وائل السمرى

العار من ضفتين

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى بحث استقصائى أدبى رفيع، يبحر بنا الكاتب الكبير عزت القمحاوى بين ضفتى المتوسط استكشافا لمنابع الهجرة غير الشرعية التى تدمى قلوبنا بحوادثها كل فترة، فهل قرأ أحد المسؤولين هذا الكتاب؟ بالطبع لا.
 
القمحاوى الذى يمتلك قلمًا رفيعًا ورؤية ثاقبة وعينًا متفحصة، وقلبًا حيًا يقظًا، انشغل بالحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى تدفع الشباب الصغار إلى إلقاء أنفسهم فى البحر غير عابئين بالمخاطر كما لو كانت بلادهم فى حرب، ولم يكتف بدراسة الظاهرة عبر الجرائد أو شاشات التليفزيون، ليسود مئات الصفحات منتجًا كتابًا كما يفعل الآخرون، بل زار بنفسه بعض القرى والنجوع التى اشتهرت بتوريد رحلات الموت، وليس هذا فحسب وإنما سافر إلى إيطاليا لدراسة أحوال هؤلاء الشباب بعد الغربة، ليستمع منهم إلى حكايات تدمى القلب وتوقظ فى الوجدان آهات الحسرة، لكن هذا المجهود الكبير فى دراسة الظاهرة ليس أفضل وصل إليه القمحاوى، فما هى الكارثة التى يكشف عنها هذا الأديب الكبير؟
 
كشف القمحاوى فى كتابه عن مصير الأموال العائدة التى يتحصل عليها الأبناء بالعرق والدم، وللأسف بدلا من أن تسهم هذه الأموال فى رفعة الوطن وتنمية موارده اكتشف القمحاوى أنها تسهم فى تقزيم القرى وإنهاك مواردها، وذلك لأن أغلب المهاجرين حينما يأتون إلى مصر لا يسهمون فى عمل مشاريع اقتصادية ولا فى تشغيل زملائهم فى مشروعات خاصة، ولا يودعون أموالهم فى البنوك لتستثمرها الدولة، وكل ما يفعلونه هو المضاربة فى الزواج والمزايدة فى عدد جرامات الشبكة التى وصلت فى بعض الأحيان «نصف كيلو ذهب» أو ثلاثة أرباع كيلو ذهب، بالإضافة إلى الكارثة الكبرى وهى بناء البيوت والعمارات الشاهقة على الأراضى الزراعية.
 
نعم هذا ما يحدث، أموال تخصم من الاقتصاد الوطنى لتدفع إلى سماسرة الموت، وأموال تضخ فى البلد لتوضع فيما يضر ولا ينفع، وهنا يكتمل العار من الضفتين، ولم يكلف أحد خاطره بالتساؤل: لماذا نخسر فى كل الأحوال؟ لأن الإجابة قاسية مؤلمة وتتطلب جهدًا وعرقًا وتخطيطًا لتغيرها، فهؤلاء الشباب يفعلون ما يفعلوا لأن الأفق الاقتصادى مسود تماما أمامهم، والمشاريع المتاحة، ليشاركوا فيها غير مؤمونة العواقب، ونيران الفساد الإدارى التى احتلت مؤسساتنا تلفح وجوههم كلما فكروا فى إقامة مشروع أو الحصول على أرضٍ أو الحصول على ترخيص لمصنع أو ورشة أو مزرعة، فتظل أرواحهم «ميتة» وتظل أموالهم «ميتة» حتى تفوح رائحة الموت من كل مكان، فهل يجرؤ أحد على تغيير هذه المعادلة المميتة؟ أتمنى.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة