بعد أكثر من 1000 عام على رحيله.. صوت أبو تمَّام يتردد بجوار معبد الكرنك

الجمعة، 13 يناير 2017 06:00 م
بعد أكثر من 1000 عام على رحيله.. صوت أبو تمَّام يتردد بجوار معبد الكرنك الشاعر أبو تمام
كتب ياسر أبو جامع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أقام بيت الشعر بالأقصر، مساء أمس، أمسية شعرية للاحتفاء بالشاعر العربى الكبير أبو تمَّام تحت عنوان "فى حضرة أبو تمًّام – قراءات وإضاءات"، شارك فيها الشعراء: أشرف البولاقى، النوبى عبد الراضى، وعبيد عباس، وقدمها الشاعر حسن عامر، منسق أنشطة بيت الشعر.

 

بدأ الشاعر حسن عامر الليلة بإلقاء الضوء على ملامح من حياة أبى تمَّام ومسيرته الشعرية، مؤكدًا ضرورة الوقوف على تراثنا ومنجزنا العربى موقف الباحث المتأمل، وضرورة أن يكون هناك احتفاءٌ بالأولين من الشعراء الذين مهدوا الطرق وعبَّدوها أمام القصيدة العربية، مشيرا إلى أننا كما نحتفى بتجارب اللاحقين فجديرٌ بنا أيضًا أن نعى تراثنا جيدًا ونتعاطى معه قراءةً وفهمًا.

 

من جانبه، قدَّم الشاعر النوبى عبد الراضى مداخلة ثريَّةً متحدثًا عن أبى تمام وعن حياته ونشأته وذكر أن أبا تمَّام هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائى، كنيته أبو تمام، أحد الشعراء المتميزين فى العصر العباسى، تميز فى فنون الشعر المختلفة من مدح وهجاء ووصف وغزل وغيرها، وإن كثر المدح والرثاء فى شعره فقيل عنه "أبو تمام مداحة نواحة"، قال عنه ابن خلكان "أخذ فى تحصيل الشعر فحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة غير القصائد"، كما يقول عنه الباحثون فى فنه: إن ديوانه ينبئ باطلاعه العميق على القرآن الكريم وكتب التاريخ والفقه والنحو.

 

ولد فى "جاسم" وهى إحدى القرى بسوريا بالقرب من دمشق عام 188هـ - 803م ، ويمتد نسبه إلى قبيلة طئ، كان والده خماراً فيها، ويقال بأن والده كان نصرانياً يسمى ثادوس أو ثيودوس وأن الابن استبدل هذا الاسم بعد اعتناقه الإسلام إلى أوس، التحق أبو تمام بأحد الكتاتيب بقريته لتلقى العلم إلا أن والده ما لبث أن أخرجه منه وذلك لتعلم مهنة الحياكة، ظهرت موهبته الشعرية مبكراً وقد بدأ حياته كشاعر من حمص.

 

انتقل أبو تمام من دمشق إلى مصر، وبالقاهرة عمل على الدراسة والجلوس إلى مجالس العلماء والشعراء، فتردد على جامع عمرو بن العاص يستمع للأساتذة ويتلقى منهم العلم، واطلع على العلوم المختلفة وغيرها من علوم الفلسفة والمنطق، مما أثرى ثقافته وانعكس على شعره، ثم قام أبو تمام بالتنقل بين المدن المصرية ثم ذهب إلى الإسكندرية فمكث بها خمس سنوات قبل أن يغادرها، كان أول من مدحه فى مصر عياش بن لهيعة، والذى وهبه منحة قيمة ثم ما لبث أن دب خلاف بينهما فقام بهجائه، عاد أبو تمام مرة أخرى إلى الشام، ثم انتقل إلى العراق هذه الفترة التى تعد من أكثر فترات حياته تألقاً ففيها نظم أفضل أشعاره والتى تنوعت بين الرثاء والمدح والوصف ووصف المعارك والطبيعة وغيرها من القصائد.

 

عاد أبو تمام بعد ذلك إلى سامرا، واتصل بابن أبى دؤاد وابن الزيات وقام بوصف ثورة العباس بن المأمون، ثم ظهر فى الشام، واستقر مرة أخرى فى العراق، تولى بريد الموصل وسكن هو وأهله بها حتى توفى عام 231هـ - 845م .

 

كما قام الشاعر النوبى عبد الراضى بانتقاء بعض المقاطع المتنوعة من شعر أبى تمَّام مبيِّنًا وشارحًا ما تتمتع به من جزالة وقوة فى اللفظ والمعنى ومن هذه المقاطع :

 

أَيَا وَيْلَ الشَّجى مِنَ الْخَلى   وبالى الربعِ من إحدى بليِّ

وما للدارِ إلا كلُّ سمحٍ      بأدمعِهِ وأضلعهِ سخيِّ

سنَتْ عَبَراتُه الأطلالَ حتى نَزَحْن غُرُوبَها نزْحَ الرَّكِي

 

ومنها أيضًا ما يعبر عن رقة المعانى وصفائها فى شعرية أبى تمام:

 

أغارُ عليكَ من قُبَلى    وإن أعطيتنى أملى

وأشفقُ أن أرى خديكَ   نصبَ مواقعِ المُقَلِ

 

ثم تلاه الشاعر عبيد عباس والذى اختار بائية أبى تمَّام الخالدة لتكون محور حديثه مترجمًا عن واقعة عمُّورية وملابساتها التى ألقت بظلالها على قصيدة أبى تمَّام :

 

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ          فى حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ

بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ         فى مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ

والعِلْمُ فى شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة      بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافى السَّبْعَة الشُّهُبِ

 

فيما عرَّجَ على بعض المعانى الدقيقة والصور الدلالية  التى انطوت عليها الأبيات على طول القصيدة وقد رصد الشاعر عبيد عباس فى ثنايا القصيدة ما يجعل لأبى تمام فتوحات فى الشعرية العربية لا تقلُّ بحال من الأحوال عن فتح عمُّورية بالنسبة للمعتصم كيف وهو الذى خلَّدَ الواقعة فى شعره والشعر ديوان العرب كما يعلم الجميع :

 

حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ      عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِبِ

ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفة   وظُلمة منَ دخان فى ضُحى شحبِ

فالشَّمْسُ طَالِعَة  مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَتْ  والشَّمسُ واجبة  منْ ذا ولمْ تجبِ

 

ثم جاءت مداخلة الشاعر أشرف البولاقى، والذى آثر أن يرصد التماس بين تجربة أبى تمام التراثية وتجربة واحدٍ من أعلام القصيدة العربية المعاصرة وهو الشاعر اليمنى عبد الله البردونى متناولاً قصيدة البردونى "أبو تمَّام وعروبة اليوم"  - والتى يعارض فيها قصيدة أبى تمام -  التى يستهلها البردونى بقوله :

 

مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب

بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب

وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء بلا فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا

أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا

 

وفى لفتتة أخيرة شاركَ الشاعر محمد المتيم بقصيدةٍ من قصائد أبى تمام والتى يرثى فيها محمد بن حميد الطائى مشيرًا إلى أن القصيدة حظيت بمعارضات عدة عبر الشعرية العربية لعلَّ أبرزها معارضة صفى الدين الحلى:

 

فتى ماتَ بين الضربِ والطعنِ ميتة  تقومُ مقامَ النصرِ إذْ فاتهَ النصرُ

وما ماتَ حتى ماتَ مضربُ سيفهِ    مِنَ الضَّرْبِ واعْتَلَّتْ عليهِ القَنا السُّمْرُ

وقد كانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلاً فردَّهُ      إليه الحِفاظُ المرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ

ونفسٌ تعافُ العارَ حتى كأنَّه   هو الكفرُ يومَ الروعِ أوْ دونَه الكفرُ










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة