"الحياة سوداء بس مش عارفين نسيبها"، كانت تلك الكلمات التى أنهى بها أحمد عيد، 22 سنة، خريج مؤسسة تربية البنين، بمدينة المنصورة، أو كما يطلق عليها "ملجأ الجلاء"، والذى يضم عشرات الأيتام، مستذكرا وقت إقامته فى الدار، وما حدث له طيلة 20 عاما، قضاها فى المؤسسة.
محافظة الدقهلية، شهدت العديد من الوقائع، بدور الأيتام بداخلها، بداية من كشف واقعة تعذيب للأطفال، بدار أيتام بشربين، والتى كشفت تعذيب 11 طفلا، بالضرب والكى، كان من بينهم طفلة كسرت ساقها وظلت شهر دون تجبير، أو الكشف عليها لدى طبيب عظام متخصص.
فيما وقع حادث لطفلة يتيمة بدار الصفا، منذ شهر، بعدما تسبب مصعد الدار، بقطع إصبعها، بعد أن قامت باللهو منفردة داخل مصعد الدار الكهربى، مما أدى لإصابتها وتم نقلها للمستشفى، وتم بتر إصبعها، وقامت محافظة الدقهلية، بتشكيل لجنة للتحقيق فى الواقعة، وبعد أن أنهت اللجنة التحقيق داخل الدار، وأثناء استقلالهم المصعد للنزول، وقع بهم المصعد، وأصيب بعض أفراد بكدمات وسحجات جراء وقوع المصعد بهم فى البئر.
فيما شهدت دار الصفا للأيتام بطلخا، الاثنين الماضى، وفاة طفل يمسى عبد الله محمد إبراهيم موسى، 16 سنة، بعد أن سقط من الطابق العاشر فى بئر المصعد، أثناء لهوه هو وزميله بالدار، وقاما بفتح باب المصعد أثناء عدم وجود الكابينة مما أدى لسقوطه ووفاته فى الحال.
"اليوم السابع" يفتح ملف المؤسسات والملاجئ فى المنصورة، ويستمع للعديد من خريجى هذه الدور، والذين ألقت بهم الحياة بين جنباتها دون أب أو أم.
سامح السيد سامح
-
الحقيقة المرة
أحمد عيد 22 سنة، عامل بمزرعة بمحافظة البحيرة، وخريج مؤسسة تربية البنين بمدينة المنصورة، بمحافظة الدقهلية، يجلس على رصيف الدار، بجوار قهوة شاردا ينظر للأرض، ويقول "أنا كبرت ووعيت على الحياة وأنا سكان فى الدار هذه، ونزيل بها، وأتعامل فيها مع الكل، وأنا لا أعلم ما الذى أتى بى إلى هنا، وماذا يوجد خلف أسوار هذا الدار، ما هذا العالم الغريب، وهل كل هؤلاء الناس يعيشون فى دور أخرى إذا أين هى، ولطالما تسائلت وأنا صغير لماذا الدار الخاصة بنا، ليست فى طرازها المعمارى، كالبرج المقابل للدار، ودائما كانت تساؤلاتى، يرد عليه بضحك وسخرية من براءة طفل، لا يعلم شيئا عن الحياة.
ويضيف "عيد"، ومع الوقت بدأت أدرك أنى لقيط، بلا أب أو أم، وأن هذه الدار، تم إيداعى بها بعد أن عثر على بعض الناس ملقى فى الشارع، وأنا طفل مولد، كان عمرى حينها 10 أيام تقريبا على ما ذكروا لى ولا أعرف كيف حددوا هذه الأيام، ولكن ما قيل لى أنى دخلت إلى الدار وأنا بالحبل السرى، وبدأت أكبر وأترعرع بداخلها وعشت أيام مريرة، وكنا نعامل معاملة قاسية، لا تصدق أبدا البيانات والتصريحات التى تخرج بشأن دور الأيتام، وأن الأيتام بها، يعاملون معاملة حسنة، هذا كلام للعرض فقط، إنما الحقيقة لدينا نحن لدى إخوتى.
-
قانون الدار
يقول سامح السيد سامح، 29 سنة، أنا خريج دار أيتام، ولدت بدون أب وأم، وعشت طويلا داخل الدار، وتقابلت مع زملاء من دور كثيرة، إما فى فعاليات، أو فى حالات نقل، وأحيانا كنا نذهب للمصيف فى جمصة، وكنا نجلس ونتحدث سويا، واكتشفت أن دور الأيتام فى مصر كلها واحد، لها قانون واحد لا يخرج عنه أحد، قانون داخل بين الأيتام وبعضهم وهم أسرة واحدة، وهذا حقيقى، كلنا بالإجماع إخوة، أنا الأخ الكبير لمؤسسة تربية البنين فى المنصورة، لا يقطع أحدنا رأى، أو يتخذ قرارا فى حياته إلا بعد الرجوع لنا، أنا كلمتى مسموعة وسط الآلاف من الإخوة الأصغر منى، لا يجرؤ أحد على مخالفة رأيى، لا يجرؤ أحد على أن يتخذ قرارا فى حياته دون الرجوع إلى، ومن يفعل نقاطعه جميعا، مهما كانت حياة الفرد فينا ميسرة بدون إخوته، يشعر أنه محاصر ووحيد، وأنا أيضا أحبهم وأحترمهم لا أٌقطع أمرا فى حياتى بدونهم، كلنا نعرف ربنا وبنصلى، وربنا قال أمرهم شورى بينهم، والحقيقى أن أمرا شورى بيننا.
أحمد عيد
ويضيف "سامح" القانون الثانى، هو قانون الغاب، أنه طالما أنت نزيل فى الدار، فلابد أن يسرى عليك قانون الغابة، لا يصح أن تذهب لمشرف من مشرف الدور وتقول له أن فلان أخى قام بالاعتداء على، لابد أن آخذ حقى أولا ثم أقوم بالتقدم بشكوى دون ذلك حقى يضيع، ولما كبرنا سألنا ما دمت أخذت حقى فلما أشكو، فكان الرد علينا، أن الدار لها حق فى الخروج عن النظام.
ويتابع سامح، كنا نعرض لأبشع أنواع العنف والتعذيب داخل الدار، وكلها متكررة فى جميع الدور، بشكل واحد، من بينها أننا كنا نخلع ملابسنا ونقف فى فناء الدار "سكين"، فى البرد، ويلقى علينا المياه الباردة، وذلك لأتفع الأسباب، أتذكر مرة تعرضنا للضرب بسبب هذا الموضوع، لإن العنبر تاخر فى النوم، ولم ينم العديد منا، وسهر بعض الأيتام، فتعرضنا جميعا لهذا التعذيب، لن يقول أحد من الأيتام فى الدور هذا الكلام حاليا، ولكن بعد أن يتخرجوا من الدار، فمن الممكن أن يقولوا ويقصوا.
-
الدار وطن لا يمكن نسيانه
معاذ صلاح، 28 سنة، أحد خريجى المؤسسة، يقول: أنا لما بلغت السن القانونى، صرفونى من الدار وأجبرونى على الخروج، كنت كل يوم أقوم بتسلق السور، ودخول الدار رغم أنفهم، وكانوا يطلبوا لى بوليس النجدة، يأخذنى البوليس وأّهب للقسم، وأخرج من سراى النيابة، وأعود من النيابة للدار من جديد، وهلم جرى، ظللت طيلة عامين بين القسم والنيابة والدار، لا مكا لى سوى ذلك، أنا ابن الدار، عشت طيلة عمرى فيه، قلت لهم من الممك أن أعمل فى الدار، استغلونى، هدفع إيجار مقابل النوم، ولكن اتركونى أعيش فى الدار فرفضو، ومع مرور الوقت، وبحثت عن إخوتى الذين تخرجوا من الدار قبلى، فوجدتهم أيضا بحوار الدار، فقد حصل أحد إخوتى الكبار على ترخيص لكشك، وفتحنا قهوة صغيرة بجوار الدار، ولكنا نلتقى يوميا بجوار سور الدار.
ويضيف "معاذ"، أنا حاليا متزوج وعندى 3 أولاد، وآتى بهم حول الدار، وأقول لهم أنى تربيت فى هذا المكان، انا لا يعيبنى شئ سوى أخلاقى السيئة أن أكون إنسان طالح، أن أكون عاطل عن العمل لا أتكسب قوت يومى، لا يعيبنى أنى خريج ملجأ أيتام، أو لقطاء، وزوجتى بنت ناس، ومن عائلة كبيرة، ولم يرفوضنى لإنى لقيط، أنا ذهبت تقدمت لخطبة زوجتى ومعى 4 من إخوتى الأكبر منى، لما قصصنا عليهم، أننا إخوة ومترابطين، واطمأن نسايبى أن لى أهل وهم إخوتى فى الدار، من الممكن أن يلجأوا إليه فى حال وقوع أى مكروه.
معاذ صلاح
ويتابع "معاذ"، أحد إخوتنا حدثت مشكلة بينه وبين زوجته، وتعدى عليها بالضرب، طلبنا والدها، وذهبنا إليه، واستمعنا لها، نحن من حكمنا على أخينا وألزمناه بحسن معاملتنا، ولما عاد لسيرته الأولى لسوء معاملتها، ذهبنا من جديد، وحكما عليه أن يطلقها، ويعطيها كامل حقوقها، بدون محكمة ولا محامى، تأخذ نفقة من أخينا 700 جنيه، بحكمنا نحن، فى حين أنها لو ذهبت للمحكمة، سيدفع لها 200 جنيه ليس أكثر، ولا يجرؤ أن يتأخر فى دفع النفقة لأنه يعلم أنها ستذهب إلينا ونحن سنجبره على دفعها، وإن لم يدفع دفعناه نحن، لأننا إخوات أبناء وطن واحد وهو الدار.
-
كيف تقع الحوادث داخل الدور؟
يقول أحمد سعيد، 24 سنة، خريج دار أيتام، من السهل أن تقع مثل هذه الحوادث، معظمها لا يكون بسبب الإهمال، من مشرفى الدار، إنما من شقاوة اليتيم ذاته، اليتيم مهما كان من أخلاقه وهو صغير، لا يمكن أن يكون كطفل تمت تربيته فى منزل بين والديه، لذلك من السهل أن تقع هذه الحوادث، كالإصابات والموت وما إلى ذلك.
ويضيف "سعيد"، أيضا الإفراط فى العقاب، يجعل اليتيم أحيانا متوحشا، ومن الممكن أن يفعل أى شئ، الطاقة السلبية بداخله تكون كبيرة جدا، فيبحث عن مخرج لهذه الطاقة السلبية، فتكون فى الشقاوة، واختلاق المشكلات مع إخوته بالدار، وأيضا أحيان ما تكون الحوادث بسبب الإهمال من المشرفين، فى أن يصاب اليتيم بمرض جلدى مثلا، وهو لا يعلم أنه مرض، ولك بسبب الإهمال وعدم المتابعة، فلا يكتشف ذلك، ويتطور الأمر، أو بسبب وجود أسلاك كهرباء عارية مثلا، أو عيوب إنشائية فى الدار، دور الأيتام الأكثر عرضة للحوادث من غيرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة