فى مثل هذا اليوم، 16 من نوفمبر عام 1869 افتتحت قناة السويس أمام الملاحة لأول مرة فى العالم، لتحول تماما من شكل الملاحة العالمية بين الشرق والغرب، التى كانت تعتمد فى هذا الوقت على طريق رأس الرجاء الصالح، ولتكون أيضا محورا من محاور الصراعات الساخنة فى العالم، منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.
ورغم أن البحرين الأحمر والأبيض ربطا تاريخيا عبر عدد من العصور، عن طريق النيل، إلا أن فكرة الربط المباشر بين البحرين جاءت أثناء الحملة الفرنسية، وتوجه بالفعل نابليون بعد أن أتته الأوامر من حكومته لحفر هذه القناة إلى مدينة السويس ومعه عدد من المهندسين على رأسهم لوبير المهندس الفرنسى الشهير لدراسة إمكانية ربط البحرين، لكن لوبير كان رأيه أن المشروع سيتسبب فى غرق مصر بسبب ارتفاع مستوى البحر الأحمر عن نظيره الأبيض، وهى بالقطع المعلومة الخاطئة إذ لم يكن العلم قد توصل بعد إلى أن الماء فى جميع العالم فى مستوى واحد.
عادت الفكرة من جديد فى عهد الخديوى عباس، حين التقى صديق طفولته فرديناند ديلسبس، والذى تربى فى قصر محمد على أثناء طفولته، بعدما أتى إلى مصر عقب سقوط الإمبراطورية الفرنسية الثانية، اقترح عليه عملية الحفر وهو ما وافق عليه الخديوى سعيد.
حفرت قناة السويس عن طريق السخرة، وكانت مدة خدمة الشخص فى عملية الحفر 10 أشهر، وكان يتم دفع الفلاحين من القرى مباشرة إلى موقع الحفر مع أدواتهم وأحيانا مواشيهم، وبعد 10 أشهر يعود الشخص إلى القرية التى قدم منها، ليحل محله بديلا له، وبعد انتهاء عملية الحفر كان هناك نحو مليون شخص شارك فى حفر القناة، فى وقت كان فيه عدد سكان مصر 4 ملايين شخص، وتقدر أعداد من ماتوا خلال الحفر بـ 120 ألف مواطن مصرى، نتيجة الظروف السيئة وغير الإنسانية التى تعرضوا لها، وعدم توفر المياه العذبة وكذلك انتشار الأوبئة مثل الكوليرا وغيرها.
** إسماعيل يفتتح القناة
وفى مثل هذا اليوم 17 نوفمبر 1869 افتتح الخديوى إسماعيل قناة السويس فى حفل أسطورى ضخم، ومن الإسكندرية استقل الخديوى اسماعيل يخته المحروسة وأبحر إلى بورسعيد، وهناك كانت السفن قد أتت من كل أنحاء العالم ليشارك الملوك والأمراء فى حفل افتتاح القناة، وعلى شاطئ القناة أرسل مديرو الأقاليم المصرية آلاف الفلاحين ليصطفوا على طول شاطئ القناة الممتد لـ164 مترا، فى هذا الوقت.
كان من أبرز الحضور الإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث، وإمبراطور النمسا، وولى عهد بوروسيا – ألمانيا حاليا – وولى عهد هولندا وزوجته، وبعد حفل ظل طوال ليلة 16 نوفمبر، افتتحت القناة فى الصباح وتقدمت يخوت الأمراء والملوك فى القناة وفى مقدمتها يخت الإمبراطورة أوجينى.
وعلى عكس المشهور فإن افتتاح قناة السويس لم يكن هو سبب الأزمة المالية الحادة التى مرت بها مصر، بل ربما هو واحدا من مظاهر انفصال الخديوى إسماعيل عن الواقع، الذى يوضح مأساويته فخامة الافتتاح والظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التى كان المصريون يعيشون فيها، خاصة بعد أن بدأ إسماعيل يسقط فى فخ الاستدانة من الخارج بمبالغ باهظة.
وكانت أسهم الشركة فى البداية 400 ألف سهم، 207 آلاف منها يمتلكه الفرنسيون، و177 تمتلكها مصر، وباقى الأسهم وهى 14 ألف سهم موزعة بين أشخاص من مختلف أنحاء العالم، ثم بدأت أزمة الديون تتفاقم، وكان أحد أشكال هذه الأزمة أن أضطر الخديوى إسماعيل لبيع حصة مصر من أسهم قناة السويس إلى بريطانيا، فى عام 1875، ثم بيع حصتها فى الأرباح أيضا، وبهذا لم تستفد مصر من حفر قناة السويس سوى 6 سنوات فقط، وبهذا امتلكت بريطانيا 44% من أسهم قناة السويس.
** القناة ميدان الأزمات والصراعات
كانت قناة السويس ميدانا للحروب المصرية السياسية والعسكرية لسنوات طويلة، ففى عام 1882 بعدما استطاع أحمد عرابى إيقاف تقدم الإنجليز من الإسكندرية إلى قلب القاهرة عند كفر الدوار، قام الأسطول الإنجليزى بالنزول فى بورسعيد وحاول التقدم عبر قناة السويس، تواصل عرابى مع ديليسبس وفكر فى ردم القناة، ولكن ديلسبس أبلغه بأن القناة لا يمكن أن تستخدم للملاحة العسكرية، وهو مالم يحدث، إذ استخدم الإنجليز القناة فى إدخال أسطولهم ثم مفاجأة الجيش المصرى المتمركز فى التل الكبير وإلحاق الهزيمة به ليبدأ الاحتلال البريطانى لمصر.
وفى عام 1910 تقدمت شركة قناة السويس البحرية المدارة من خلال الفرنسيين بطلب لمد الامتياز الذى يمنح شركة قناة السويس بإدارة القناة لمدة 99 عاما، وزيادته لمدة 40 عاما آخر، لينتهى الامتياز عام 2008 بدلا من انتهائه عام 1969، ووافقت الحكومة المصرية بقيادة بطرس غالى باشا على مد الامتياز، لكن الحركة الوطنية المصرية تصدت لهذا المد بشتى أشكال الوطنية، وقام الطالب إبراهيم الوردانى باغتيال رئيس الوزراء، كما تصدى طلعت حرب أيضا لمقترح مد الامتياز، وفى النهاية اتخذ مجلس النواب قراره بعدم المد، بعد تقرير كتبه طلعت حرب باشا وسمير صبرى باشا، يوضحون فيه خسائر مصر المالية من مد الامتياز.
وفى عام 1956 ونتيجة رفض البنك الدولى تمويل مشروع السد العالى أعلن جمال عبد الناصر تأميم القناة من المنشية، فعقب ذلك حصار اقتصادى على مصر قادته بريطانيا وفرنسا، ثم رد عسكرى بدأ فى 29 أكتوبر عام 1956 عبر العدوان الثلاثى، أو حرب السويس، وهى الحرب التى يعتبرها العالم اليوم بأنها لحظة إعلان انتهاء العالم القديم ونشأة العالم الجديد، والذى يقوده قطبان هما الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، وتتحول فيه الدول الناشئة من مستعمرات تابعة إلى دول أصحاب قرار.
أغلقت القناة أمام الملاحة العالمية لـ 5 مرات فى تاريخها.. الأولى كانت لأسبوع واحد اثناء الثورة العرابية، ثم ليوم واحد فى خلال الحرب العالمية الأولى، ثم لمدة 76 يوما فى الحرب العالمية الثانية، و5 أشهر فى أثناء العدوان الثلاثى على مصر، وكان الإغلاق الأطول والأخير بعد حرب يونيو 1967، والذى استمر لـ 8 سنوات حتى عام 1975.
** قناة السويس أرقام وإحصائيات
اليوم وبحسب موقع أصبح حوالى من 8 إلى 12% من التجارة العالمية يمر من خلال قناة السويس، و35% من البترول الخارج من الخليج العربى، وقد تم تعميق القناة وتوسيعها عدة مرات.
وبحسب موقع قناة السويس البحرية، فإن القناة قادرة على تحمل 61.2% من إجمالى حمولات الأسطول العالمى لناقلات البترول (بحمولة كاملة)، 92.7 % من إجمالى حمولات الأسطول العالمى لسفن البضائع الصب (بحمولة كاملة).
والنسب الباقية من حمولات الأسطول العالمى لهذه الأنواع تستطيع عبور قناة السويس إما بحمولة مخففة أو فارغة، كما تستطيع حمل 100% من إجمالى حمولات الأسطول العالمى لسفن الحاويات وحاملات السيارات وسفن البضائع العامة.
وبحسب موقع الهيئة أيضا فإنه وعند افتتاح القناة كان طولها الكلى يبلغ 164 كيلو متر، وعمقها 8 مترات فقط، وفى عام 2010 كان طولها قد وصل إلى 193.3 كيلو متر، وعمقها 24 مترا، بالإضافة إلى 80 كيلو متر تفريعات من القناة.
فى 7 أغسطس 2014 افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسى أكبر مشروع ازدواج فى تاريخ القناة، وهو "قناة السويس الجديدة"، بطول 35 مترا، بالإضافة إلى تعميق وتوسيع البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كيلو مترا، ليصبح طول هذا المشروع 61 كيلو مترا، فى عملية استمرت عاما واحدا فقط.
يبلغ عدد العاملين فى قناة السويس اليوم 25 ألف عامل مصرى ولا يوجد أجنبى واحد يعمل بها، وذلك حسب تصريحات الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، كما شهدت القناة زيادة 14.4% فى إيرادتها بالعملة الأجنبية خلال العام الأخير.
وخلال السبعة أشهر الأولى من عام 2017 عبرت قناة السويس 9 آلاف و949 سفينة، حمولاتها 585 مليون طن، وذلك حسب البيانات الرسمية من هيئة قناة السويس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة