ماهر المهدى

أهرب من قلبي أروح على فين ؟!

الجمعة، 20 يناير 2017 08:22 م


لا يوجد في مصر حب . ولا يوجد في مصر قصص للحب ، الا في أغاني المطربة العظيمة أم كلثوم ، أو هكذا يخيل اليك من جمال صوتها وعمق احساسها – رحمها ألله – وصدق كلمات أغانيها ، مثل أغنية ودارت الأيام للشاعر الملهم مأمون الشناوي . وما عدا ذلك ، فالحياة هنا - مثلما يقولون - تشبه من يبحث عن برنامج ما  ( سوفت وير ) من برامج الكمبيوتر ، وعندما يعثر على ذلك البرنامج ، فانه لا يهتم كثيرا بقراءة الشروط والاشتراطات والتحذيرات والتنبيهات التي تتصدر تنزيل البرنامج . وهو لا يحاول أن ينتبه الى المخاطر التي قد تنجم عن ( استعمال ) هذا البرنامج على ( جهازه ) المسكين استسهالا للأمور . واذا حاول أن يقرأ أو شرع في ذلك ، ظهر له من يثنيه عن ذلك المشوار وينصحه بالتراجع عن ذلك الجهد الجهيد لأن ( كل البرامج زي بعضها ) وكل الشروط زي بعضها وأن ما عليه الا أن يضغط ( كليك أوك) ويترك الأمور تسير الى مرساها . ومن الطبيعي أن يصادف الكثيرون وابلا من المشاكل نتيجة عدم قراءة ( شروط البرنامج وقهم محتوى هذا الغريب الذي أدخله في ( نظامه) ليكون جزءا منه ، فاذا به يخرب كل شىء ويدمره ويشعل فيه النيران .
 
لا يوجد حب في مصر ، ولكن يوجد زواج ، أو كوميديا مأساوية . والزواج مستندات وأوراق وايصالات وشيكات وقوائم أثاث وطن من الهدايا والطلبات التي قد تلامس الابتزاز ، ثم مشوار طويل أو قصير – بحسب الحال وبحسب الحظ – من المعارك والمطاردات والمحاكم .
 
لا يوجد في مصر حب ، الا في قلوب الشعراء . حتى لغة الشعراء باتت تنوؤ بحملها من الضجيج والصريخ والتدني والاستهانة المحيطة بها . وباتت تنوؤ بحملها من ضغط الحياة وطلباتها الكثيرة ، وراحت ترخي عزمها وقلاعها رويدا رويدا ، وتترك للتيار أن يحملها الى حيث يشاء . باتت لغة الشعراء مهيضة تتقاذفها الأمواج وتعبث بسيرها ويومها وغدها ، وتغرقها تارة حتى تكاد تلفظ أنفاسها ، ثم تنحدر عنها تارة وتتركها بين الموت والموت كغريق يتنازعه الموج والبرد . وبعض الحب في مصر مؤامرة ،  تخطها امرأة ومن ورائها أسرة متآمرة تطمح في أن ( تستولى ) على رجل وتخضعه لسلطانها ورغباتها وتأخذ ( خيره ) وتغرقه في الدين وتقتات على دمه مابقى فيهم ، أو تفتك به اذا أراد النجاة والخلاص بما تبقى له من قلب وروح ومال وعمل .
 
أهرب من قلبي أروح على فين .. ليالينا الحلوة في كل مكان .. مليناها حب احنا لتنين .. وملينا الدنيا أمل وحنان . ليست هذه كلمات شاعر فنان ، ولكنها فاصل بين النور وبين الجنان والطمع والكذب وحب المؤامرة . فالكذب يغشى الحياة ويسكن الشوارع والطرقات ويتسكع في القهاوي ومحطات القطار ويفترش مداخل مكاتب وثيرة ويصحبنا في الطائرات الى كل مكان . ويكفيك أداء عمرة سريعة لتذهب بما هدمه كذبك وأفسده . فاذا تسأل شاعرنا وتسأل أهلنا هذا السؤال فيما مضى ، فلأنهم عاشوا حبا ورأوا بقلوبهم وبضمائرهم من يحبونهم .
 
لسنا نحن من اكتشف الكمبيوتر . وهو رمز الحساب ودقة الحساب , ولكننا نحن أكثر ارتباطا بالصفر والأصفار من ارتباطنا برقم آخر . ولذا، فكل ما نجمع أو نطرح لا يزيد على صفر ، بينما قام الكمبيوتر على علاقة حب فريدة بين الصفر والواحد . ومؤدى هذه العلاقة الفريدة ، أننا نستطيع أن نجرى كل العمليات الحسابية بأعداد متفاوتة من الصفر والواحد . فاذا تعبت خطوتك وتثاقل جسدك - من الارهاق ومن طلبات الحياة - الى الأرض ، وأردت أن تؤسس بيتا تأوي اليه كل آخر نهار ليكون سكنا وأمنا ، فلتنتبه الى من تمد اليهم يدك بالاتفاق والموافقة ، وأنظر في قلوبهم لترى مكنونهم وصورتهم الحقيقية ، لتعرف هل هم ملائكة أو شياطين . واذا أردت أن تدرك السعادة مع شريكة ، فلا تظنن أن القصة قصة برنامج أو ( سوفت وير) تحمله بضغطة أوك والسلام . فعليك أن تقرأ جيدا كل ما يقدم اليك من مستندات وأوراق . وعليك أن تفكر كثيرا فيما يطرح عليك من شروط واملآت ، لأنك ستنفذها جميعا راغبا أو آبيا ممتعضا ، والا انتهى بك مشوار الحب الى حيث يقبع السجناء . وهذا ( طبيعي ) في كوميديا الزواج في مصر .
 
أهرب من قلبي أروح على فين ؟ هذا سؤال من يحب ، ويرتع حبه في قلبه . فاذا أحببت ورأيت بقلبك من تحب ، فربما كان الأمر أجدى وأفضل أن ترضى وتقنع بما أصبت من حلو الحياة وبشرها ، وأن تظل حبيبا محبا ومحبوبا على أن تصبح زوجا مقهورا مذهولا . حفظ ألله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها الى الخير.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة