يوسف أيوب

معادلة إيران المعقدة

الإثنين، 30 أكتوبر 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تزال إيران تمثل المعادلة الصعبة بل والمعقدة فى المنطقة، التى لم نصل إلى حل أو طريقة للتعامل أو التعاطف معها، وهذا الأمر لا يتعلق بدول المنطقة فقط، وإنما ينسحب أيضاً إلى القوى الكبرى فى العالم، فرغم تصاعد نبرة التهديدات الأمريكية، فإن الملف مازال يكتنفه الغموض، بل والتعقيد فى أحيان كثيرة، وربما يرجع ذلك إلى أن البعض بدأ ينظر إلى مكاسبه الشخصية، بعيداً عن المصالح العليا وهو يتعامل مع إيران.
 
إذا أردنا التأكد من صحة ما أقوله نسترجع وقائع ما حدث فقط الأسبوع الماضى فى عدة عواصم، فكلها للأسف الشديد تشير فى مجملها إلى التناقض الواضح فى التعامل مع الملف الإيرانى، وكانت البداية بقول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى 13 أكتوبر: إنه لن يصدق على التزام إيران بالاتفاق الدولى الخاص ببرنامجها النووى، وهدد باحتمال انسحاب بلاده من الاتفاق فى نهاية المطاف، وبعدها صوت مجلس النواب الأمريكى بالإجماع على فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانى فى إطار جهود لتضييق الخناق على إيران، دون التحرك لتقويض الاتفاق النووى معها، وفى نفس الوقت طالبت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها ريكس تيلرسون بانسحاب «كل المقاتلين الأجانب من العراق»، خصوصا «الميليشيات الإيرانية بما أن المعركة ضد داعش شارفت على نهايتها».
 
ورغم أن الدول الأوروبية «روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا» التى وقعت فى يوليو 2015 اتفاقا مع إيران لمراقبة برنامجها النووى، أتاح رفع بعض العقوبات الاقتصادية عن إيران مقابل ضمانات حول سلمية برنامجها النووى، اعترضت على ما قاله ترامب، واستراتيجيته المعلنة تجاه إيران، إلا أن إسرائيل كان لها رأى مغاير، حيث قال وزير مخابراتها، إسرائيل كاتس: إن بلاده مستعدة للجوء إلى عمل عسكرى لضمان عدم امتلاك إيران أسلحة نووية أبدا، ونتذكر جميعاً أن إسرائيل قامت من قبل بتحركات أحادية دون موافقة حليفتها الولايات المتحدة، شملت ضربات جوية لموقع يشتبه أنه مفاعل نووى فى سوريا 2007 وفى العراق 1981.
 
التصعيد الأمريكى تجاه إيران لم يكن مرتبطا فقط بالبرنامج النووى، وإنما حمل إشارات متعلقة بأمن دول الخليج، وهو ما ظهر من تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر ناورت، التى أشارت إلى وجود «إجماع على خطورة النفوذ الإيرانى فى المنطقة»: «حلفاؤنا وشركاؤنا العرب يتوافقون مع الولايات المتحدة على ذلك، كلنا على اتفاق أنه عندما تراقب أفعال إيران فى بلد آخر، تعرف أنها لا تسعى للخير.. نريد وقف هذا النفوذ المزعزع للاستقرار».
 
لكن فى مواجهة هذه الأفعال والأقوال الأمريكية المضادة لإيران، نجد عددا من المواقف المثيرة للانتباه، كونها تكشف الارتباك الأمريكى فى التعامل مع هذا الملف، ومنها إعلان البحرية الأمريكية الأربعاء الماضى، أن مدمرة أمريكية قدمت المساعدة لسفينة صيد إيرانية، بعدما هاجمها قراصنة قبالة سواحل اليمن، مشيرة إلى أن التدخل تم بناء على طلب من طهران، وقالت البحرية فى بيان لها: إن خفر السواحل الإيرانية اتصل بالقيادة البحرية الأمريكية فى البحرين لإبلاغها بتعرض سفينة صيد إيرانية لهجوم من قبل قراصنة، أثناء إبحارها جنوب جزيرة سقطرى اليمنية، وقد طلب من القوات البحرية الدولية، المنتشرة فى المنطقة لمكافحة القرصنة، التدخل لمساعدة سفينة الصيد وطاقمها، وقد عمد فريق التدخل فى المدمرة الأمريكية إلى «تقديم الماء والغذاء، وأجرى عمليات تصليح، وقدّم المساعدة الطبية لثلاثة بحارة مدنيين جرحى إيرانيين.
 
الغريب أن هذه المساعدة جاءت فى وقت تتهم واشنطن باستمرار طهران بالوقوف خلف استفزازات وتحرشات تقوم بها سفن حربية إيرانية ضد سفن عسكرية أمريكية أثناء عبورها مضيق هرمز، فى حوادث كادت أن تؤدى إلى مواجهات.
 
وفى الوقت نفسه تواصل الشركات الأوروبية تعاونها مع إيران، ولم تلتفت للتحذيرات الأمريكية، وهو ما ظهر على سبيل المثال من تصريحات المدير المالى لشركة توتال الفرنسية العملاقة للنفط باتريك دو لا شيفارديير، الذى قال قبل يومين: إن الشركة مستمرة فى العمل فى إيران على الرغم من حالة الضبابية بعد أن قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عدم التصديق على الاتفاق النووى الإيرانى، مؤكداً أن المجموعة تمضى قدما فى خطط للإعلان عن مناقصات لمشروعها بحقل بارس الجنوبى للغاز فى إيران، وأن العقد الرئيسى ستجرى ترسيته فى بداية 2018 حين يتوافر الوضوح من الولايات المتحدة.
 
حتى فى المنطقة هناك دول أعلنت صراحة أنها ضد الأطماع الإيرانية، وفى المقابل نجد دولا قررت الارتماء فى أحضان ملالى طهران، ومنها إمارة قطر، أما تركيا فهى تناور، لا مع ولا ضد، تبحث دوماً عن المكاسب الشخصية.
 
بالتأكيد، فإن نقطة التحول الرئيسية فى المواجهة مع إيران كانت بتدخلها المباشر فى اليمن من خلال دعم الحوثيين بها، وهو ما كان بمثابة الرسالة المباشرة من جانب طهران لدول الخليج، خاصة السعودية، التى تحملت ولا تزال تتحمل الكثير من التدخلات الإيرانية، وهو ما أكده الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، الذى قال قبل أيام: إن «الأفكار المدمرة» بدأت تدخل السعودية عام 1979 فى إطار مشروع «صحوة» دينية تزامن مع قيام الثورة الإسلامية فى إيران.
 
وإذا نظرنا إلى الوضع فى إيران سنجده مختلفا بعض الشىء، فنحن أمام عملية زهو بوضعهم الحالى، وهو ما أكده الرئيس الإيرانى حسن روحانى الذى أشاد، الاثنين الماضى، بمكانة بلاده فى الشرق الأوسط بقوله: «مكانة الأمة الإيرانية فى المنطقة اليوم أكبر من أى وقت مضى.. هل من الممكن فى العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا والخليج الفارسى اتخاذ قرار حاسم دون أخذ الموقف الإيرانى فى الاعتبار؟».
 
فى المجمل، أستطيع القول إن الارتباك الدولى هو السائد فى التعامل مع إيران، وهو ما يستدعى العمل على إيجاد رؤية استراتيجية موحدة، حتى نستطيع مواجهة الأطماع الإيرانية فى المنطقة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة