أبحرت الطرادة الإنجليزية «ديفونشير» بالأمير فاروق ومعيته إلى مدينة بورسعيد يوم 6 أكتوبر 1935، ومنها استقل الباخرة «ستراشهيرد»، إلى لندن ووصل إليها يوم 18 أكتوبر «مثل هذا اليوم»، وتم استقباله استقبالاً رسمياً، ثم انتقل إلى مقر إقامته فى قصر «كنرى هاوس»، حسبما تؤكد الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية فى مصر» عن «مكتبة مدبولى - القاهرة».
كان فاروق يبلغ 15 عامًا وثمانية أشهر «مواليد 11 فبراير 1920»، وكان الغرض من سفره هو تعليمه فى البلد الذى يحتل مصر، لأنه سيكون خليفة والده الملك فؤاد، وتكشف «سالم» أن تعليم فاروق فى بريطانيا كان معركة فى حد ذاته شغلت الحكومة البريطانية «التى حاولت منذ البداية أن تقصى أى اتجاه لفؤاد فيما يختص بإضفاء الأسلوب الإيطالى على تعليم فاروق، إذ تعلم كيف نما فؤاد «والده» وترعرع فى إيطاليا، وبالتالى فهى تمثل له النموذج التعليمى الذى يود أن يراه منعكسا على ابنه».
بدأت بريطانيا خطتها فى ذلك وفقا لسالم: «بضرورة أن يخضع الأمير الصغير للتعليم الإنجليزى، ويكون فى بريطانيا ذاتها»، وتتلقى الحكومة البريطانية تقارير من القاهرة عن الظروف التى يعيش فيها فاروق بعد أن بلغ تسع سنوات، ورعايته على يد مربيتين بريطانيتين، وتلقى دروسه على أيدى مدرسين إنجليز ومصريين، ويقوم بألعابه الرياضية التى يمرنه عليها مدرب فرنسى، ومضت الخطة فى طريقها حتى كانت هى القضية الرئيسية فى لقاء رئيس الوزراء عبدالفتاح يحيى باشا فى مقر السفارة البريطانية بالقاهرة مع «مايلز لامبسون» المندوب السامى البريطانى من عام 1934 إلى 1946 «حمل اسم اللورد كيلرن»، حين ذهب الباشا إليه لتهنئته يوم 19 فبراير 1934 باستلام مهام عمله الجديد فى مصر، وطبقا لكتاب «الدبابات حول القصر» بقلم: كمال عبدالرؤوف «كتاب اليوم - أخبار اليوم - القاهرة»، يذكر لامبسون فى مذكراته: «انتهزت الفرصة وأبلغت عبدالفتاح يحيى باشا أن ملك بريطانيا طلب سفر ولى العهد الأمير فاروق إلى بريطانيا ليكمل تعليمه هناك، وكان رئيس الوزراء المصرى متفهما ومتعاونا، ولكنه أبلغنى أن الصعوبة الوحيدة أمام هذا الاقتراح أن الملك فؤاد قضى أيام شبابه فى إيطاليا، وتعلم هناك اللغة الإيطالية وأنه يقاسى من عقدة أنه لم يتعلم اللغة التركية فى وقت مبكر، وأن الملك فؤاد مصمم ألا يقع ابنه فاروق فى نفس الخطأ». رد «لامبسون» بأن هذا الأمر يمكن تسويته، وأن الأمير فاروق إذا سافر ليدرس فى كلية «ايتون» فإنه يمكن إحضار مدرس يعطيه حصصًا إضافية هناك فى اللغة التركية».
كان السفير البريطانى يذلل كل العراقيل، ومنها كما يذكر «عبدالرؤوف»، أن دخوله أكاديمية «وولوتش» الحربية، غير ممكن قبل بلوغه سن الثامنة عشرة، فرأى لامبسون أنه من المرغوب فيه أن يتلقى فاروق بعض المعلومات عن العادات والطرق البريطانية، وعليه أن يذهب قريبا ويختلط بالبريطانيين، وطبقا لسالم، فإن الملك فؤاد اقتنع، وتلقى الملك ذلك بارتياح، ومضى البحث عن الرفقاء فى هذه الرحلة، وحبذ لامبسون أن يكون أحمد حسنين رائدا لفاروق ورئيسا للبعثة ومهمته العناية بشؤونه، واختير عزيز المصرى نائبا للرائد وكبيرا للمعلمين، بمعنى أن يراقب الدروس التى يتلقاها الأمير، وعمر فتحى الحارس الأمين، والدكتور عباس الكفراوى الطبيب الخاص، وصالح هاشم أستاذ اللغة العربية وعلوم الدين، كما ألحق بالبعثة سكرتيرا خاصا».
انتهزت لندن الفرصة لكى تشعر الأمير بالاهتمام، ووفقا لسالم، فإن الملك البريطانى دعاه لمأدبة خاصة فى قصره، تحضرها الملكة، ويشيد بهذا اللقاء فى برقية يرسلها إلى الملك فؤاد يثنى فيها على ولى العهد، والتقى فاروق بإدوارد أمير ويلز وصارا صديقين، وكان يذهبان معا لمشاهدة مباريات كرة القدم فى نهاية كل أسبوع، وتؤكد سالم: «بذلك نلمس أن الخطة التى وضعتها السياسة البريطانية نفذت، وتمكنت من أن تحتضن ولى العهد وتؤثر عليه وتجعله يذوب فى المجتمع الإنجليزى ليصبح لديه الانتماء لهذا الوطن، وبالتالى يصبح سهل الانقياد، سلسا فى اتباع المشورة البريطانية»، وينقلنا «أحمد بهاء الدين» فى كتابه «فاروق ملكا» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة» إلى تأثير عزيز المصرى وأحمد حسنين باشا عليه فى لندن، ففيما كان عزيز الثائر القديم المتعصب لوطنه الذى يكره الإنجليز يريد أن ينشئ فاروق تنشئة عسكرية خشنة، ويحدثه عن جده إبراهيم باشا بالذات، وعراقة الشعب المصرى وكفاحه وأبطاله، كان أحمد حسنين وهو رجل طموح يعلمه «مغامرات الليل».

فاروق