بدأ اجتماع مجلس الشعب بمناقشة طلب إحاطة وثلاثة أسئلة يوم 24 نوفمبر (مثل هذا اليوم) 1980، تتساءل عما نشر فى الصحافة عن فكرة توصيل مياه النيل لإسرائيل، التى طرحها الرئيس السادات على رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجين، وأكدتها المراسلات المتبادلة بين السادات وبيجين والعاهل المغربى الملك الحسن الثانى، ونشرتها «الأهرام» فى أعدادها الصادرة أيام، 13، 16، 18، 19 أغسطس 1980، ونشر كامل زهيرى نقيب الصحفيين المصريين (1979-1981) نصوصها كاملة فى كتابه «النيل فى خطر» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة».
أشعلت هذه القضية أطياف المعارضة المصرية ضد السادات، منذ أن أطلت منه كفكرة وتوسع فى طرحها بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع مناحم بيجين فى 17 سبتمبر 1978، وفيما كان النشاط الجماهيرى لحزب «التجمع» بزعامة خالد محيى الدين مجمدا، وجريدته «الأهالى» متوقفة عن الصدور، قادت جريدة «الشعب» لسان حال حزب العمل برئاسة المهندس إبراهيم شكرى المعركة على صفحاتها ضد فكرة السادات، وشهد حزب العمل ونقابة المحامين ندوات لمواجهتها، ثم انتقلت المعركة إلى مجلس الشعب يوم 24 نوفمبر عام 1980، وينقلها «زهيرى» فى كتابه «النيل فى خطر»، نقلا عن جريدة «الشعب»، مشيرا إلى أن جلسة البرلمان التى ناقشت الموضوع تجاهلت الصحف الرسمية نقل رأى المعارضة فيها، بالرغم من معركتها العنيفة ضد الحكومة والأغلبية ممثلة فى «الحزب الوطنى».
بدأت الجلسة بتهرب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية «كمال حسن على» من توضيح الحقائق، غير أن المهندس إبراهيم شكرى زعيم المعارضة البرلمانية قاطعه قائلا: «نحن من حقنا أن نعرف كل الحقائق»، وبالرغم من أن الدكتور صوفى أبوطالب، رئيس المجلس، اعترض على هذه المقاطعة، إلا أن وزير الخارجية اضطر إلى الاستجابة، وقال، إن الرئيس السادات طرح هذا الموضوع فى معرض حديثه مع بيجين فى العريش، وبعد تسلم %80 من أراضى سيناء، ولم تبق إلا قضية القدس والحكم الذاتى، وأنه طرحه لإيجاد تسوية عادلة لقضية القدس، ورفض «بيجين» الفكرة وانتهى الأمر، ولم يطرح الموضوع فى أى إطار للتفاوض مع إسرائيل، ولو حدث ذلك لتطلب الأمر عرض الموضوع على المجلس، وأضاف كمال حسن على: «لو أدى الأمر إلى التضحية بجزء من مياه النيل من أجل آمال الفلسطينيين فلن نتردد فى ذلك، وسوف نطرح الموضوع على المجلس».
رد «شكرى»: «سبق وأن استفسرت عن هذا الموضوع فى دورة المجلس الماضية بعد أن نشرت صحيفة معروفة بأنها وثيقة الصلة بالمسؤولين عنه، كما أشار إليه الرئيس السادات فى حديث له يوم 25 ديسمبر الماضى، وجاء رئيس الوزراء مصطفى خليل ونفى تماما أى تفكير فى إمداد إسرائيل بمياه النيل، مؤكدا أنه لن تذهب نقطة واحدة من مياه النيل خارج حدودنا، وصدقنا هذا الكلام، لكن فوجئنا بنشر الخطابات المتبادلة بين الرئيس السادات وبيجين، حيث أشار الرئيس فى خطابه لبيجين أنه عرض توصيل مياه النيل إلى القدس، وأضاف شكرى: «جاء فى رسالة الرئيس السادات، أن إمداد إسرائيل بمياه النيل ليس قرارا انفردت به، ولكنى قلبته من جميع جوانبه مع نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووفد المفاوضات».
عقب كمال حسن على، أن الرئيس السادات طرح الفكرة من أجل إرساء قواعد السلام فى الشرق الأوسط، وأن الرئيس لم يصدر توجيهات لبحث هذا الموضوع، ولم يطرحه على مائدة المفاوضات، ثم تحدث المستشار ممتاز نصار النائب المستقل فأعلن أنه بكل الصدق والموضوعية يؤيد تماما كل ما قاله المهندس إبراهيم شكرى، لأنه يعبر عما يجيش فى صدر كل وطنى مخلص لمصر ولنيلها، وأضاف نصار: «فى الدورة البرلمانية الماضية، تساءلت المعارضة عن صحة ما أذاعته وكالات الأنباء الأجنبية عند زيارة الرئيس لحيفا (زيارة ثانية للسادات لإسرائيل) من أنه عرض توصيل مياه النيل لإسرائيل، وجاء مصطفى خليل إلى هذه القاعة وأعلن أن المسألة لم تعرض إطلاقا على إسرائيل، وتبين بعد ذلك من خلال وثائق رسمية أن الرئيس عرض على بيجين إعطاء إسرائيل مياه النيل، وأنه تفاوض مع نائب رئيس الجمهورية «مبارك» ورئيس الوزراء «مصطفى خليل» فى هذا الموضوع، أما كمال حسن على، فهو يقول إن هذه فكرة عارضة، ولم تعرض للبحث ولا للمفاوضات، وأنها مسألة إنسانية، ويقول أيضا أنه إذا طلب الفلسطينيون الخلاص فسنضحى من أجلهم بمياه النيل، فكيف نعطى شريان حياتنا ومصدر رزقنا لأحد؟ هذا خطأ جسيم، وعرض لا يمكن أن يقوله مسؤول مصرى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة