جمال أسعد

الأقباط والاختلال العقلى

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017 10:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شك أننا نعيش فى ظل مناخ طائفى له أسبابه السياسية والتاريخية والإجتماعية والثقافية، كما أن هذا المناخ قد أفرز سلوكاً طائفياً تحول إلى حالة فرز طائفى جعلت هناك معادلة اجتماعية لدى الكثيرين تتم على أرضية مسلم مسيحى بدلا من مصرى، مصرى. هذا المناخ وذلك الفرز جعل كل حادثة طائفية أو حتى لها شكل طائفى أو أى مشكلة بين مواطن مصرى مسيحى وآخر مصرى مسلم يتم النظر إليها أو رد الفعل اتجاهها إلى نظرة طائفية ورد فعل طائفى. 
 
وهنا لا أحد يؤكد أن ذلك نتيجة للموروث الطائفى التاريخى فقط، ولكن ومنذ فترة السبعينيات من القرن الماضى نتيجة لوجود ما يسمى الإسلام السياسى أو التأسلم السياسى الذى جعل من الدين والتدين مطية وحجة للمتاجرة باسم الدين لمصالح ذاتية وحسب رؤية تنظيمية ولتكريس مناخ طائفى يهدف إلى قسمة وتفتيت التوحد المصرى الذى هو باقى بقاء التاريخ، فذلك المناخ وتلك السلوكيات يتم استغلالها من جانب المتطرفين من الجانبين من يريد تأكيد ذمية المسيحى وعدم أحقيته فى أى حقوق أو مواطنة، والطرف الآخر يستغل ذلك ليؤكد أن هناك اضطهاداً ممنهجاً يتم ضد المسيحيين، الشىء الذى يتطلب التدخل الخارجى فى ظل تلك المخططات التى نرى نتائجها على أرض الواقع، الحوادث بين المصريين مسلمين ومسيحيين هى أمور طبيعية، بل حتمية فى إطار مجتمع يحمل هذه التركيبة المصرية المتداخلة طوال التاريخ، ولكن هذه الأحداث هى التى تحدث فى إطارها الطبيعى بين مواطن ومواطن لأسباب تجارية أو اجتماعية أو للثأر أو نتيجة لانفلات أمنى، فهذه هى الحوادث فى إطارها الطبيعى، ولكن الإشكالية هنا هى الحوادث أو القتل على أرضية الدين فهذا يتجاوز الحدود الطبيعية، ولكن أن يتخلص غنى من فقير، لأنه فقير أو أبيض من أسود، لأنه أسود أو مسلم من مسيحى، لأنه من مسيحى هنا تصبح الأمور طائفية، بل عنصرية تهدد سلامة الوطن، خاصة فى ظل التلكك الذى نراه منذ 30 يونيو فى مصر ومحاولة تقسيم المنطقة على أسس طائفية. 
 
ومشكلة هذه الحوادث الطائفية التى تتم على أرضية دينية نجد منذ البداية وقبل اتخاذ أى إجراء قانونى من يقول على المستوى الرسمى وغير الرسمى أن الفاعل مختل عقليا، حدث هذا ويحدث كثيراً مثل حادثة الإسكندرية التى تنقل فيها القاتل بين أكثر من كنيسة لكى يقتل ما يستطيع وقيل إنه مختل، عسكرى شرطة فتح النار على عائلة مسيحية فى قطار فى سمالوط وقيل إنه مختل، وكثير من هذه النماذج وأخيرا وجدنا الحادثة غير الإنسانية التى قتل فيها كاهن فى المرج على يد شاب قيل أيضا إنه مختل عقلياً وأنه حاول قتل والده وحرق منزله، فما هذا الأسلوب الذى يؤكد الطائفية، بل يدعو إلى المزيد من مثل هذه الحوادث؟ وكأننا نقول لكل من يريد أن يقتل مسيحياً عليه بالادعاء بأنه مختل عقلياً حتى لا يحاكم أو يسجن، ولكن يعالج وهذا حقه على الدولة وعلى المجتمع بل يجب أن يحاكم كل من ترك هذا المختل يعيث فى الأرض فساداً. 
 
نعم الوضع هنا لا فرق بين كاهن ومسيحى آخر، ولكن بخلفية الحادث الطائفى ولمقصدية قتل كاهن باعتباره كاهنًا، حيث قيل إن القاتل رسم علامة الصليب بالدم على وجهه، هنا يصبح الكاهن المقتول على أرضية مسيحية رمزاً لكل مسيحى لديه إحساس طائفى أو يشعر بغبن مجتمعى أو تمييز من أى نوع، هنا تتحول الحادثة إلى مرثية طائفية يلعب الجميع على أوتارها وهناك ما يبرر ذلك الشعور ويؤيد ذلك السلوك، بل هناك من يطرح رد فعل طائفى وهنا بداية الخطر الحقيقى، وكأننا كمن يلقى البنزين على النار حتى تظل مشتعلة طوال الوقت وتصل إلى ما تستطيع الوصول إليه بشراً ووطناً. 
 
الجميع يقول إن هذا نتاج فكر دينى يرفض الآخر ويكفره، بل يحل دمه مستهيناً بالدستور ومسقطاً للقانون ومسيئاً إلى هيبة الدولة، فهذا الشاب وأمثاله علموهم ألا يحترموا دستورا أو قانون أو دولة فهم لا يؤمنون بالوطن فهو حفنة تراب عفن. 
 
نكرر حتى الملل دور الإعلام والتعليم وتصحيح الفكر الدينى والخطاب الثقافى فى مواجهة هذه الأفكار، وذلك يتم حين الحادثة وكالعادة تعود ريما لكل عاداتها القديمة، فأين الإرادة السياسية التى تحققت فى 30 يونيو وما بعدها؟ وأين الدور الثقافى الذى تقوم به قصور الثقافة المنتشرة فى طول البلاد وعرضها؟ ومتى نؤسس حقاً للدولة الوطنية المدنية الحديثة التى تطبق القانون على الجميع وتعطى الحقوق للجميع وتحفظ كرامة الجميع؟ لماذا لا يحاكم كل من يزدرى دين الآخر ويكفره ويحقر من دينه بما يمثل تهديداً للأمن الوطنى؟ كيف نقبل أحزاب دينية تتناقض مع الدستور تحت شعار التوازنات السياسية وإلى متى هذه التوازنات؟ 
نعم المشكلة متراكمة والحل سيكون تراكمياً ولكن متى نكسر شوكة البداية ونحقق الديمقراطية الحقيقية التى تؤكد المواطنة لكل المصريين.الوطن يواجه تحديات خطيرة تحتاج لتضافر الجهود، فالمشكلة موروث طائفى تأثر به الفكر الدينى والخطاب الثقافى، مما جعل أجيالا وأجيالا قد تأثروا بهذا المناخ وعلى كل المستويات، فالحل العاجل إرادة سياسية تطبق القانون بلا هوادة وبلا تمييز وتعطى الحقوق وتقيم العدل وتحفظ كرامة المصرى حتى تظل مصر لكل المصريين.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة