عبد الفتاح عبد المنعم

الإعلام الموجه وسيلة الاختراق الأمريكى للعالم العربى

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحت عنوان «الثقافة والقوة الناعمة.. حروب أفكار فى السياسة الخارجية»، وضع الباحث نزار الفراوى دراسة خطيرة نشرها «مركز برق للأبحاث والدراسات»، أواصل قراءاتى للعلاقات المصرية الأمريكية فى جانبها التاريخى، وذلك استنادا إلى دائرة المعرفة الدولية خلال الألفية الثالثة.  
 
فى 2002 انطلقت فى واشنطن مبادرة سميت «شراكة الشرق الأوسط» تهدف إلى دعم جهود الحكومات فى الإصلاح على مستوى:  السياسة، الاقتصاد، التعليم، النهوض بالمرأة. اليزابيث شينى، رئيسة المبادرة أكدت فى إبريل 2005 أمام لجنة الشؤون الخارجية فى مجلس الشيوخ ضرورة العمل على إحداث تغيير فى برامج التعليم فى البلدان العربية، خاصة مناهج التنشئة الدينية والثقافية التى تعتبر فى نظر الأمريكيين مصدرا أساسيا لانتشار التطرف والإرهاب، وطلبت من إدارة جورج بوش رصد 30 مليون دولار لتمويل المبادرة فى الجانب المتعلق بالبرامج التعليمية برسم عام 2006، وعلى الضفة الأخرى المستهدفة بهذه الشراكة، تم بالفعل التجاوب مع مطالب إصلاح المقررات، لا سيما فى دول اليمن، السعودية، مصر، تحت ضغط سياسة بوش «من ليس معنا فهو ضدنا».
 
أما الجانب الثانى الذى حظى بعناية ملحوظة، فهو الإعلام والتواصل الذى تجسد الاستثمار فيهما من خلال إنشاء دعامتين أساسيتين للدبلوماسية العامة، هما إذاعة سوا بتاريخ مارس 2002، وقناة الحرة ابتداء من فبراير 2004. الهدف الأساسى للاثنين تمثل فى الترويج باللغة العربية للدبلوماسية الأمريكية فى الوطن العربى، كأن واشنطن تريد استنساخ تجارب يزكى الباحثون اليوم فعاليتها أيام الحرب الباردة، ويتعلق الأمر بإذاعة صوت أمريكا وأوروبا الحرة، غير أن المشروعين يواجهان بانتقادات واسعة فى الحقل البحثى الأمريكى لجهة التصور التبسيطى الذى أطر المشروع.
 
فيما يخص إذاعة سوا، يبدى بعض المراقبين استياء كبيرا من هيمنة المادة الترفيهية الموسيقية بنسبة تناهز  80 فى المائة. فكرة إغراق الجمهور بالترفيه لا تقنع الباحث روبيرت رايلى الذى يرى أنه: «لا يمكن شن حرب الأفكار ضد خصوم لا نعرف جوهر أفكارهم. حرب الأفكار لا يمكن ربحها إلا مع أناس يفكرون»، هذا يحدد طبيعة المستهدفين بهذه الحرب وهم النخبة المثقفة فى نظره، يقول: «من العبث توجيه أفكارنا نحو فئات لا تفكر. إنها حرب عابرة للأجيال، تمتد على مدى طويل، وهنا الاختلاف بين عمل دبلوماسى تقليدى يعمل فى مدى منظور بمناورات وأهداف منظورة وعمل يشتغل على الأعماق الفكرية والثقافية فيقتضى لذلك زمنا طويلا».إن هدف الدبلوماسية العامة الأمريكية هو الوصول إلى الفئات المؤثرة فى البلدان الأخرى، خارج نطاق القنوات الدبلوماسية الثنائية، بأفكار قوية بما يكفى لتعزيز انخراط هذه الفئات فى التوجهات السياسية لواشنطن.
 
لقد استخدمت أمريكا سابقا هذه الاستقطابية عبر الفن من خلال برنامج ويليس كونوفر للجاز بإذاعة صوت أمريكا الموجه إلى الجماهير السوفيتية خلال الحرب الباردة، كان واحدا من أنجح البرامج لكن فى طبق مشكل من الأخبار والزوايا والبرامج ذات المضمون القوى، اليوم، انقلبت الصورة وباتت الموسيقى أهم مكون على مستوى الجدول الزمنى لإذاعة سوا، وهذا أمر لا يستسيغه بعض المهتمين بالدبلوماسية العامة فى أمريكا، لسان حالهم يقول: «على هذه المواد الإعلامية أن تقدم بالأحرى طبيعة الإنسان الأمريكى ومبادئ أمريكا، الموسيقى وحدها لا تستطيع فعل ذلك».
 
يلاحظ نفس الكاتب أنه ليس هناك اتفاق على طبيعة علاقة الإعلام الموجه إلى الخارج بالدبلوماسية العامة، ومدى استقلالية المادة الإعلامية عن عناوين السياسة الأمريكية ليخلص إلى  القول: «حين يقول أحدهم أن موسيقى بريتنى سبيرز تمثل أصوات الحرية، فالأمر ليس صحيحا بل كاريكاتوريا»، من خلال تكثيف المادة الموسيقية والترفيهية يراهن صناع الدبلوماسية العامة على الشرائح الشابة المقبلة على الألوان الفنية الغربية، بحجة أن الديمقراطية فعل جماهيرى، والحال أن الأمر يتعلق بمواد سريعة الاستهلاك بلا معنى فعلى، حسب البعض، منطلق هذه الأصوات الناقدة أن الجماهير تقودها نخب نوعية.
 
يقول الباحث: «إن أردنا أن يكون الآخر عقلانيا، ينبغى أن نمده بمعطيات عقلانية تساعده على تمثل الحياة بهذا المنظار، ثمة فى العالم الإسلامى توجهات دينية منفتحة على العقل، ينبغى تشجيعها، ينبغى توجيه الدبلوماسية العامة لتشجيع نشاط المثقفين المسلمين العقلانيين الذين يدعون إلى مواءمة المرجعية الدينية مع مكتسبات القانون الوضعى وحقوق الإنسان، الذين يواجهون بعنف من قبل الحركات المتشددة، لأنهم يشكلون خطرا على توجهاتهم المتشددة من الداخل». 
 
يمكن القول إن العالم العربى الإسلامى وهواجس التهديد الأمنى والسياسى والممانعة الأيديولوجية التى يترتب عنها التشويش على الحضور الاستراتيجى وحتى الاقتصادى للقوة الأمريكية بمناطق حيوية عبر العالم، كان وراء حالة الاستنفار التى أعلنت على صعيد الدبلوماسية العامة الأمريكية بأبعادها الثقافية والإعلامية والبحثية، لكن الانتقادات داخل أمريكا  لهذا التوجه تبقى قوية، خصوصا لجهة المخصصات المالية الضعيفة للدبلوماسية العامة، وتتجه الانتقادات أساسا لمضمون هذه الدبلوماسية التى تقول أكثر مما تنصت، حيث يسود انطباع عام بعدم اهتمام أمريكا بوجهة نظر العرب والمسلمين، ويرى البعض أن مؤسسات مثل قناة «الحرة» وإذاعة «سوا» عززت الشعور بعدم مصداقية أمريكا  واهتمامها ليس بحرية التعبير بل بخلق أصوات ناطقة باسمها.
 
وعلى ميدان التنافس، لم تصمد هذه الأبواق الأمريكية طويلا، استنادا إلى إحصائيات المشاهدة، فى السعودية بينت دراسة أن 82 فى المائة يشاهدون الجزيرة و 75 فى المائة يشاهدون العربية، فيما لا يتعدى من يشاهد الحرة 16 فى المائة، فى الإمارات لا تتجاوز النسبة 11 فى المائة مقابل 52 فى المائة للجزيرة.. «يتبع».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة