عبد الفتاح عبد المنعم

السياسات والمواقف الأمريكية وراء ترسيخ العداء والكراهية للإسلام والمسلمين

الأحد، 05 نوفمبر 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى المقال السابق تمت الإشارة إلى أننا لسنا فقط إزاء موجة عابرة من الكراهية العنضرية والعداء للمسلمين فى أمريكا، وإنما إزاء تطور أعمق وأخطر بهذا بكثير.. إزاء تحول فى منتهى الخطورة، والسؤال هو: ماذا حدث بالضبط كى يصل الأمر إلى هذا الحد؟.. ما هى الأسباب وراء هذا التحول الخطير؟ الدراسة التى وضعها السيد زهرة ونشرت منذ عدة سنوات وحملت عنوان «المسلمون والجنون العنصرى فى أمريكا» تجيب عن هذه الأسئلة. الذى يقال عادة هذه الأيام هو أن هذا التحول حدث بسبب هجمات باريس الإرهابية وما شهدته أمريكا من اعتداء نفذه اثنان من المسلمين فى سان برناردينو، وحدث بسبب التصريحات العنصرية التى أدلى بها ترامب وغيره من المرشحين الجمهوريين.
 
الذى يحدث اليوم هو باختصار شديد نتاج لتطورين كبيرين تراكما عبر السنين الطويلة الماضية: الأول: حملة العداء والكراهية للإسلام والمسلمين فى أمريكا على المستويين الإعلامى والسياسى منذ سنوات طويلة، وخصوصا فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر. هذه الحملة استمرت طوال هذه السنين بلا رادع من أى جهة رسمية أمريكية، وبلا أى مواجهة حقيقية لما تروج له، ومن الطبيعى أن استمرار هذه الحملة طوال هذه السنين قد كرس فى أمريكا كراهية عنصرية للإسلام والمسلمين، وجعل الرأى العام الأمريكى مهيأ لتقبل أى مواقف عدائية للاسلام والمسلمين. ويمكن القول إن ترامب نفسه ومن هم أمثاله هم بمعنى من المعانى نتاج لهذه الحملة. هم نتاج لظاهرة «الإسلاموفوبيا» التى تكرست واستفحلت فى أمريكا.
 
والثانى: السياسات الأمريكية الفعلية تجاه العالم العربى والإسلامى على امتداد السنوات الطويلة الماضية. هذه السياسات والمواقف الأمريكية من أكبر العوامل على الإطلاق التى رسخت العداء والكراهية للإسلام والمسلمين عموما. فعلى الرغم من إعلان القادة الأمريكيين باستمرار أنهم لا يحاربون الإسلام، وأن المسلمين ليسوا كلهم إرهابيين، وأن تنظيمات مثل القاعدة أو داعش لا تمثل الإسلام والمسلمين، فإن هذه السياسات ترسخ الاعتقاد بهذه الأمور عمليا. جوهر هذه السياسات والمواقف الرسمية المعلنة يؤكد للأمريكيين أن الإرهاب مصدره الإسلام، وأن الدول والمجتمعات الإسلامية هى وحدها التى تفرز الإرهاب.. وهكذا.
 
هذان العاملان يفسران لماذا أن قطاعات يعتد بها من الأمريكيين تؤيد تصريحات ترامب، ويفسران أيضا هذا المنحى العنيف فى التعامل مع المسلمين الأمريكيين اليوم.
 
إذن، نحن إزاء حملة كراهية وعداء للإسلام والمسلمين تكرست فى أمريكا عير سنوات طويلة وسط صمت رسمى، وإزاء تحول خطير هو أن هذه الكراهية والعداء بدأت تأخذ أشكالا عنيفة وإرهابية فى الاعتداءات على المسلمين الأمريكيين. وعلى ضوء هذا، نفهم ما ذكره محللون أمريكيون من أن الخطورة ليست فقط فيما يجرى اليوم وما يتعرض له المسلمون، وإنما فيما هو قادم.
 
أحد المحللين الأمريكيين حذر منه على ضوء هذا الإرهاب الذى يتعرض له المواطنون الأمريكيون المسلمون اليوم، لا نستبعد أنه إذا وقع اعتداء إرهابى آخر فى أمريكا مستقبلا نسب إلى المسلمين، فإن المسلمين يمكن أن يتعرضوا لاعتداءت مسلحة واسعة النطاق أكبر بكثير مما نشهده اليوم. وحذر من أن هذا العنف الواسع لن يقتصر على المسلمين وحدهم وإنما يمكن أن يمتد إلى أقليات أخرى كالسود وغيرهم.
 
لا يمكن أن ننهى النقاش حول هذه القضية من دون أن نشير إلى ما حدث مع الطفلة الأمريكية المسلمة صوفيا وما فعلته. قصة هذه الطفلة نشرتها عشرات الصحف والمواقع. الذى حدث، حسب ما روته أم الطفلة، أنها شاهدت على التليفزيون ترامب وهو يقول إنه يريد منع المسلمين من دخول أمريكا ويضيف: «ويا حبذا لو خرج كل المسلمين الذين يعيشون فى الولايات المتحدة ولا يعودون أبدا».
 
تقول الأم إنها فوجئت بالطفلة، وعمرها 8 سنوات، بعد أن سمعت هذا وقد انخرطت فى البكاء بلا توقف، وبدأت بعد ذلك فى جمع ألعابها والأشياء المفضلة إليها تحسبا لقدوم الجيش ورجال الأمن لإخراجها هى وأسرتها من المنزل، وأنها منذ ذلك الوقت تتأكد من إغلاق أقفال البيت باستمرار.
 
صحيح أن مواطنين أمريكيين هبوا للتضامن مع الطفلة وأرسلوا لها رسائل وصورا لهم وهم بزى عسكرى يقولون لها إنهم مستعدون لحمايتها، لكن الحادث أن هذه الطفلة بهذا الذى فعلته بشكل فطرى تلقائى فضحت أمريكا كلها، وقامت بتعرية كل دعاواها حول الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان. ما معنى هذا الذى حدث للطفلة الأمريكية المسلمة صوفيا؟
 
معناه ببساطة شديدة أن أمريكا عجزت عن أن تشعر هذه الطفلة أنها مواطنة أمريكية حقا بكل ما تعنيه كلمة مواطنة.. عجزت عن أن تحميها، وأن تقنعها أنها تعيش فى وطن متسامح أو يحترم التعددية والأديان وأبسط حقوق الإنسان. هذه الطفلة فضحت كل ما تدعيه أمريكا من أنها نموذج للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتسامح. إذن، هذا هو باختصار شديد ما يتعرض له المواطنون الأمريكيون المسلمون فى أمريكا اليوم، وهو خطير جدا.
 
العجيب أننا لم نسمع أيا من منظمات حقوق الإنسان فى أمريكا وخارجها ترفع صوتها رفضا وإدانة لما يتعرض له المسلمون الأمريكيون من عدوان ومن انتهاكات فظيعة ومطالبة للسلطات الأمريكية بوضع حد لها، هذه المنظمات خرست تماما كأنها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، إذا لم ترتفع الأصوات فى العالم ضد هذا الذى يتعرض له المسلمون فى أمريكا، وفى أوروبا أيضا بالطبع، فإنهم سيكونون فى خطر رهيب مستقبلا، ولهذا، المفروض على الأقل من الحكومات العربية والإسلامية أن تطالب الإدارة الأمريكية بأن تحمى مواطنيها المسلمين، وتوقف هذه الحملة العدوانية ضدهم. ألا تعلن أمريكا أنها نموذج للديمقراطية وتزعم أنها حريصة على حقوق الإنسان فى العالم كله؟.. على الأقل، يجب أن تطبق ما تزعمه مع مواطنيها.. «يتبع»






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة