أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد شومان

الازدواجية الثقافية والسياسية فى مصر.. إلى أين؟

السبت، 11 نوفمبر 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يفسر الصراع ضد الاحتلال أو سلطة القصر، أو صراع الوفد وأحزاب الأقلية تاريخ مصر، وليست حروب مصر مع إسرائيل أو تحالفها مع الاتحاد السوفيتى أو الولايات المتحدة كافية لتفسير تطور الحركة الوطنية، ولم تشكل الليبرالية أو الاشتراكية تاريخ مصر، لأن كل هذه الصراعات والأفكار تخفى وراءها حقيقة الانقسام الثقافى والسياسى فى بنية المجتمع والثقافة المصرية بين الإسلامويين أصحاب رؤية خلط الدين بالسياسة، وبين أنصار الحداثة والتجديد وفصل الدين عن العمل السياسى، وهذا الانقسام هو الذى يفسر تحولات المجتمع والسياسية والحكم فى مصر منذ نهضة محمد على وحتى اللحظة الراهنة، بكلمات محددة يفسر الانقسام الثقافى تاريخ مصر، لأنه هو أساس الصراع والاستقطاب السياسى فى تاريخ مصر.
 
الانقسام الذى أقصده ليس طبقيًا ولا تعليميًا وإنما هو انقسام ثقافى رأسى بين معسكرين، الأول: دعاة التجديد والالتحاق بقطار الحداثة والعولمة والليبرالية وفصل الدين عن السياسة، وليس عن الحياة والمجتمع، لأن معظم، إن لم يكن كل أنصار هذا المعسكر، متدينون، والثانى معسكر القديم الذى يدعو إلى العودة للأصول، وتوظيف الدين فى السياسة، ورفض تجديد الفكر الإسلامى، والتمسك بأفكار مبهمة غير واضحة بشأن إقامة نماذج إسلاموية تقبل التحديث فى التكنولوجيا والآلات، لكنها ترفض القيم المصاحبة لها من حريات ومساواة بين الرجل والمرأة والانفتاح على العالم، وستجد بين معسكر التجديد والحداثة فقراء وأغنياء ومتعلمين وأميين، ومتدينين ملتزمين، وشخصيات وأحزاب يمينية ويسارية وحركات شبابية، ستجد فى هذا المعسكر أيضًا الوفد وعبدالناصر والسادات ومبارك رغم ما بينهم من اختلافات سياسية.
 
وفى المقابل ستجد أيضًا فى معسكر القديم فقراء وأغنياء وإخوان وسلفيون ودواعش وجهاد وغيرهم، وستجد أيضًا رشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب وبن لادن والظواهرى والزرقاوى على ما بينهم من اختلافات، وأعتقد أن كل جماعات الإسلام السياسى تمثل ثقافيًا وسياسيًا وبدرجات مختلفة تيار القديم الذى يدغدغ المشاعر والعواطف الدينية بخطاب سياسى دعوى يخلط الدين بالسياسة، ويوظف الإسلام بغير حق لتشويه خصومه ونشر دعوته.
 
إن النقطة المركزية التى تلتقى عندها دراسات تاريخ الفكر المصرى هى وجود انقسام أو ازدواج بين أيديولوجيتين هما الأصولية الإسلامية الجامدة التى ترفض التجديد والليبرالية والاشتراكية، وثمة خلافات عديدة فى توصيف هذه الازدواجية، فهى عند أنور عبدالملك تتمثل فى اتجاهين هما التغريب والتأصيل أو التحديث من ناحية والأصولية الإسلامية غير التجديدية من ناحية أخرى. وعند أحمد عبدالرحيم مصطفى بمثابة مشكلة تعارض بين التراث والتجديد أو تعارض بين اتجاهين رئيسيين، كان لهما نتيجة حاسمة فى تطور مصر الحديث والمعاصر، أحدهما تقليدى يهتم بالإصلاح الدينى والآخر يستلهم قيمًا أعلى وطنيه ارتبطت به فلسفة ليبرالية عقلانية، وأحيانا اشتراكية أو وطنية مصرية خالصة.
 
أما سمير أمين فيتحدث عن ازدواجية فى الثقافة المصرية بين دينى «إسلامى» سلفى والآخر بورجوازى علمانى. ويصف محمد محمد حسين هذه الازدواجية بأنها صراع بين القديم والجديد بدأ منذ عصر محمد على، ويرى أن القديم هو كل ما يمت إلى تراثنا الموروث من دين ومن تقاليد، أما الجديد فهو كل طريف طارئ علينا مما هو منقول فى معظم الأحيان عن الأوربيين، وقد شملت المعركة بين القديم والجديد كل نواحى الحياة مادية واجتماعية وعقلية وروحية، بما فى ذلك الصراع قبل ثورة يوليو 1952 حول لبس العمامة أم الطربوش أم القبعة، وامتدت فى العصر الحالى ومنذ السبعينات إلى لبس الجلباب أم البنطلون، وكذلك ارتداء الحجاب أم لا، وارتداء الاسدال أم النقاب !!.
 
ويلاحظ أن اختلاف المؤرخين بشأن توصيف أو تسمية هذه الازدواجية لا يعكس خلافاً حول مضمون المسمى أو نفيا للظاهرة، فالجميع يتحدثون عن الظاهرة نفسها، وإنما يبدأ الخلاف والجدل بينهم بشأن أسباب هذه الظاهرة والموقف من الجديد أو القديم قبولاً أو رفضاً، أو سعياً نحو التأليف والتركيب بينها، ومن الواضح أننا فشلنا فى تجاوز الصراع التقليدى بين أنصار القديم الذين يوظفون الدين وبين أنصار التحديث والتنمية، كما فشلنا فى التأليف والتعايش بين التيارين، وكذلك فشل كل تيار فى القضاء على الآخر والهيمنة على السلطة والثقافة والمجتمع، فثمة استقطاب سياسى وثقافى فى المجتمع والسياسية، وما يزال خطاب الإخوان مثلاً يحاول استغلال الإسلام وتوظيفه لصالحه، حيث يكفر المخالفين لهم ويتهمهم بالعمالة للغرب الصليبى الاستعمارى على حد توصيف خطاب الإخوان والقاعدة، بينما يهاجم أنصار التجديد والحداثة تيار القديم ويصفه بالجمود ونشر التخلف والاتجار بالدين.
 
وأتصور ان الفجوة تزيد بين التيارين لأنه لا يوجد حوار حقيقى وإنما هناك تلاسن وشتائم وتبادل اتهامات، واستبعاد.. والأخطر أن بعض جماعات التأسلم السياسى لجأت للعنف والإرهاب لتخويف الخصوم وفرض كلمتهم وأحيانًا محاولة إقامة دولتهم التى هى من وجهة نظرهم دولة الخلافة التى لا تعترف بالحدود الوطنية أو القومية العربية، وتعيد عقارب الزمن الى الوراء، فتلجأ إلى ممارسات غريبة وشاذة لا تنتمى للعصور الحديثة، ولنتذكر هنا تجربة داعش فى سوريا والعراق وتجربة الإخوان عندما وصلوا فى ظروف غريبة إلى حكم مصر.
 
رسالتى أنه لابد من حوار جاد وواسع بين تيار التحديث وبعض بعض ممثلى أنصار القديم والأيديولوجيات الإسلاموية، وأقول بعض لأنه هناك جماعات إسلاموية من الصعب الحوار معها بعد أن تورطت فى أعمال عنف وإرهاب، ولاشك أن مثل هذا الحوار بين التيارين الإسلاموى والتجديدى لن يصل إلى اتفاقات أو تفاهمات بشأن كل القضايا، وإنما يكفى الاتفاق على التعايش المشترك وتضييق هوة الانقسام والاستقطاب التى تضرب المجتمع والأسرة الواحدة، وتستنزف مقدرات الوطن، المهم بالفعل أن نتحاور لأن الصراع أو الاستبعاد أو حتى الحلول الأمنية لن تكفى لحل الانقسام والاستقطاب الثقافى والسياسى الموروث والممتد تاريخيًا بشكل غريب ومزعج، وقناعتى أن الفكر لا يمكن التعامل معه إلا بفكر، ومنهج نقدى يحتكم للعقل والمنطق وصحيح الإسلام ومصلحة الوطن.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة