عاد الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة من الجبهة يوم الخميس 11 أكتوبر 1973، وحسب مذكراته «حرب أكتوبر» الصادرة عن «دار رؤية - القاهرة»: «فاتحنى الوزير أحمد إسماعيل وزير الدفاع فى موضوع هجومنا نحو المضائق، ولكنى عارضت الفكرة»، ويذكر الشاذلى أنه قال للوزير فى أسباب اعتراضه: «مازالت القوات الجوية الإسرائيلية قوية، وتشكل تهديداً خطيراً لأية قوات برية تتحرك فى العراء دون غطاء جوى، ويجب أن نأخذ درسا من التجربة القاسية التى مر بها اللواء الأول مشاة أمس».
كان الشاذلى يضرب المثل بفقدان حوالى 90% من رجال وأسلحة ومعدات لواء المشاة الأول حسب البلاغ الذى تلقوه، والسبب كما يذكر فى مذكراته، أنه حين تحرك قائده قبل غروب الشمس يوم 10 أكتوبر لاحتلال منطقة سدر مخالفًا التعليمات بالتحرك ليلا، كانت القوات الجوية الإسرائيلية تراقبه وتركته يتقدم جنوبا إلى أن خرج تماما من تحت مظلة دفاعنا الجوى، وأصبح يعبر أرضًا ضيقة لا تسمح له بالانتشار إذا ما تعرض للهجوم من الجو، وانطلقت القوات الجوية الإسرائيلية فى هجومها الشرس على اللواء، يؤكد الشاذلى أنه فى الأيام التالية أمكن جمع الكثيرين من أفراد هذا اللواء وإنقاذ الكثير من معداته، مما جعل خسائره أقل بكثير من رقم 90% الذى جاء فى أول بلاغ.
يؤكد الشاذلى أنه بدا له أن الوزير اقتنع باعتراضه على «تطوير الهجوم» فأغلق الموضوع، لكنه عاد وفاتحه فيه مرة أخرى فى صباح اليوم التالى 12 أكتوبر «مثل هذا اليوم» من عام 1973، بحجة تخفيف الضغط على الجبهة السورية، فجدد رفضه قائلاً حسب مذكراته: «ليس لدينا دفاع جوى متحرك إلا أعداد قليلة جدا من سام 6 لا تكفى لحماية قواتنا، وقواتنا الجوية ضعيفة ولا تستطيع تحدى القوات الجوية الإسرائيلية فى معارك جوية، وبالتالى فإن قواتنا البرية ستقع فريسة للقوات الجوية الإسرائيلية بمجرد خروجها من تحت مظلة الدفاع الجوى، أى بعد حوالى 15 كيلو مترا شرق القناة»، وأضاف الشاذلى بحسم: «إذا نحن قمنا بهذه العملية فإننا سوف ندمر قواتنا دون أن نقدم أية مساعدة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية».
يؤكد الشاذلى: «حوالى الظهر تطرق الوزير لهذا الموضوع للمرة الثالثة خلال 24 ساعة، وقال هذه المرة: القرار السياسى يحتم علينا ضرورة تطوير الهجوم نحو المضائق، ويجب أن يبدأ ذلك صباح غد 13 أكتوبر»، ويؤكد الشاذلى أنه فى حوالى الساعة الواحدة والنصف كانت التعليمات الخاصة بتطوير الهجوم قد تم إعدادها، وتحرك اللواء غنيم إلى الجيش الثانى واللواء طه المجدوب إلى الجيش الثالث حاملين معهما تلك الأوامر إلى قائدى الجيشين».
يؤكد محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» أن «السادات» كان صاحب قرار تطوير الهجوم، ويكشف الشاذلى طبيعة رد الفعل على إبلاغ قائدى الجيشين الثانى والثالث بـ«تطوير الهجوم»: «حوالى الساعة الثالثة والنصف كان اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى يطلبنى على الهاتف، وقال بغضب: «سيادة الفريق أنا مستقيل، أنا لا أستطيع أن أقوم بتنفيذ التعليمات التى أرسلتموها مع اللواء غنيم»، ولم يمض بضع دقائق حتى كان اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث هو الآخر على الخط الهاتفى، وأبدى معارضة شديدة لتلك التعليمات التى وصلته مع اللواء المجدوب»، يضيف الشاذلى: «فى محادثتى مع اللواءين، مأمون وواصل، لم أخف عنهما أننى أنا أيضا عارضت هذه التعليمات ولكنى أجبرت عليها، وفاتحت الوزير مرة أخرى فى الموضوع وتقرر استدعاء مأمون وواصل لحضور مؤتمر فى القيادة الساعة السادسة مساء اليوم نفسه «12 أكتوبر».
يؤكد الشاذلى: «خلال هذا المؤتمر الذى امتد حتى الساعة الحادية عشرة مساء كرر كل منا وجهة نظره مرارًا وتكرارًا، ولكن كان هناك إصرار من الوزير على أن القرار سياسى ويجب أن نلتزم به، وكل ما أمكن عمله هو تأجيل الهجوم إلى فجر يوم 14 أكتوبر بدلاً من فجر يوم 13 كما كان محدداً، وكان هذا القرار هو أول غلطة كبيرة ترتكبها القيادة المصرية خلال الحرب، وقد جرتنا إلى سلسلة أخرى من الأخطاء التى كان لها أثر كبير على سير الحرب ونتائجها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة