برصاصها الغادر وقنابلها المجرمة، خلعت تنظيمات الإرهاب آخر أوراق التوت عن نفسها، بعد أن قتلت المصلين وهم يؤدون صلاة الجمعة فى مسجد الروضة غرب العريش، لتؤكد بأياديها الآثمة، لا بأى يد أخرى، إنها جماعات لا ملة لها ولا دين، وأنها ترفع شعارات زائفة ودعاوى بحمل رايات الدفاع عن الإسلام، وهم آخر من ينتمون له وأول من يسيئون إليه ويستحلون حرمات ودماء المؤمنين به، فضلا عن أتباع الديانات الأخرى.
فى ديسمبر من العام الماضى، هز استهداف جماعات الإرهاب لكمين أمنى فى محيط أحد المساجد بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة، مشاعر المصريين، الذين اعتبروا أن مجرد وقوع الجريمة فى محيط المسجد هو فى حد ذاته عدوان على بيت من بيوت الله، ليأبى العام 2017 أن ينتهى من دون أن تتكشف من جديد حقيقة تنظيمات الإرهاب ودعاواها الزائفة، بعد أن صعدت تلك التنظيمات بذروة عملياتها إلى أبشع درجاتها، باستهداف مسجد والمصلين به وقت صلاة الجمعة، فى منطقة بئر العبد بالعريش شمال سيناء، وتكمل جريمتها باستهداف حتى المسعفين الذين توجهوا لإنقاذ المصابين جراء قنابل ورصاص الإرهاب الغادر، وقد كانت حصيلتهم بالعشرات، فضلا عن المائة وثمانين شهيدا بحسب الإحصاءات الرسمية الأولية.

جريمة الإرهاب الجديدة، هى وبإجماع فورى من خبراء مكافحة الإرهاب، تطور خطير وكارثى فى جرائم الإرهاب على الأرض المصرية، وكان واضحا أنه الورقة الأخيرة فى أيدى تلك الجماعات، فى ظل تصاعد الحصار الأمنى حول رؤوسها وعناصرها ومموليها، خاصة من الخارج، وعلى رأسهم النظام القطرى، فضلا عن رفض شعبى هائل لكل دعاوى وجماعات وممارسات الإرهابيين.
سيناء ذاتها التى كانت شاهدة على عمليات سابقة استهدفت رجال شرطة وارتكازات أمنية للجيش والشرطة، أو دور عبادة تخص الأقباط، لم تشهد مثل هذا التطور الخطير من قبل، وحتى مشاهد القتلة الإرهابيين وهم يعتلون سيارات الدفع الرباعى ويحملون علم «القاعدة» فى أوقات سابقة، فى تكرار لمشاهد سابقة وحالية شهدتها وتشهدها مناطق عربية فى العراق أو سوريا أو ليبيا، لم يكن متصورا أو متخيلا أن يصل فى مصر إلى تطور استهداف المساجد، حتى مع إقدام جماعات الإرهاب الأسود على محاولات لاغتيال رجال دين، كمفتى الديار المصرية السابق الدكتور على جمعة، أو إعلانها وضع هؤلاء على قوائم المستهدفين بعمليات اغتيال وتصفية.

اللافت أيضا أن المسجد المستهدف فى بئر العبد أيضا معروف عنه مكان تجمع للصوفية من أبناء العريش، وهو ما يشير إلى انتقال الجماعات الإرهابية إلى استهداف المختلفين معها عقائديا، حتى لو كانوا من المسلمين، وعلى رأسهم الجماعات الصوفية التى تذهب الجماعات الإرهابية إلى تكفيرها، فضلا عن تكفيرها مؤسسات الدولة ورموزها، وتكفير أتباع الديانات الأخرى، بل واستهدافهم بالاغتيال واستهداف دور عبادتهم بالتفجير، وهو ما جرى فى عشرات الحوادث الإرهابية التى استهدفت كنائس أو تجمعات للأقباط، وراح ضحيتها العشرات من شهداء الوطن، وهو الأمر الذى بلغ ذروته فى العام 2013 ن بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، باستهداف تفجير أكثر من 38 كنيسة، فضلا عن أكثر من 20 أخرى، تعرضت لقذفها بالحجارة وإطلاق الأعيرة النارية وحصارها.

استهداف دور العبادة الإسلامية كان نهجا لتنظيم القاعدة وعانت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية منه، باستهداف المساجد فى عشرات الوقائع التى راح ضحيتها عشرات من الضحايا ما بين شهداء ومصابين، ومع تبنى تنظيم «داعش» لعشرات الحوادث الإرهابية على الأراضى المصرية، يبدو التنظيم الداعشى وكأنه يسير على خطى سلفه فى «القاعدة» أو يؤكد أن التنظيمين اتحدا ومزجا بين استراتيجية كل منهما فى مواجهة الدولة المصرية ومؤسساتها، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة والتحقيقات فى الحادث المروع.
