تمر البرازيل، بمرحلة تعد هى الأسوأ فى تاريخها، من حيث الركود الاقتصادى، والاضطرابات الأمنية المترتبة عليه، إثر المظاهرات والاحتجاجات المستمرة ضد الإجراءات الحكومية الساعية لتعافى الدولة سريعًا من كبوتها، وليس هذا فقط ما ينخر فى أوصال الجمهورية البرازيلية، بل قضايا الفساد أيضًا، التى اتهم فيها العديد من المسئولين الرسميين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، ميشال تامر، المحافظ، الذى خلف الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، بعد عزلها من منصبها لإخفائها العجز فى الميزانية أثناء حملتها الانتخابية فى 2014.
ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو نتيجة الانكماش الاقتصادى
وتعيش البرازيل، عامها الثانى فى ظل حالة انكماش اقتصادى وعدم استقرار أمنى، بسبب الهزات المتتالية التى تعرض لها الاقتصاد البرازيلى، إثر التراجع العالمى فى الأسعار، فى ظل اعتمادها القوى على الصادرات من السلع الخام، حتى تراجع الاقتصاد بنسبة 3.8% عام 2015 و3.6% فى العام 2016، وهو ما يعنى تراجع النشاط الاقتصادى بواقع 8% مقارنة بالوضع فى ديسمبر عام 2014، كما أدى الانكماش الاقتصادى إلى زيادة معدلات البطالة بواقع 76% ليصل إلى 12.9 مليون شخص، وهو ما يمثل 12.6% من السكان.
ومع زيادة حدة الأزمة الاقتصادية، قررت الحكومة اتخاذ بعض التدابير وإجراءات التقشف لتحديد سقف الإنفاق العام للحد من ارتفاع عجز الموازنة العامة، والمتعلقة بمعاشات التقاعد وتحرير سوق العمل، ومن تلك الإجراءات طرح مشروع قانون على الكونجرس لوضع حد أدنى لسن المعاش، بحيث يتم تأخير سن التقاعد من 60 إلى 65 عاما للرجال، ومن 55 إلى 62 للنساء، إضافة إلى تقليص مستحقات موظفو الحكومة، والحد أيضًا من معاشات الورثة، إلى جانب وضع قوانين أكثر صرامة للعمال الريفيين وتغيير طريقة حساب مكافأة نهاية الخدمة، وكلها إجراءات من شأنها توفير النفقات العامة للدولة.
اضطرابات فى البرازيل بسبب سياسات التقشف
إقرار البرلمان البرازيلى لقانون تجميد النفقات يشعل غضب الشارع
وبالتوازى، مع اجراءات الحكومة، أقر البرلمان البرازيلى، بأغلبية ساحقة (366 نائبا من أصل 480 حضروا الجلسة)، فى أكتوبر 2016، قراءة أولية لمشروع قانون يجمد النفقات العامة على مدار 20 عامًا، إلى أن تم إقراره بشكل نهائى من قبل مجلس الشيوخ البرازيلى، شهر ديسمبر 2016، ما وضع سقف للحد من الإنفاق العام "تجميد الإنفاق العام" خلال الـ 20 عاما المقبلة للقرار.
ويبدو أن جميع محاولات الرئيس ميشال تامر، وحكومته، لحل الأزمة الاقتصادية، لم تلق استحسان المواطنين، بل قوبلت بحالة احتقان وغضب شعبى، تجسد فى مظاهرات واحتجاجات عنيفة على مدار عام كامل، شهدت خلالها اشتباكات قاسية بين المتظاهرين وقوات الشرطة، كما شملت أحداثها إشعال النيران وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، لتعيش البرازيل حالة من عدم الاستقرار الأمنى بدأت قبل اعتماد مجلس الشيوخ البرازيلى، قرار تجميد النفقات العامة، بشهر واحد فى محاولة لإثناء السلطات عن اتخاذ ذلك القرار، وتزايدت حدتها بعد ذلك انطلاقًا من لحظة دخول القرارات حيز التنفيذ فى الشهر الذى يليه، بخروج مظاهرات عنيفة فى 12 ولاية على الأقل فى أنحاء البلاد، بخلاف العاصمة، كما وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة عن الفقر المدقع وحقوق الإنسان، تلك الإجراءات، بأنها أكثر حزمة تقشفية رجعية على المستوى الاجتماعى فى العالم.
البرلمان البرازيلى
سياسات الحكومة البرازيلية للتقشف لم تحل أزمة الركود الاقتصادى
ورغم مرور عام تقريبًا على تطبيق سياسات التقشف فى البرازيل، إلا أنه يبدو أن التحديات كانت أكبر من إجراءات الحكومة، التى اضطرت خلال شهر أغسطس الماضى، للإعلان عن رفع سقف العجز للعامين الحالى، والمقبل، فى ظل تراجع العائدات الضريبية وتباطؤ النمو الاقتصادى، هذا إلى جانب أنه من المنتظر وصول سقف العجز إلى 50 مليار دولار للعامين 2017 و2018، بعدما كان يعادل 43.7 مليار دولار و40.6 مليار دولار على التوالى، كما تشير التوقعات إلى أن الأرقام ستتغير بشكل كبير، ومرة أخرى للأسوأ، فى 2019 و2020 أيضًا.
وخطورة الأوضاع الاقتصادية التى تمر بها البرازيل، تنعكس بشكل مثير للخوف فى أخر تصريحات وزير المالية البرازيلى، هنريك ميريليس، الذى طالب فى مقطع فيديو له - موجهًا حديثه إلى الشعب البرازيلى، خلال شهر سبتمبر الماضى - (مساعدة جادة وهى "الصلاة" لإنقاذ البلاد من الركود)، كما وجه ميريليس، نداءه من أجل التدخل الإلهى، مضيفًا "لم يسبق أن حدث ركود كهذا من قبل، لهذا أنا اعتمد على تعاونكم، أشعر بالراحة للتحدث إليكم لأننا نملك نفس القيم، قانون الله والإنسان، احتاج إلى صلوات كل واحد منكم".
ميشال تامر رئيس البرازيل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة