سمير الصياد

تصنيع بلدنا والأكذوبات الأممية الكبرى

الأحد، 04 سبتمبر 2016 07:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد برعت الدول الكبرى الاستعمارية الساعية دوما لإضعاف الدول النامية، منذ أوائل التسعينيات فى اختلاق أكذوبات تروجها لدى الدول النامية وتستخدم أموالها التى تقدمها عن طريق منظمات الأمم المتحدة تحت حجة مساعدة هذه الدول النامية، لتروج لأفكار وشعارات وتوجهات وأولويات معينة، وترسب اعتناقها فى عقول نخب الدول النامية، فيتولون نيابة عن الدول الكبرى المانحة إنجاز ما يظنون أنه يخدم بلادهم، وهو فى حقيقة الأمر يؤدى فى النهاية لإضعاف دولهم وضياع قوتهم الذاتية ويزيد من اعتمادهم على الخارج.
 

ولنا فى ذلك أربع ملاحظات:

أولا: من هذه الأفكار التى خرجت من أوائل التسعينيات من كل منظمات الأمم المتحدة التى تمول وتقدم الدعم الفنى للدول النامية، فكرة أن الطريق لتنمية الدول النامية لابد أن يبدأ بتطوير صناعات الغزل والنسيج وصناعة الجلود وصناعة الحرف البيئية (هاندى كرافت)، ووجهت لهذه الفكرة كل موارد الدعم الفنى عن طريق المنظمات الدولية.
ويكفى أى مراقب أن ينظر حوله ليرى ما آلت إليه تلك الصناعات اليوم، ويقارنها بما كانت عليه قبل ظهور التوجهات المشبوهة من المنظمات الدولية، وقبل نجاح تلك المنظمات الكاسح فى جعل حكومات الدول النامية ونخبتها تعتنق وتتبنى تلكم التوجهات، ويقومون "دون وعى" بما كانت نتيجته اندثار صناعاتهم الثلاث تقريبًا وتحللها وبطالة العاملين فيها وتحول بلادهم إلى استيراد المواد الأولية والخامات التى كانوا من قبل ينتجونها أو استيراد المنتج النهائى من ملابس جاهزة أو منتجات جلدية. كما توقفت كثير من وحدات الإنتاج فى الصناعات الثلاث علمًا بأن معظم معونات الدول الكبرى لهذا الغرض لم تصرف على تطوير الصناعات وإنما صرفت على رواتب للخبراء الأجانب والمحليين الذين رفعوا لواء الفكر الجديد وقادوا تنفيذ مخططه، يتساوى فى ذلك ما حدث فى مصر وتونس والمغرب وغيرهم.
 
لقد كان الهدف الأسمى لهذا الفكر هو إفراغ الدول النامية من البعد المكون الإنتاجى فى مجتمعاتها فتكون النتيجة الدوران فى فلك الدول الكبرى كبلاد مستهلكة لمنتجات الدول الكبرى ومستوردة لكل ما تنتجه تلك الدول.
 
ثانيًا: هناك توجه آخر ظهر فى نفس الحقبة الزمنية أوائل التسعينيات وما زال مستمرًا وهو إقناع الدول النامية أن تنمية مجتمعاتهم تتم بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وهو حق يراد به باطل.
 
وتدفقت المعونات الأممية من كل منظمات الأمم المتحدة على الدول النامية لهذا الغرض، فأعادت مؤسسات الدول النامية تنظيم هياكلها لتعطى أولوية للأنشطة الصغيرة والمتوسطة وصرفت مليارات من صناديق أنشأت لهذا الغرض من دون عائد يذكر.
واستعملت الدول المانحة الداعمة لهذا التوجه مقاربة خبيثة مفادها أن 70% من مؤسسات الأعمال بتلك الدول الكبرى شركات صغيرة ومتوسطة.
 
و غيبت الدول الكبرى الاستعمارية التى روجت وتروج لهذا الفكر، أنها بدأت تنميتها بالثلاثين فى المائة الأخرى، وأن هذه الثلاثين فى المائة عبارة عن مشروعات عملاقة للصناعة، ولم تذكر لنا عنها شيئا أو تشركها فى معادلة التنمية. فقط روجت للمتناهى الصغر والصغيرة والمتوسطة وإذا كان هذا صحيحًا فلماذا فعلت الدول الكبرى غير ذلك أى غير ما يقنعوننا به؟
 
لقد أخفوا عنا دور المشروعات العملاقة فى توليد آلاف المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إما فيما يسمى الـup stream (الإمداد بمكونات منتج المشروعات الكبيرة) أو ما يسمى بال down stream (الاعتماد على منتجات المشروعات الكبيرة فى صنع منتجات جديدة عديدة).
 
وأخفوا عنا دور شركات عملاقة فى تنمية مجتمعاتهم هم أنفسهم. أخفوا عنا مثلا أن صناعة ألمانيا قامت على شركات مثل باسف، باير، كروب، مرسيدس، سيمينز ، بوش.
 
وبنفس القياس فى هولندا نجد: أكزو نوبل، شل. وفى الولايات المتحدة نجد: داو كيميكال، دوبونت، شروين ويليامز، أبل، لوكهيد، ايستمان كيميكال، اكسون موبل، بى بى جي، وغيرهم.
 
وفى مصر بلعنا مثل غيرنا الطعم، وأرجو ألا يفهم من كلامى هنا أننى أقلل بشكل مطلق من أهمية وجود صناعات صغيرة ومتوسطة، إطلاقًا، فهى ضرورية وجزء أساسى من المشهد الصناعى، ولكنى أقول أن غالبيتها فى الدول الكبرى تقوم على المشروعات الكبيرة العملاقة الكيميائية والبتروكيميائية والمعدنية، وهى أساس أى تقدم صناعى، وهى وحدها قادرة على مضاعفة أعداد الصغيرة والمتوسطة عدة مرات.
 
لقد مضى علينا فى مصر أكثر من 20 عامًا ونحن نتحدث عن الصغيرة والمتوسطة وكأنها عقيدة ونصرف عليها ونعطيها الأولوية ولكن لم ندرك بعد أن الصغيرة والمتوسطة وحدها، رغم فوائدها وأهميتها، وحدها لن تنمى مصر، ولو استمررنا نجرى وراءها لمائة عام مقبلة.
 
مصر تنمى بالمشروع الكبير الذى يولد وراءه وأمامه تجمعات من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويقوم بتأهيلها وزيادة قدرتها التنافسية وفى يده هو فقط أن يحولها لشركات ذات بعد دولى. 
 
ثالثًا: ولقد تزامن هذا الفكر الشيطانى الذى استهدف تحلل صناعات الدول النامية من داخلها، على أيدى قياداتها ومواطنيها، مع دعوة التخلص من القلاع الصناعية الكبرى التى كانت موجودة آنذاك بحجة فشلها لأنها ملك الدولة. وقد استخدموا فى القضاء عليها علومهم الحديثة، ففى الوقت الذى لا ينقطع فيه حديث المنظمات الدولية عن ال Supply Chain (سابلاى تشين)، سلسلة العمليات أو سلسلة الإمداد وأهمية زيادة القيمة فيها وتقويتها وإصلاح نقاط ضعفها، نجد الدول الكبرى ومنظماتها الدولية عمدت وعملت على تفكيك الـ(سابلاى تشين)، سلسلة العمليات الإمداد فى صناعات الدول النامية وكسر حلقاتها المتصلة لتفكيك السلسلة وإصابتها بالوهن والفوضي، وهذا ما حدث لصناعة الغزل والنسيج وصناعة الجلود تحت دعاوى باطلة بتنميتهما.
 
فعندما يقضى مثلا على صناعة الكيماويات الدوائية تصبح صناعتك للدواء تابعة، مستوردة وعندما يقضى مثلا على صناعة المطروقات لم تعد قادرًا على صنع مستلزمات السكك الحديدية والآلات والمعدات وأصبحت فى ذلك تابعًا مستوردًا وهكذا، وهذا -وبعيدًا عن أى أيديولوجيات- هو عين ما حدث فى مصر.
 
رابعًا: الحل العلمى أمامنا فى مثل هذه الحالات هو أن نعكس ما فعلوه، بالعلم الذى استخدموه، أى بإعادة تركيب الحلقات المتصلة المترابطة لسلسلة العمليات/الإمداد، لكل صناعة على حدة، ضمن خطة كبرى لتصنيع مصر أو، قل إن شئت، إعادة تصنيع مصر.
 
الفكر الإنتاجى عموما والإنتاج الصناعى خصوصا هو كلمة السر لحل أزمتنا الاقتصادية حلا مستدامًا.
وللحديث بقية..






مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

SO

هذه هي الحقيقه

سلم قلمك وانار الله بصيرتك. كلام حق وليتنا نستوعب الكلام الحقيقي. و لعلنا نسال انفسنا بماذا تشتهر المانيا وامريكا و اوروبا؟ هل بصناعة الكرافاتات او الشنط الحريمي او .... الصناعات الكبري والثقيله والهاي تك هي اساس تقدم الامم.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة