لا تزال الحرب الشرسة بين كبرى شركات الإعلامية وعمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وفيس بوك للاستفادة ماديا قدر المستطاع من المحتوى، دائرة بل وتنتقل إلى مرحلة جديدة، فرغم أن المعركة الأخيرة فازت بها الصحف والمواقع الإلكترونية حيث خفف جوجل القواعد على المواقع التى تقدم محتوى مدفوع الأجر مما سيزيد إيرادات اشتراكاتها، إلا أن الحرب بعيدة كل البعد عن الانتهاء، فيبدو أن تنازل جوجل وراءه خطة أكبر لإرغام الصحف على دفع أموال أكثر.
ويقول الكاتب البريطانى جون جابار فى مقاله المعنون "سعر الأخبار مدفوعة الأجر لن يظل مرتفعا" فى صحيفة "فايننشال تايمز" إن صناعة الصحف والمواقع يجب أن تحتفل بانتصارها الثمين هذا الأسبوع بعد تخلى جوجل عن تحيزها للأخبار المجانية على الانترنت، إذ أعلنت جوجل، الأحد، أن المواقع الإخبارية ذات الاشتراكات لن يكون لزاما عليها إتاحة ثلاثة مقالات مجانية للمستخدمين يومياً، ولن تواجه ظهوراً أقل فى نتائج البحث، لتخفف بذلك قواعدها فى أعقاب شكاوى من شركات إعلامية عملاقة، مثل نيوز كورب، من أن مبيعاتها تتراجع.
وخلال العقد الماضى ساعدت سياسة "أول نقرة مجانا" التى انتهجتها جوجل غير المشتركين على تجنب حظر الاشتراكات غير المدفوعة، عند الضغط على مقالات إخبارية نتيجة عمليات البحث.
وزعمت جوجل التى تعد أكبر شركة تابعة لشركة ألفابت أن المقالات المجانية ستؤدى إلى زيادة الاشتراكات.
لكن باستثناء عدد قليل من النشرات لم تكن الاشتراكات عن طريق الإنترنت مرضية وتزايدت شكوى شركات، مثل نيوز كورب التى تملك وول ستريت جورنال من أن حصول مستخدمين على مقالات مجانية أدى إلى تراجع المبيعات.
ولم تلتزم وول ستريت جورنال هذا العام بسياسة جوجل ما نتج عنه تراجعها فى ترتيب نتائج البحث، لكن أدى ذلك إلى زيادة الاشتراكات.
وقال ريتشارد جينجراس، نائب رئيس الأخبار فى جوجل، "خلال العام الماضى كان لدينا مؤشر واضح، نعم، كان سيصبح من المهم للناشرين زيادة عائدات اشتراكاتهم"، مشيراً إلى أن عدد المنابر الإخبارية ذات الاشتراكات غير المدفوعة وصل إلى عدد حرج العام الماضى، للدرجة التى دفعت جوجل إلى البدء فى تطوير أدوات لهم.
وتعول جوجل الآن على القواعد التى خففتها وبرنامج الاشتراك قيد التطوير لوقف تراجع المحتوى القيم لوول ستريت جورنال وناشرين آخرين.
ومن الآن فصاعدا سيكون بمقدور الناشرين اختيار عدد المقالات المجانية، إن وجدت، التى يرغبون فى تقديمها للباحثين الذين يستخدمون جوجل.
ورغم ذلك، يقول جون جابار إن جوجل –وربما فيس بوك- يتجه نحو شئ أكبر يقوم على دعم الأخبار والمعلومات المدفوعة بدلا من اعتبارها من الفئة الخطأ.
وأضافت كاتب "فايننشال تايمز" أن عمالقة الإنترنت والمستهلكين يعترفون الآن أن هناك ثمن مقابل معلومات ذات جودة عالية ولكن هذا لا يعني أن السعر سيكون مرتفعا بل يعنى أن الناشرين سيكون أمامهم تحدى جديد. واعتبر أن تغيير جوجل لنهجها يعكس إدراكها أن إتاحة المواد الإخبارية المجانية كان له أثره على النظام الإخبارى وعلى الشركة نفسها، إذ كان من المنطقى أن يفضل جوجل المحتوى المجانى لأنه من المزعج أن ينقر المستخدم على رابط لمقال فيجد أمامه حائط يطالبه بدفع اشتراك.
وأوضح الكاتب أن كلا من جوجل وفيس بوك يمكنهما مساعدة ناشرى المحتوى مدفوع الأجر، فمثلا عرض موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" الترويج للاشتراكات عندما يقرأ المستخدم 10 قصص مجانية، بينما ألمحت جوجل إلى انها يمكن أن تدعم الاشتراكات بعدة طرق؛ منها استخدام تكنولوجيا المعاملات والمدفوعات لملء الاشتراكات، الأمر الذى سيساعد العملاء الذين يواجهون مشكلة مع بعض المواقع التى تستخدم أنظمة دفع عفا عليها الزمن وأخرى غامضة.
كما يمكن أن تساعد جوجل فى تجميع تحليل البيانات مع شركات النشر، مما يمكنها من تحديد واستهداف العملاء الذين يحتمل أن يدفع ثمن الاشتراكات.
ورغم أن ذلك يمكن أن يكون مفيدا للغاية، يضيف الكاتب، إلا أنه يثير تساؤلات كبيرة حول كيفية الدفع مقابل الأخبار، خاصة بالنسبة لعمالقة النشر الذين قدموا فكرة المحتوى المدفوع الأجر مثل "داو جونز" و"نيويورك تايمز" و"فايننشال تايمز".
وإذا قدمت جوجل أو غيرها تكنولوجيا وتحليل بيانات بتكلفة زهيدة نسبيا، فإنها ستوفر فرص للجميع سواء الناشرين الكبار أو من يدخلون السوق حديثا. وسوف يصبح من الأسهل لمجموعة من الناشرين المتخصصين العثور على أسواقها وسط هذه الفوضى.
أما السؤال الثانى، فهو ماذا سيحدث لهيكل سعر الصناعة؟ حتى الآن، كان هناك فى الواقع سعرين للأخبار مجانا أو بأموال. ويمكن للقراء الاستعانة بالأخبار المجانية الممولة من الإعلانات أو دفع اشتراك واحد أو اثنين مما يتيح لهم الوصول غير المقيد إلى منشورات متميزة.
ولكن أسواق الإعلام المختلفة لا تعمل هكذا، فمثلا محطات التلفزيون الفضائية والقنوات المشفرة، يدفع العميل مقابل حزمة من القنوات، وأحيانا يدفع أكثر مقابل الحصول على قنوات مميزة مثل الرياضة أو الأفلام، لكن الدفع مقابل كل قناة سيكون مكلف للغاية بل ومعقد كذلك.
ومع توسط منصات مثل "جوجل" فى الاخبار المدفوعة، سيكون من السهل أن تكون بمثابة منصة للباقات، بمعنى أنه بدلا من اشتراك واحد لكل مؤسسة، يمكن أن تقدم لهم باقة يدخل بموجبها العميل إلى بعض محتوى نيويورك تايمز مثلا وبعض محتوى فايننشال تايمز وبعض وسائل الإعلام المحلية الأخرى.
ويخشى بعض القائمين على وسائل الإعلام أن يؤدى ذلك إلى عدم تغطية كلفة إنتاج الأخبار.
وختم الكاتب مقاله قائلا إن العميل سيحصل على ما يريده فى النهاية، ويمكن للناشرين الاحتفال بانتصار هذا الأسبوع ولكن عليهم الاستعداد للمعركة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة