قالت محافظة القاهرة كلمتها الأخيرة، لحسم الصراع الطويل الدائر بين مستأجرو المحلات والورشة التى سكنت "سيتى ستارز الخمسينات" فندق جراند كونتنننتال الأوبرا، وشركة "إيجوث" مالكة الفندق، بعدما أصدر حى عابدين قراراً بالهدم الكلى للفندق بتاريخ 20 فبراير 2016، بناء على قرار من مجلس الوزراء بتنفيذ الهدم، واشترط الحى فى القرار تنفيذ القانون المنظم للعلاقة بين المالك والمستأجر فى حالة الهدم، والذى يستدعى إخلاء المبنى من المستأجرين بالكامل، وذلك بعدما أكدت التقارير الهندسية التى أعدتها اللجان التى فحصت مبانى الفندق بأنه لابد من هدمه ولن يصلح للترميم.
ولم يكن قرار الهدم النهائى للفندق وليد اليوم، فقد بدأ الصراع بين المستأجرين والشركة المالكة منذ عام 1985، عندما أصدر حى عابدين قرارا بهدم الدور الأخير بالفندق فقط، حيث طعنت الشركة المالكة حينها على القرار وطلبت بإصدار قرار إزالة كاملة، إلا أن المستأجرين طعنوا على القرار أيضا، وطالبوا بوقف أى أعمال إزالة بما فيها الدور الأخير من الفندق، وبالفعل لم يتم تنفيذ القرار، وفى نوفمبر 2000 أصدرت محكمة جنوب القاهرة حكماً بتعديل القرار المطعون عليه، والاكتفاء بإزالة الغرف المتهالكة الموجودة بسطح الفندق دون إزالة أى دور، بالإضافة إلى تنكيس باقى المبنى الرئيسى للفندق.
وفى نوفمبر عام 2002، طعنت الشركة المالكة "ايجوث" بعد 12 عاما من تملكها للفندق على قرار محكمة جنوب القاهرة، وقررت المحكمة حينها انتداب خبراء من وزارة العدل لمتابعة وضع الفندق وعمل تقرير بذلك، وفى عام 2005 قررت المحكمة رفض الطعن المقدم من الشركة، وتنفيذ حكم محكمة جنوب القاهرة بإزالة الغرف الموجودة فوق السطح بالإضافة إلى عمل ترميمات لمبانى الفندق، وصدر حكم نهائى من المحكمة فى عام 2006 بإلزام الشركة بعمل أعمال ترميم للفندق وإزالة الغرف بالسطح.
وظلت المشكلات تحاصر الفندق التاريخى، حتى أصدر مجلس الوزارة فى شهر يناير 2016، قراراً نهائياً بهدم الفندق نظرا لسوء حالته الفنية والهندسية، وهو القرار الذى استند عليه الحى فى إصدار رخصة الهدم بعد أيام من قرار المجلس بإزالة المبنى بالكامل.
شكوى مستأجرى وبائعى فندق الكونتننتال لرئيس الوزراء
قائمة ببعض المبانى المدرجة ضمن المبانى التراثية بقرار رئيس الوزراء
قرار رئيس الوزراء بشأن ادراج المبنى ضمن المبانى التراثية
الخوف يسيطر على مستأجرى وعمال المحلات بفندق الكونتننتال
سيطرت حالة من الرعب على مستأجرى المحلات المتواجدين بفندق الكونتننتال، بل وانتشرت عدوى الخوف إلى العاملين بتلك المحلات، والذى قضوا عشرات السنين من العمل بين أروقته، بعد أن ترددت أنباء عن البدء فى هدم العقار بالكامل مع بداية شهر فبراير المقبل، فقد بات شبح البطالة يهدد الآلاف من العاملين وأسرهم، خاصة وأن هذه المحلات هى مصدر الرزق الوحيد لهم، واستنجدوا بالرئيس عبد الفتاح السيسى لإنقاذ أعمالهم، كما تقدموا بشكوى رسمية إلى رئاسة مجلس الوزراء فى مذكرة شرحوا فيها وضعهم ووضع المبنى منذ الصراعات الأولى مع الشركة المالكة.
وتجول "اليوم السابع" بالفندق والممرات التى تشق المبنى من مختلف جوانب شوارع وسط القاهرة، وتحدث إلى عدد مستأجرى المحلات والعاملين لديهم لرصد ردود أفعالهم تجاه القرار، وما هى الإجراءات التى سيتم اتخاذها فى حال البدء فى تطبيق القرار من قبل الحى أو الشركة.
"هجيب مراتى وعيالى وأقعد لهم هنا"، بتلك الكلمات بدأ مجدى خليفة زكى، أحد أصحاب محلات بيع الأقمشة داخل أحد الممرات الموجودة بالفندق ولديه 4 أبناء، وقال إنه يعمل داخل محلات الفندق منذ أكثر من 20 سنة، منذ أن كان طفلاً صغيرا، ولم يجد قطعة واحدة من مبنى الفندق تتساقط من التهالك أو تتصدع، وأن الهدف الرئيسى من هدم الفندق هو مصلحة شخصية لأصحاب الشركة المالكة دون مراعاة وضع أصحاب المحلات أو العاملين عندهم.
وأضاف مجدى: "مش هنخرج من هنا حتى لو هيموتونا"، مشيراً إلى أنه يرفض تماماً الحصول على تعويض مقابل الإنتقال إلى مكان أخر أو ترك المحل مهما كلفه الأمر، وأن هناك اجتماع من جميع المتواجدين بالفندق على هذا الرأى.
مُسن بفندق الكونتننتال: أعمل هنا منذ أن كان عمرى 8 سنوات و"مش هتحرك لو بالطبل البلدى"
ويقول عبد القادر حسين عبد الكريم، الشهير بعم فراج والذى يبلغ من العمر 62 عام، إنه يعمل داخل الممر منذ أن كان طفلاً صغيراً عمره لا يتعدى الـ 8 سنوات، ومر بحميع مراحل عمره خلال عمله داخل الممر بأحد محلات الملابس المُطلة على ميدان الأوبرا، وتمكن من خلال هذا العمل أن يساعديه ابنيه على اتمام تعليمهما وتزويجهما، فأحدهم حاصل على ليسانس أداب قسم اجتماع ولديه 3 من الأبناء، والثانى يدرس التجارة ولديه ابنة.
وأوضح "عم فراج"، أن مصر تدعو إلى الاستثمار داخل البلاد من أجل تشغيل المصريين والقضاء على البطالة وتقليل معدلاتها، وتسائل: "كيف تسمح الدولة بهدف الفندق وتشريد أكثر من 45 ألف شخص بين أصحاب محلات وعاملين لديهم والأسر التى يعولوها؟"، مشيراً إلى أن السماح بالهدم سيهدم الكثير من البيوت التى تعتمد اعتمادا كلياً على العمل بالمحلات الموجودة بالفندق.
عم فراج أحد أقدم العاملين بمحلات الفندق
أقدم مستأجر بفندق الكونتننتال لـ"اليوم السابع": الفندق مسجل بسجلات التراث المعمارى ولا يجوز هدمه
وأكد الحاج صلاح شعشاعى، أحد أقدم مستأجرى المحلات بفندق الكونتننتال والذى ورث محله عن والده، أنه منذ سنوات يقاتل داخل المحاكم من أجل منع تنفيذ قرار الهدم الظالم للفندق، مشيراً إلى أن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2964 لسنة 2009، ينص على إدارج فندق كونتننتال فى سجلات التراث المعمارى وحصل على رقم توثيق 03190000304، وهو الأمر الذى يبطل أى قرار أو حكم بهدمه، بالإضافة إلى أن القانون ينص على اخطار المستأجر رسمياً بالإخلاء من قبل الحى وذلك لم يحدث.
وأضاف شعشاعى فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن شركة ايجوث قامت بالبدء فى أعمال إزالة لبعض أجزاء الفندق العلوية السبت الماضى وقد كان أجازة رسمية بمناسبة عيد الميلاد المجيد والغالبية العظمى من المحلات كانت مغلقة، دون أن تخطر الحى أو المستأجرين، ودون أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث أى انهيارات بالمبانى التى يتم هدم أجزاء منها، وهو ما يعد مخالفة صارخة للقانون، موضحاً أن عددا كبيرا من العمال جاءوا بعد علمهم بما يحدث وتظاهروا داخل ممرات الجراج حتى حضر رئيس حى عابدين وأمر على الفور بوقف أعمال الهدم.
وأوضح أنه فى اليوم التالى "الأحد"، فوجئ أصحاب المحلات بوجود العمال التابعين للشركة عادوا مجددا لأعمال الهدم الجزئى للمبنى، حيث توجه عدد من أصحاب المحلات إلى قسم الشرطة، وحرروا محضر بالواقعة "محضر رقم 50 إدارى لعام 2017" بقسم عابدين، حيث استدعت النيابة المسئولين عن أعمال الهدم والشهود على الواقعة، وفى انتظار تحويل الملف للمحكمة للبت فيه.
وقال الحاج صلاح الشعشاعى، إنه قام هو وعدد من أصحاب المحلات بالتوجه إلى جامعة الأزهر، وطلبوا لجنة هندسية لمعاينة مبانى الفندق وعمل تقرير رسمى بذلك للاستعانة به أمام المحكمة، وأكد التقرير أن حالة المبانى الأربعة الأساسية بالفندق الإنشائية والهندسية فى حالة جيدة، وأن العقارات التابعة للفندق فى حالة اتزان تام.
محافظة القاهرة: اللجان الهندسية أكدت تدنى حالة الفندق الإنشائية ولا يمكن ترميمه
ومن جانبه، قال اللواء محمد أيمن عبد التواب نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الشمالية والغربية، إنه تم تشكيل لجان متخصصة من لجنة الإنشاءات الآيلة للسقوط، وعاينت الفندق ومبانيه أكثر من مرة، وأكدت التقارير الهندسية التى تم اعدادها، أن الحالة الهندسية والإنشائية للعقار متدنية، ولا يجوز بأى حال من الأحوال ترمميه.
وأضاف نائب محافظ القاهرة فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن القرار تم بالفعل إدراجه وتوثيقه ضمن التراث المعمارى، ومن ثم سيتم الحفاظ على واجهته وستتم أعمال الهدم من الداخل فقط، وسيتم الاحتفاظ بالعناصر المعمارية التى سيتدخل فى التصميم الجديد للفندق فور اعادة انشاءه من قبل الشركة المالكة، مشيراً إلى أنه فور أن تصدر رخصة البناء للفندق ويُعاد بنائه مرة أخرى، سيتم اعادة توثيقه برقم جديد ضمن التراث المعمارى.
وأوضح نائب المحافظ، أن المحافظة ليس لها علاقة بتعويض أصحاب المحلات، مؤكدا أن شركة ايجوث المالكة للفندق عرضت على أصحاب المحلات، أنه سيتم منح كل محل 10 أمثال المبلغ الايجاري الذى يدفعه شهريا للشركة، وسيخرج لمدة عامين خارج الفندق لحين إنشائه ثم يعود مرة أخرى.
أحد مبانى الفندق
أحد ممرات الفندق
الحالة الإنشائية لجراج الفندق فى حالة هندسية جيدة
الفندق من الخارج
الفندق من ناحية ميدان الأوبرا
المحلات الواقعة بواجهة الفندق بوسط القاهرة
الواجهة الخارجية لفندق كونتننتال
فندق الكونتننتال بوسط القاهرة
مبنى الفندق المواجه لتمثال إبراهيم باشا
ممر داخل الفندق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة