بالدم فى حب الوطن كجزء من الإيمان.
 
- حينما وقف البابا تواضروس الثانى يتحدث عن العلم والنشيد فى لقاء 3/7 لم يكن البطريرك الأول بل كان يسير على درب أسلافة، ومنذ تأسيس الدولة الحديثة مرت مصر بأحداث وثورات ولم تكن ثورة 30 يونيو هى الثورة الأولى التى شارك فيها المواطنون المصريون الأقباط، بل كانت الثورة السادسة، الأولى كانت 1804 حينما وقف البابا مرقص الثامن، والمعلم إبراهيم الجوهرى مع عمر مكرم وشيخ الأزهر الشيخ الشرقاوى فى الثورة لخلع الوالى العثمانى خورشيد باشا، وتنصيب محمد على باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، وكذلك 1882 وقف البابا كيرلس الخامس بجوار أحمد عرابى وشيخ الأزهر محمد المهدى العباسى فى وجه الخديوى توفيق، وأيد البابا عرابى طوال الثورة العرابية، وبعد الاحتلال البريطانى حدث العقاب الجماعى للأقباط بالإسكندرية (فيما سمى مذبحة الإسكندرية) على غرار ما حدث بعد 30 يونيو (14/18 أغسطس 2013) وكذلك نفى البابا إلى دير البراموس 1890 من الإنجليز لمواقفه الوطنية، نفس البابا وقف بجوار الوفد وسعد زغلول فى ثورة 1919، جنبا إلى جنب مع شيخ الأزهر أبوالفضل الجيزاوى، وهكذا وقف كيرلس السادس مع ثورة يوليو، والحق المصرى والعربى فى استعادة الأراضى المحتلة بعد 1967، وصولا إلى موقف البابا تواضروس الثانى من 30 يونيو، مرورا بموقف البابا شنودة من عروبة القدس والتطبيع مما تسبب فى احتجازه فى دير الأنبا بيشوى، ست ثورات وستة دساتير (1882، 1923، 1958، 1971، 2012، 2014) شارك فيهم الأقباط بالدم، ومن ثم هناك أبناء أجيال جديدة لا تعرف ذلك، وربما كتبنا تاريخ البطاركة والسنكسار ولم نكتب بعمق، كيف حولنا دماء الشهداء إلى تقويم لشهور السنة وأساس كتابى للأمثال الشعبية، وأن ثقافة الوطن ثقافة صنعت بالدم والعرق والدموع وأن حب الوطن جزء من الإيمان للكنيسة القبطية الأرثوذكسية العتيدة.
 
- اعتقد أنه منذ تأسيس الدولة الحديثة، عشرة بطاركة سبقوا البابا تواضروس، مرقص الثامن (1769-1809)، بطرس السابع (1809-1825)، كيرلس الرابع (1853-1862)، ديمتريوس الثانى (1862-1870)، كيرلس الخامس (1874-1927)، يؤانس التاسع عشر (1928-1942)، مكاريوس الثالث (1944-1945)، يوساب الثانى (1946-1956)، كيرلس السادس (1959-1971)، شنودة الثالث (1971-2012)، لم يتعرض أى من البطاركة العشر لما يتعرض له الآن البابا تواضروس من آلام الظهر إلى آلام من جماعات مختلفة داخل الكنيسة وخارجها وحولها، ممن لا يدركون هوية هذه الكنيسة العتيدة.
- كان لابد أن أختتم مقالى بهذا الجزء من قصيدة مديح الظل العالى إهداء للبابا تواضرس:
 
(لك أن تكون- ولا تكونْ / لك أن تُكَوِّنْ/ أو لا تُكَوِّنْ.. / كل أسئلة الوجودِ وراء ظِلَّكَ مهزلهْ/ والكونُ دفترك الصغيرُ / وأنت خالقُهُ / فدوِّنْ فيه فردوس البداية، يا أبى.. / أو لا تُدَوِّنْ / أنت.. أنت المسأله/ ماذا تريدُ؟ / وأنت من أُسطورة تمشى إلى أُسطورة)
سيدنا: مهما رفعت فى وجهك سيوفهم الخشبية، ستتكسر على سفح صليبك









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة