يدخل كتاب (ذاكرة القوافى) لمؤلفه حسن فضل الله النائب اللبنانى عن حزب الله إلى أزمنة تاريخية غابرة ويستعيد شجرة عائلته ليحكى سيرة والده الشاعر الراحل نظام الدين فضل الله.
وضمن الكاتب صفحات العمل الصادر فى أغسطس قصائد بخط والده الشاعر الذى توفى عام 2006 قبل أن يتسنى له إصدار منتوجه الأدبى فى ديوان خاص به.
يقع الكتاب فى 269 صفحة وهو صادر عن دار الولاء للطباعة والنشر.
عاش نظام الدين فضل الله فى بلدته عيناثا الواقعة جنوب لبنان عند الحدود مع إسرائيل حيث كانت هذه البلدة مقرا لمدرسة دينية تضم أقدم المخطوطات التى عثر عليها حتى الآن وتعود للقرن الثامن الهجرى والرابع عشر الميلادي. وبدأت علاقته بنظم الشعر باكرا حيث وجد فى أسرته ميدانه الرحب لخوض هذا المضمار.
لكن لبنان كان واقعا آنذاك تحت وزر الحرب العالمية الثانية وخاضعا للوصاية الفرنسية بينما كانت فلسطين تحت الوصاية الإنجليزية فحالت الظروف التى عاشها جبل عامل دون أن يستكمل نظام الدين دراسته الدينية فى بلدته. وقرر أن يعتمد على نفسه والاستقلال فى شؤونه المادية وعدم الاتكال على ثروة أبيه فتوجه إلى فلسطين للعمل هناك.
كانت حيفا سوق العمل للجنوبيين وقصدها عدد كبير من أبناء قرى الجنوب لكنها كانت قد بدأت فى الوقت نفسه تشهد حراكا فلسطينيا ضد الاضطهاد.
يقول الكاتب "وجد نظام الدين نفسه فدائيا فى حيفا...ألهبت القضية مشاعر اللبنانيين هناك ومن بينهم نظام الدين فباع ما لديه من بضاعة تجارية واشترى سلاحا على حسابه وقرر الانضمام إلى صفوف الثوار العرب".
ويضيف فضل الله فى كتابه نقلا عن والده "كانت متاريسنا عبارة عن أكوام من التنك والسلاح الذى بين أيدى الثوار متواضع نسبة إلى سلاح العصابات الصهيونية... لقد بدأت المدن تسقط الواحدة تلو الأخرى من دون القدرة على الرد لأن العرب كانوا يطلقون الوعود والخطابات الرنانة لكن من دون أن يترجموا الكلام إلى أفعال".
ونظم الشاعر نظام الدين قصائد فى القضية الفلسطينية ضمنها الكتاب تحفل بمشاعر الحسرة على ضياع القدس.
يقول فى إحدى قصائده "أين العروبة أين المسلمون / فهل صمّوا عن الحق والوجدان آذانا / ما ضاعت القدس لولاهم وما جعلت أرض الجنوب لإسرائيل ميدانا".
أدرك نظام الدين ورفاقه أن الأمور قد انتهت فى فلسطين فخرج أولا إلى عكا قبل أن ينتقل إلى بحر صور محتفظا بالسلاح على أمل العودة يوما إلى حيفا.
ويعرض الكاتب أبرز المراحل التى مر بها نظام الدين فى رحلة أخذته بعد فلسطين إلى جنوب لبنان ثم الأردن وسوريا والكويت قبل أن يستقر أخيرا فى بيروت فى قلب حى فقير يسمى "النبعة" فى الضاحية الشرقية للعاصمة اللبنانية.
فى النبعة، حيث تجمعت عائلات جنوبية وجدت فى تلك المنطقة فرصة مواتية للهرب من نار الهجمات الإسرائيلية المتكررة على قرى الجنوب، ارتبط نظام الدين بعلاقة متينة مع المرجع الدينى الشيعى العلامة الراحل محمد حسن فضل الله ومعا عقدا حلقات الحوار الثقافية والدينية المنفتحة على الآخر.
يقول الكاتب "قرر السيد نظام الدين نقل عائلته المكونة من زوجته وتسعة أولاد إلى النبعة وسكنت العائلة جنبا إلى جنب مع عائلات متنوعة الانتماءات الطائفية والمناطقية".
واشتهر نظام الدين بثورته على مستغلى الدين للحصول على منافع مادية وأطلق صرخته فى وجه ناهبى المال الشرعى باسم الدين.
وقال شعرا فى هذا الإطار "يدعون الإسلام زورا ولكن / كذبوا أنهم من الأدعياء / يأكلون الحق من غير حق / كذبوا فالحقوق للفقراء/ لو تراهم تقول أفقر خلق / وهم جلهم من الأغنياء/ يسرقون الأموال جهرا وظهرا/ ينهبون الأموات كما الأحياء".
وكتب نظام الدين فى الدين والاجتماع والطبيعة والسياسة والثورات وخصص قصائد فى مراحل الغزو الإسرائيلى للبنان بينها ما كتبه فى اجتياح عام 1982 عندما قال "جاءت للبنان إسرائيل غازية / والغرب لم يحسبوا للشعب حسبانا / ظنوا بأن يرهبونا فى جيوشهم / لكن أبى الشعب إرهابا وإذعانا / قامت مقاومة فى كل ناحية / سل أهل عاملة شيبا وشبانا".
ولم تكن حياته العاطفية قاحلة بسبب انشغالاته الدينية والسياسية فكان الغزل يتصدر قصائده لاسيما تلك الأبيات التى خص بها زوجته بثينة قائلا "عندما شاهدتْ عيونك وجهى / سهم عينيك للفؤاد أصابا / عتبى لا على جمالك لكن / لعيونى وقد ارتك العتابا".