ما بين مشاغل حماية الحدود والأمن حديثا وقديما، يقف ما تبقى من بوابات تونس التاريخية شامخا ليحفظ تراثا وتاريخا امتد لمئات السنين، تأسر الزائر بمجرد الاقتراب منها بجمالها وطرازها المعمارى العريق الذى يحمل فى كل لبنة من لبناتها عبق تاريخ ضارب فى القدم.
فحينما تأخذك أقدامك حتى نهاية شارع "الحبيب بورقيبة" الأشهر فى تونس العاصمة، تجد نفسك واقفا أمام قطعة من التاريخ يعود عمرها لنحو ألف عام، وهو "باب البحر" أحد أبواب المدينة العتيقة الذى بنى فى عهد الأغالبة الذين حكموا منطقة المغرب العربى خلال الفترة بين عامى 800 و909 ميلادية.
ووفقا للمعهد الوطنى للتراث التونسي، فإن موقع تونس البحرى المهم مكنها من إقامة علاقات تجارية مع الكثير من المدن الأوروبية، وهو ما دفع بالحكام فى العهد الموحدى (1121 – 1269) إلى إيلاء مدينة تونس عناية كبيرة تمثلت فى تشييد القصبة (مقر الحكومة وأغلب الوزارات حاليا) للمحافظة على نظام المدينة القديم التى تضم جامع الزيتونة والأسواق العتيقة وأسوارها ذات الأبواب الفريدة لحماية المدينة.
وكانت أبواب مدينة تونس التى بلغ عددها 24 بابا تؤدى وظيفة مهمة فى عصرى الأغالبة (800-909 ميلادية) والحفصيين (1229-1574 ميلادية)، حيث كانت تستخدم لتنظيم عملية دخول التجار القادمين من مناطق أخرى بجانب الاستخدامات الأمنية لتوفير الحماية للمدينة وسكانها زمن الحرب والسلم، غير أن غالبية هذه الأبواب اندثرت وتلاشت مع ما عرفته تونس من تطورات عبر تاريخها حالت دون صمود هذه المعالم التاريخية.
ولم يتبق من هذه الأبواب اليوم سوى 5 أبواب، وهي: باب البحر وباب الجديد الذى يفتح على شارع بنفس الاسم ويعرف أيضا باسم باب الحدادة لأن الباب ينفذ إلى سوق الحدادة، وباب الخضراء الذى يحمل أحد تسميات مدينة تونس، وباب سعدون، وأخيرا باب العسل نسبة للقب عائلة بنى عسال وهى عائلة غنية كانت تسكن قرب الباب، فى حين لا تزال أسماء الأبواب الأخرى تطلق على أماكن وجود الأبواب المندثرة.
وتتميز هذه الأبواب بالتشابه الكبير من حيث الشكل والتصميم الهندسي، حيث تتميز بشكل القوس، باستثناء باب الجديد الذى بنى على الطريقة المغربية، إذ توجد به ثلاثة انحناءات عكس الأبواب الأخرى.
وجاءت تسميات الأبواب مقترنة بالاتجاهات التى تفتح عليها، فباب البحر مثلا سمى بذلك لأنه يفتح فى اتجاه البحر، فى حين أن بعض الأبواب يستمد تسمياته من وجود بعض الأولياء الصالحين، مثل باب سعدون الذى سمى بذلك نسبة للولى الصالح "بو سعدون".
وبنظرة سريعة على الأبواب المندثرة التى لم يتبق منها سوى التسمية فى أماكنها، نجد أبواب: "الأقواس، والجزيرة، وسوق القماش، وسيدى عبد السلام نسبة إلى أحد فقهاء المالكية سيدى عبد السلام الأسمر، وسيدى عبد الله الشريف، وسيدى قاسم، وسويقة (تصغير لكلمة سوق) الذى يوجد مكانه حاليا أحد أشهر الأحياء الشعبية فى تونس، وباب العلوج نسبة لعائلة السلطان الحفصى أبو عمرو عثمان الذى استدعى عائلة والدته من إيطاليا وأسكنها فى منطقة قرب القصبة سميت العلوج أى الأجنبى أو الأوروبي".
ونجد كذلك من الأبواب المندثرة: باب عليوة، والفلة، والجبالية، والمرقد نظرا لأنه كان يفتح على مرقد للحيوانات، والقرجاني، وقرطاجنة الذى كان ينفذ منه سكان مدينة تونس إلى منطقة قرطاج، وباب بنات نسبة إلى بنات أعداء السلطان أبو زكريا الحفصى الذى تبناهن ورباهن فى قصر واقع قرب هذا الباب، وباب المنارة، وانتجمى وهى تسمية بربرية تعنى باب المنزل، وباب الغدر المخصص لعبور الحكام وحاشيتهم ووزرائهم، وباب القصبة".
وتظل الأبواب الخمسة القائمة شاهدا على جزء من تاريخ العاصمة التونسية وأثرا من حضارتها، يتطلب الحفاظ عليها لتظل تحكى للأجيال القادمة عن مئات السنوات من تاريخ عريق يمتد لأقدم العصور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة