أعلن الرئيس الأمريكى، ريتشارد نيكسون، فى مؤتمر صحفى عن وجود خلاف بين واشنطن وباريس حول صفقة طائرات الميراج الفرنسية إلى ليبيا، وقال: «أخشى من استخدام هذه الطائرات فى الحرب الدائرة فى الشرق الأوسط».
أفصح «نيكسون» عن هذا الخلاف فى يوم 21 يناير «مثل هذا اليوم»عام 1970، حسبما يؤكد محمود عوض فى كتابه «اليوم السابع - الحرب المستحيلة - حرب الاستنزاف» عن «دار المعارف - القاهرة»، وكشف هذا الكلام عن جانب من قصة ليبيا، بقيادة العقيد معمر القذافى فى مساعدة مصر لتجهيز قواتها المسلحة، استعدادًا لخوض الحرب ضد إسرائيل، وحسب الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر، فى مذكراته «حرب أكتوبر» عن «دار رؤية - القاهرة»: «كان القذافى يضع قواته المسلحة كلها فى خدمة المعركة»، غير أن قصة «الميراج» كانت نموذجًا لما أسماه «القذافى» بـ«قومية المعركة»، وذلك فى لقائه بـ«الشاذلى» فى ليبيا يوم 12 فبراير 1972، والقصة تبدأ قبل هذا اللقاء بعامين.
فى يناير 1970 ووفقًا لما يذكره «محمود عوض»، أعلنت فرنسا عن إبرام صفقة مع النظام الجديد فى ليبيا «نظام القذافى» تتضمن توريد مائة طائرة «ميراج» إلى ليبيا على امتداد أربع سنوات، ولأن نظام الحكم الجديد فى ليبيا أعلن من البداية ارتباطه بجمال عبدالناصر فى مصر، وفى ظل التأكد الأمريكى من إصرار عبدالناصر على الحل العسكرى، فلابد أن تجد تلك الطائرات الفرنسية المتطورة الجديدة إلى ليبيا، طريقها فى النهاية إلى الجبهة المصرية»، ويذكر «أحمد قذاف الدم»، منسق العلاقات المصرية الليبية فى عهد القذافى، أن ليبيا هى أول دولة عربية تفتح سوق السلاح الفرنسى أمام العرب، من خلال شراء أسلحة من فرنسا بطريق مستتر، أيام الرئيس الفرنسى جورج بومبيدو «1969 - 1974».
ويضيف «قذاف الدم» فى حوار مع صحيفة الشرق الأوسط «لندن» فى عددها الصادر يوم 22 سبتمبر 2014، أن ليبيا اشترت 100 طائرة ميراج وأسلحة أخرى، ومنظومة دفاع جوى متحرك، وكانت كل طلبات مصر من الأسلحة الغربية يجرى تلبيتها انطلاقًا من ليبيا، وكانت ليبيا تتولاها من الغرب، ومن روسيا أيضًا مثل الزوارق المطاطية، وجسور العبور والخراطيم، التى نسفت خط بارليف، إضافة إلى استيراد جرافات أمريكية جرى استخدامها فى إقامة سواتر ترابية للدبابات المصرية، ويذكر «قذاف الدم»: «حين عقدنا صفقة الطائرات الميراج لصالح مصر، كان لابد أن يتدرب الطيارون المصريون عليها فى فرنسا، فأخذنا طيارين مصريين واستخرجنا لهم جوازات سفر ليبية وأرسلناهم إلى فرنسا وتدربوا هناك».
اللواء طيار محمد عكاشة، الذى قاد سرب 69 أثناء حرب أكتوبر 1973 وكان برتبة «رائد» يؤكد حسبما تنقل عنه «المجموعة 73 مؤرخين»، «إلكترونية»، أن القوات الجوية أرسلت 10 طيارين ثم 6 ثم 4 من أطقم القاذفات المصرية الميج 17 والسوخوى 7 إلى فرنسا بأوراق سفر ليبية حتى يتم تدريبهم على الميراج الليبى على أنهم طيارون من ليبيا.
فى كتابه «مبارك وزمانه» عن «دار الشروق» ينقلنا محمد حسنين هيكل إلى جانب آخر من القصة يتعلق بموقع الرئيس مبارك فيها وكان وقتها قائدًا للقوات الجوية، يشير هيكل إلى لقاء جمعه فى فرنسا «يناير 1982» مع الكونت «دى ميرانش»، مدير المخابرات الفرنسية الخارجية وقت الرئيس «ديستان»، وقال له فيه إنه تابع مبارك منذ أن ظهرت صورته الأولى فى أجواء صفقة طائرات «الميراج»، التى عقدتها فرنسا مع ليبيا سنة 1971 «الصحيح عام 1970»، كنا نعرف أن ليبيا تعقدها لصالح مصر ولمساعدتها فى حرب 1973، ولذلك رحنا نراقب باهتمام، وفى الواقع فقد رصدنا وفد المفاوضات الذى بدأ التفاوض فى الصفقة مع شركة «طومسون»، وكانوا جميعًا ضباطًا من سلاح الطيران المصرى وأعطوهم «جوازات سفر» ليبية لإقناعهم أنهم ليبيون، لكننا عرفنا حقيقة أمرهم»، واستطرد «دى ميرانش»: «فى هذا الوقت لمحت مبارك لأول مرة، فقد حدث خلاف بين بعض الذين شاركوا فى مفاوضات عقد الصفقة، وكانوا قد تركوا سلاح الطيران المصرى، وكونوا شركة بينهم ثم اختلفوا واشتد خلافهم لأسباب، وظهر مبارك يصالحهم مع بعضهم بالحرص على علاقاتهم معا، وهم فى الأصل من ضباطه، وكان علينا أن نرصد كل شىء، لأن الصفقة كلها أحاطت بها ظروف غير عادية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة