قلوب مرسومة وورود وبالونات ..تصفيق وصرخات حماس لتشجيع حبيب أعلن عن حبه لزميلته بلافتة تحمل شعرا وطلبا بالارتباط ، حبيبة تتقمص دور بطلات الأفلام القديمة، وتستحضر كل مخزون مشاهد الحب فى الدراما التركية لترسم ملامح الدهشة والشعور بالمفاجئة ودغدغة المشاعر...ثم ينتهى المشهد بحضن داخل الحرم الجامعى أو قبلة علنية فى فناء المدرسة.
هكذا تكرر المشهد أكثر من مرة بين طلاب فى مراحل التعليم المختلفة، آخرها ماحدث فى جامعة طنطا، حيث شهدت كلية الحقوق احتفال عدد من الطلاب بإعلان زميل لهم لحبه لزميلته بتزيين حديقة الكلية بالبالونات، ورسم قلب على الأرض وحمل أصدقائهما لافتات مكتوب عليها «marry me» ، لتتفاجئ الحبيبة بهذا المشهد وسط تصفيق عدد من الزملاء، ثم ينتهى الفيديو الذى انتشر بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعى باحتضان الحبيب لحبيبته داخل الحرم الجامعى، وهو ما أثار حالة من الغضب والاستياء بين عدد كبير من الطلاب ومن شاهدوا الفيديو، فضلا عن تعاطف عدد آخر مع الحبيبين الصغيرين.
لم تكن هذه الواقعة هى الحالة الوحيدة التى يعلن فيها طالب عن حبه لزميلته بهذه الطريقة، لكن تكررت أكثر من مرة داخل الحرم الجامعى أو فى بعض المدارس وتم إحالة الطرفين فى بعض هذه الحالات للتحقيق أو فصلهما.
وسبق وأعلن طالب بكلية الصيدلة بجامعة الزقازيق بالشرقية عن حبه لزميلته داخل الحرم الجامعى،على طريقة فيلم عمر وسلمى، وعلق لافتة على مبنى الكلية مكتوب عليها :"أنا عاشق يا حبيبتى ولا أريد إلا أن تكونى زوجتى.. بحبك يا إيمان تتجوزينى؟.. حبيبك مهاب"، وقام بتلبيسها دبلة الخطوبة فى حضور عدد من الطلاب، بعد أن قدم لها بوكيه ورد وزين سيارته بالبالونات ووضع عليها لافتة مكتوب عليها " تتجوزينى".
وتجاوزت هذه الحالات حدود الجامعات لتصل إلى المدارس، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو منذ فترة لطالب ثانوى تقدم لخطبة زميلته داخل المدرسة بحضور عدد من أصدقائهما، وظهر الطالب في مقطع الفيديو، وهو يحمل على ظهره حقيبته المدرسية، وفي يده خاتم الخطوبة ودبدوب أبيض، وقلب أحمر، ثم ركع الطالب على ركبتيه وقبل يد الفتاة وطلب خطبتها أمام أصدقائهما، فوافقت الفتاة وتبادلا القبلات.
تثير مثل هذه الوقائع غضب الكثيرين وقد يصل الأمر إلى المطالبة بمحاسبة طرفيها ، وهو ما حدث فى الواقعة الأخيرة بجامعة طنطا، حيث أحيل الشاب والفتاة وأصدقائهما المشاركين فى الحفل إلى مجلس تأديب ، بدعوى عدم توافق هذه الممارسات مع قدسية الحرم الجامعى ، بينما تعاطف البعض مع طرفيها ورأوا أن الواقعة لا تعدو كونها تعبيرا عن مشاعر حب ورمانسية بريئة لا تستحق العقاب.
وبعد تعالى صيحات الغضب والمطالبة بمحاسبة الشاب والفتاة، اعتذر الشاب، مؤكدا أنه خطب الفتاة وأراد أن يدخل الفرحة على قلبها، قائلا :"أنا غلطان وعارف إن ده حرم جامعى وليه احترامه، وأنا عارف إنه غلط دينى ومينفعش أعمل كده حتى لو مراتى، بس الحاجة دى جت كده بشكل عفوى، ومينفعش مستقبلى يضيع خاصة إنى فى آخر سنة ليا فى الجامعة".
كلمات الشاب عبرت بشكل صادق عن عفوية الموقف الذى لم يعتقد الشاب والفتاة أنه سيتسبب فى كل هذه الضجة بعد انتشار مقطع الفيديو.
وبعيدا عن تطرف الجانبين سواء المتعاطف مع الشاب والفتاة مقتنعا بأن ما فعلاه ظاهرة صحية تستحق الاشادة، وبين من يشعر بالغضب الشديد ويطالب بعقابهما حتى يكونا عبرة لغيرهما، بدعوى الحفاظ على قدسية الحرم الجامعى، يبقى أن نضع بين أبنائنا عددا من الملاحظات والنقاط التى قد لا يلتفتون إليها وتشغلهم عنها حالة الرومانسية وسخونة المشاعر التى يعيشونها، فلا يرون الصورة كاملة.
ابنتى الطالبة قد تنزعجين من نصائح من يكبرونك فى السن ويرون أشياء ترينها قديمة ومتحجرة تفتقد الرومانسية ولا ترعى المشاعر ، قد تملين كلمات أمك، وقد يرى الطالب فى كلام أبيه ونصائحه، كلاما إنشائيا لا يتناسب مع العصر ومشاعر الشباب، قد تنزعجون وتعتقدون أن الأباء والأمهات بلا مشاعر، ولم يمر أى منهم بما مررتم به، ولكن لينظر كل منكم إلى الصورة من زوايا أخرى.
لا أنكر تعاطفى مع هؤلاء الشباب والفتيات الذين أصبحوا محط الأنظار بعد هذه الوقائع، فما فعلوه نتيجة لكل ما تم زرعه فى عقولهم من أساليب التعبير عن الحب الدرامية التى تداولتها الأفلام، والتى أصبح أبطالها نجوما ومثل أعلى للشباب حتى فى المناطق الريفية.
هؤلاء الشباب ضحايا لما نعيشه من حالة شيزوفرينيا وتناقض ، ففى الوقت الذى قد يرون الكاميرات تدور داخل الجامعة بجوارهم لتصوير مشهد غرامى فى أحد الأفلام، يحمل نفس التفاصيل، يتم عقاب من يحذو حذو أبطال الفيلم الذين نراهم ليل نهار على الشاشات يكررون نفس المشهد الذى أجازته الرقابة، وسمح مسئولى الجامعة بتصويره داخلها.
وبدلا من أن تقوم الجامعة بتوجيه الشاب والفتاة والتعامل بمنطق أبوى دون الانسياق وراء المبالغة والتطرف فى رد الفعل، انطلقت تصريحات مسئولى جامعة طنطا لتعلن التنكيل بالطالب والطالبة وتتوعد بعقوبات تصل إلى الفصل ، فى محاولة لاسترضاء الغضب المشتعل على مواقع التواصل الاجتماعى، حتى خرج الشاب معتذرا على شاشات الفضائيات معلنا أنه أخطأ ولكنه خطأ عفوى غير مقصود بدافع رغبته فى إدخال السعادة على خطيبته.
شبابنا وبناتنا ضحايا لما نعانيه من تناقض ونفاق وكذب، ورغم ذلك على كل منهم أن ينظر إلى الصورة من زوايا أخرى .
فلتنظرى ابنتى العزيزة إلى هذه الفيديوهات التى انتشرت وشاهدها الجميع ، واطرحى على نفسك عددا من الأسئلة وأجيبى عنها بصدق:
· هل تنكرين أننا نعيش فى مجتمع يرى بخياله أكثر مما يراه بعينيه ، وأنه قد يتخيل الكثيرون أن ما يحدث بينكما فى الخفاء أكثر مما حدث فى العلن ، حتى وإن لم يحدث بينكما سوى هذا الحضن أو القبلة العلنية البريئة؟
· هل تقبل عزيزى الشاب أن ترتبط بفتاة شاهدها الجميع فى أحضان شاب آخر حتى وإن كان هذه الحضن بريئا وفى إطار الإعلان عن الخطوبة، فلماذا تبرر لنفسك فعلا فى موقف، ثم لا ترضاه فى موقف آخر؟
· ابنتى العزيزة ماذا لو لم تكتمل العلاقة بينكما، ولم تكلل بالزواج لأى سبب من الأسباب، كيف ستتعاملين مع هذه الصور والفيديوهات المنتشرة فى زمن توحشت فيه وسائل التواصل الاجتماعى، وكيف ستبنين علاقة وأسرة جديدة فى ظل وجود هذه الذكرى التى استمعتى بجمالها اللحظى وستتجرعين مرارها لسنوات، وهل ستتساوى خسارتك مع خسارة الشاب الذى سيصبح حبيبا سابقا؟
· صغيرتى هل فكرت فى موقف أسرتك وإخوتك ونظرتهم لك، ونظرة الناس لهم بعد هذا الموقف، وهل يقبل حبيبك الرومانسى بأن يتكرر نفس الموقف مع شقيقته؟
أبنائى الأعزاء رفقا بأنفسكم، تمهلوا حتى لا تجرفكم مشاعر قد تكون مؤقتة وتؤثر على حياتكم لسنوات طويلة، فما ترونه جميلا وممتعا ورومانسيا اليوم قد تتغير نظرتكم له تماما غدا، فيصبح الجميل قبيحا والرومانسية فضيحة.
عدد الردود 0
بواسطة:
أب حزين
ليت ابنائنا يفهمون
ليت ابنائنا يفهمون قبل فوات الاوان ولا تجرفهم مشاعر مؤقتة تزول مع الزمن ويبقى الوجع والحسرة