سافر وزراء الخارجية العرب إلى تونس لحضور اجتماعات مجلسهم الوزارى المقرر يوم 12 نوفمبر «مثل هذا اليوم» 1977، أى بعد ثلاثة أيام من إعلان الرئيس السادات مفاجآته بالاستعداد للسفر إلى إسرائيل وإلقاء خطاب فى الكنيست «راجع: ذات يوم 9 نوفمبر 2017»، وألقت مفاجأة السادات بظلالها على الاجتماع لكن لم يتوقع أحد أن تتحول إلى حقيقة، وحسب محمود رياض أمين عام جامعة الدول العربية وقتئذ فى مذكراته «البحث عن السلام.. والصراع فى الشرق الأوسط» عن «دار المستقبل العربى- القاهرة»: «سألنى وزير خارجية سوريا عبدالحليم خدام عن مغزى إشارة السادات إلى إمكانية زيارته للقدس، فأجابته بأنها مجرد عبارة عابرة»، وقلت متسائلا: هل تتخيل حقا أن هذا يمكن حدوثه؟ ويضيف «رياض»: «ظل الشك يراود خدام حتى انضم إلينا إسماعيل فهمى وزير خارجية مصر الذى أصر على أن كلمات السادات كانت لمجرد تأكيد رغبة مصر فى السلام، ولا تحمل إطلاقا معنى استعداده للذهاب إلى القدس، وعندما انضم إلينا آخرون من وزراء الخارجية، كرر فهمى نفيه القاطع للزيارة».
ويؤكد «فهمى» فى مذكراته «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط» عن «مكتبة مدبولى - القاهرة»، أن هذا الاجتماع شارك فيه ولأول مرة واحد وعشرون من اثنين وعشرين من وزراء الخارجية العرب، وأن الحديث كثر فى دهاليز المؤتمر حول نوايا السادات، وأشيع أنه لاشك ذاهب إلى القدس، لكن فهمى نفى كل ذلك، مؤكدا أن مصر ملتزمة بأن السلام إن لم يكن شاملا، فإنها سترفض عودة سيناء حتى لو قدمتها إسرائيل هلى طبق من الذهب.
ويكشف فهمى، عن المفاوضات التى دارت فى الكواليس والجلسات العامة، وخلافاته مع وزير الخارجية السورى وقتئذ «عبدالحليم خدام»، وخلافات خدام مع وزير خارجية العراق سعدون حماد، مؤكدا أنه تم عقد اجتماع غير رسمى فى جناح وزير الخارجية الكويتية الشيخ الصباح، وكان «خدام» هو أول المتحدثين، وكان آخرهم فهمى الذى اقترح أن يجتمع وزراء الدفاع لدراسة الوضع الحربى مع إسرائيل، ووزراء الاقتصاد والمالية العرب لتجنيد مواردنا المالية لخدمة الاستراتيجية الحربية العربية، كما اقترح عقد قمة عربية بعد ثلاثة أشهر للتصديق على توصيات وزراء الخارجية، لكن خدام اعترض على موعد الثلاثة أشهر، مصمما على أن تكون بعد عشرين يوما فقط، وهدد بالعودة إلى دمشق قائلا: إن طائرته مازالت مستعدة فى مطار تونس، ويذكر فهمى، أنه رد على خدام مداعبا: «أفضل شىء لك ياعبدالحليم أن تركب الطائرة فعلا، وتعود إلى وطنك»، وضحك الجميع، وأضاف فهمى: «أكره أن يتركنا صديقى عبدالحليم، وتوصيتى له بعد أن نفترق أن يهرع لينام نوما هادئا ويقابلنى الساعة السادسة والنصف فى الاجتماع الرسمى».
افتتحت الجلسة بكلمة ألقاها رئيس وزراء تونس، وترأس الاجتماع حبيب الشطى وزير خارجية تونس، وألقى محمود رياض أمين عام جامعة الدول العربية خطابا، ثم أعلن «الشطى» فتح باب المناقشة، وتساءل عما إذا كان هناك من يريد الكلام؟ وكانت المفاجأة حسب فهمى، أنه لم يجد تجاوبا وساد الاجتماع سكون تام، وكان هذا شىء جديد، وبعد مرور دقائق اتجهت الأنظار إلى عبدالحليم خدام لكن دون جدوى، وصار الجو غير عادى، فأعاد «الشطبى» سؤاله، لكن لم يطلب أحد الكلام، ويؤكد فهمى: قاطعت السكون بدعابة قائلا: «جرت العادة، إذا لم يكن خدام أول المتحدثين، فلن يتحدث أى شخص آخر، ولن تكون على ذلك أى حيوية فى اجتماعاتنا».
انتهى الاجتماع بقرارات مهمة أبرزها وفقا لرياض: «الالتزام بوحدة العمل العربى، وإسقاط محاولات العدو الإسرائيلى التى تستهدف تجزئة الصراع، ودعم منظمة التحرير الفلسطينية»، ويذكر فهمى، أن السادات طلبه مرتين، وسأله فى الاتصال الأول عن جو الاجتماع والقرارات التى يحتمل أن يتخدها، وموعد عودته، أما فى الاتصال الثانى فيقول فيه عن السادات: «كان مضطربا وعصبيا، وتكلم عن مناحم بيجين «رئيس وزراء إسرائيل» بهلوسة ولغة شديدة، وكانت ثورته متجهة نحو الكلام الذى خاطب به بيجين المصريين يوم «11 نوفمبر» ردا على استعداد السادات للذهاب إلى القدس، وحاول بيجين إقناع المصريين بأنه راغب فى السلام لكن بشروطه هو، كإعلانه صراحة أن «جوديا وسامرا» أو الضفة الغربية هى أرض إسرائيلية.
طلب السادات من فهمى إعداد رد قوى على هذا الادعاء، ففعل فهمى مسرورا، وظهر فى الصحف المصرية على أنه مذاع من وزارة الإعلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة