كان النوم عصيا على الرئيس أنور السادات فى ليل 5 أكتوبر «مثل هذا اليوم» من عام 1973، وتناول مهدئا حتى يستطيع أن يغفو ولو لساعات، لأن «أمامنا فى الغد يوما رهيبا.. رهيبا» بتعبيره الذى ينقله محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73–السلاح والسياسة».
هرب النوم من السادات، بعد اجتماعه الأخير مع القيادة العسكرية فى مقر العلميات وهو المركز رقم 10 على طريق «القاهرة–السويس»، ووفقا لهيكل فإن الرئيس تلقى فى هذا الاجتماع صورة مشجعة من الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذى قام منذ الصباح «5 أكتوبر» بزيارات إلى مواقع الجيش لكى يتأكد من أن كل شىء يسير على ما يرام، وكانت الصورة المشجعة، لأنه لا يوجد أى إشارة من إسرائيل تدل على شعورهم بأن الحرب مقبلة بعد ساعات. ويذكر الشاذلى فى مذكراته «حرب أكتوبر» «دار رؤية–القاهرة»: «دخلت على اللواء عبد المنعم واصل، قائد الجيش الثالث، فى مركز قيادته فوجدته يراجع الكلمة التى سيلقيها على جنوده عند بدء القتال، فعرضها على وطلب رأيى فيها، كانت كلمة قوية ومشجعة حقا قلت له: «إنها ممتازة ولكنى لا أتصور أن أحدا سيسمعها، إن هدير المدافع والرشاشات وتساقط القتلى والجرحى لن يسمح لأحد بأن يستمع أو ينصت لأحد فما بال بهذه الخطبة الطويلة»، يضيف الشاذلى: «لمعت فى ذهنى فكرة بعثها الله تعالى لتوها ولحظتها أن أفضل شىء يمكن أن يبعث الهمم فى النفوس هو نداء الله أكبر، لماذا لا نقوم بتوزيع مكبرات للصوت على طول الجبهة وننادى فيها: «الله أكبر، الله أكبر سوف يردد الجنود بطريقة آلية هذا النداء وسوف تشتعل الجبهة كلها به؟، إن هذه هى أقصر خطبة وأقواها».
وافق «واصل» على ما ذكره الشاذلى، لكنه أخبره بأنه ليس لديه العدد الكافى من مكبرات الصوت لتغطية مواجهة الجيش الثالث، فقام الشاذلى بالاتصال بمدير إدارة الشؤون العامة من مكتب الفريق واصل، وطلب منه تدبير 50 مكبر صوت ترانزستور وتسليم 20 منها إلى الجيش الثالث و30 إلى الجيش الثانى على أن يتم ذلك قبل الساعة العاشرة من صباح الغد «6 أكتوبر».
أخطر السادات القيادات العسكرية فى اجتماعه معهم بـ«المضى قدما على خيرة الله» وفقا لتأكيد هيكل، مضيفا أنه أبلغهم عزمه على عدة نقاط هى: «إنه هو شخصيا سيحضر معهم غدا مراحل العملية الأولى ليطمئنهم على نجاحها، ثم أنه بعد ذلك سيتركهم ليشوفوا شغلهم وفق خططهم وعلى أساس علمهم، وأنه هو نفسه لن يتدخل فى مجرى العمليات، وليس لهم أن يتوقعوا تكرارا لمثل ما حدث من قبل خصوصا فى معركة سنة 1948 من ناحية الاستجابة لقرارات بوقف إطلاق النار قبل الآوان، تعقبها عودة إلى إطلاق النار ثم هدنة، وهكذا، وأكد الرئيس: «هذه الصورة لن تتكرر ولن تكون هناك «هدنات» من أى نوع، وأضاف: «أنه مع إدراكه لأهمية أن يتواكب العمل الدبلوماسى مع العمل العسكرى إلا أنه مؤمن بأنه لا يمكن قبول أى مبادرة دبلوماسية، إلا بعد أن يكون العمل العسكرى قد وصل إلى حد يسمح بإزالة آثار العدوان كاملة عن التراب المصرى والتراب السورى، وأن القوات المسلحة بجهدها وتضحياتها خلال الأيام المقبلة هى التى ستعطيه الأرضية السياسية التى يستطيع أن يتحرك عليها لإزالة آثار العدوان بالكامل وإعادة بناء مصر من جديد».
خرج السادات بعد الاجتماع متوجها إلى قصر الطاهرة الذى اختاره مقرا لقيادته فى الحرب، ويذكر هيكل فى كتابه «الطريق إلى رمضان»، أنه خلال هذا الاجتماع فى المركز «رقم 10» حدث مشهد مؤثر بدأه الفريق «إسماعيل» بحضور الرئيس السادات، فقد طلب من جميع الحاضرين أن يقسموا على القرآن الكريم القسم التالى: «نقسم بالله العظيم على هذا القرآن أن يبذل كل منا ما فى وسعه حتى النفس الأخير لننجز المهمة الملقاة على عاتقنا»، ويسجل الفريق الشاذلى: «كان نومى طوال هذه الليلة سلسلة من الغفوات والاستيقاظات، وفى كل مرة أستيقظ فيها كنت أبحث مشكلة حتى وكأنى بحثت جميع مشكلات القوات المسلحة فى تلك الليلة، واستيقظت فى الصباح وأنا أشعر بنشاط كبير، رغم تلك الليلة التى قضيتها وأنا نصف نائم ونصف يقظان».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة