أكرم القصاص - علا الشافعي

وائل السمرى

عن انتشار الرداءة

السبت، 07 يناير 2017 06:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«من لا ينتقد لا يعتقد»، كهذا قال القدماء وهكذا فعلوا، ولهذا استطاعوا بناء شىء حقيقى بقى على مر الزمان، فهم أبناء عصرهم، اجتهدوا فيما فعلوا فتحققوا فيما فعلوا، ولكل عصر أبناؤه، ولا تدل تلك الفوضى التى نعيش فيها وتلك العشوائية التى تكفننا سوى على أننا فقدنا الشغف بالبناء، وقبل أن نفقد الشغف بالبناء فقدنا القدرة على النقد التى تمكننا من اكتشاف موضع قدمنا واكتشاف أنفسنا، وتنقيح تجاربنا والاستفادة من تجارب الآخرين.
 
هل تسأل لماذا انتشر الغث بجوار الثمين؟ إليك الإجابة: لأن حاستنا النقدية فسدت، فانحدر الذوق وتردى الجمال وعم القبح، وإذن هل تسأل عن أول الطريق إلى عمل نهضة حقيقية؟ إليك الإجابة: بتربية العقلية النقدية المبنية على أسس المنطق الصحيح فى العقول والوجدانات.
 
أنت تمشى فى شوارع المدينة الكبيرة، لا تجرح عينك تلك العمائر الشاهقة التى تقف كشوكة فى عين السماء مشوهة ما وراءها وما بجانبها وما أمامها، فلماذا تستنكر أن تنتقل تلك العمائر الشاهقة إلى الريف أو الأحياء الصغيرة، فكل شىء قد خلا من كل ذوق كما يقول الشاعر الأهم «صلاح عبدالصبور» والعشوائية لا تقتصر على المناطق الفقيرة التى حرمت من المرافق الآدمية فحسب، بل تمتد إلى مياديننا وشوارعنا الرئيسية التى لم تبن على أسس راسخة من التخطيط العمرانى الواعى والمعرفة الحقيقية بمتطلبات العصر ومكونات الهوية المصرية وما يناسبها.
 
يؤسفنى هنا أن أقول إن بداية التشويه العمرانى الذى غمرنا كانت بالتزامن مع ثورة يوليو فنادرا ما نجد منشأة «جميلة» صنعت بعد هذا التاريخ، وللأسف مضت كل محاولات بناء الشخصية المعمارية المصرية هباء، وذاق المهندس حسن فتحى الأمرين حينما فكر فى صنع نهضة معمارية تتلاءم مع مكونات البيئة المصرية، وانتصر ثقافة المقاولات كل المحاولات فتركنا عيوننا نهبا لحفنة تجار لا يريدون من تكديس الأموال رزمة بعد رزمة على حساب «شخصية مصر» المعمارية. وفى العمارة كما فى الفنون كما فى الآداب كما فى السياسة، كل شىء اختلط فيه الغث والثمين، حتى صار الجمال مستهجنا، وصار النقاء مرضا يجب التخلص منه، وصار الصفاء سبة فى جبين «الصافيين»، وصار الاجتهاد تكلفا وصار الإتقان «حزلقة»، وصار الخيال جنونا، فصار الواقع أقبح، ولا سبيل أمام فض هذا التداخل بين القبح والجمال سوى تربية جيل من النقاد الحقيقيين ليكونوا حكما بين الرداءة والكمال، وتكون كلمتهم قولا فصلا فيما يشجر بيننا، فالخير فينا راسخ ومقيم، لكنه يعانى من تيه أمر وأقسى من تيه بنى إسرائيل.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة