ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، كلمته أمام جلسة مجلس الأمن حول سوريا، اليوم، الأربعاء.
وقال الرئيس إن أى قراءة نزيهة لتجربة المجتمع الدولى فى مواجهة الأزمة السورية حتى الآن لابد أن تفضى لنتيجة أساسية، وهى أننا أصبحنا مستغرقين فى معالجة العرض لا المرض فنحن مستنزفون فى نقاش حول التوصل لترتيبات مؤقتة لوقف إطلاق النار لتخفيف معدلات القتل والدمار أو منهمكون فى محاولة تخفيف حدة الكارثة الإنسانية التى يعيشها السوريون، ولكننا لم نحقق حتى الآن أى تقدم فى مواجهة جوهر المشكلة وهو غياب الحل السياسى العادل والشامل الذى يلبى التطلعات المشروعة للشعب السورى الشقيق، ويحفظ فى الوقت ذاته وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، ويحافظ على مؤسساتها ويحول دون سقوطها فى هوة الفوضى التى لن يستفيد منها إلا التنظيمات الإرهابية.
وأضاف أن الطريق واضح فاستئناف اتفاق وقف العدائيات وإلزام كل الأطراف بقبوله ثم تطويره لوقف شامل لإطلاق النار فى سوريا من شأنه أن يوقف نزيف الدم ويسمح بنفاذ قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية للمدنيين فى المناطق المنكوبة والأشد احتياجا.
وإلى نص الكلمة..
"بسم الله الرحمن الرحيم"
معالى السيد جون كى..
رئيس وزراء نيوزيلندا ورئيس مجلس الأمن
أصحاب الفخامة والمعالى.. السيدات والسادة،
أود فى بداية حديثى، أن أتوجه بالشكر للسيد جون كى رئيس وزراء نيوزيلندا على مبادرته الكريمة بالدعوة لعقد هذا الاجتماع، كما أتقدم بخالص العزاء لبعثة الأمم المتحدة فى ضحايا قافلة الإغاثة التى تعرضت لقصف مؤسف قبل يومين، الأمر الذى لا يجب أن يمر دون محاسبة لمرتكبيه، أن حضورنا اليوم ليس بغرض استعراض حجم المأساة التى نتابعها يوميا فى سوريا وتدمى قلوبنا جميعا، وإنما الهدف هو أن نتحمل جميعا مسئوليتنا كأعضاء فى مجلس الأمن معنيين ومسئولين عن حفظ السلم والأمن الدوليين لإيجاد صيغ عملية وفورية لوقف نزيف الدماء فى سوريا وتجاوز خمسة أعوام من الإخفاق فى التوصل لتصور موحد لتسوية سياسية شاملة للأزمة فى سوريا تنقذ الشعب السورى الشقيق من محنته الممتدة.
لقد مرت خمسة أعوام ونزيف الدم لازال مستمرا فى سوريا.. مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين واللاجئين، ومازال الحل السياسى غائباً، ومازالت سوريا نهباً لأطماع إقليمية ودولية تستغل أزمتها لتحقيق مصالح ضيقة وفريسة لإرهاب يتغذى على هذه الأطماع ويتفاقم مهددا مقدرات الشعب السورى.
لهذا، اسمحوا لى أن أتحدث معكم بكل صراحة حول ما أعتقد أنه جذور المشكلة ومكامن الخلل فى المحاولات السابقة لاحتواء الأزمة. فبدون قراءة صريحة وناقدة لتجربتنا على مدار السنوات الخمس الماضية لن نستطيع أن نتجاوز أى اختلافات فى الرؤى وأن نمضى قدماً نحو تحقيق هدف إنقاذ سوريا والسوريين. وأود هنا أن أوجز ملاحظاتى فى ثلاث نقاط رئيسية:
أولاً: أن أى قراءة نزيهة لتجربة المجتمع الدولى فى مواجهة الأزمة السورية حتى الآن لابد أن تفضى لنتيجة أساسية وهى أننا أصبحنا مستغرقين فى معالجة العرض لا المرض فنحن مستنزفون فى نقاش حول التوصل لترتيبات مؤقتة لوقف إطلاق النار لتخفيف معدلات القتل والدمار أو منهمكون فى محاولة تخفيف حدة الكارثة الإنسانية التى يعيشها السوريون، ولكننا لم نحقق حتى الآن أى تقدم فى مواجهة جوهر المشكلة وهو غياب الحل السياسى العادل والشامل الذى يلبى التطلعات المشروعة للشعب السورى الشقيق. ويحفظ فى الوقت ذاته وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، ويحافظ على مؤسساتها ويحول دون سقوطها فى هوة الفوضى التى لن يستفيد منها إلا التنظيمات الإرهابية.
إننا نرحب باتفاق وقف العدائيات الذى تم التوصل إليه قبل أيام بجهد مشكور من جانب روسيا والولايات المتحدة وقد حقق بالفعل خفضاً فى أعمال العنف رغم بعض الخروقات ورغم تعنت عدد من الأطراف المحلية المدعومة من قوى إقليمية لا تزال ترفض تحمل مسئوليتها وتصر على المقامرة بمقدرات الشعب السورى. ورغم هذه الخروقات فإن الاتفاق كان ضرورياً لخفض مستوى العنف، ولكنه بطبيعة الحال يظل غير كاف ولابد من استكماله بانتقال فورى للمفاوضات السياسية سعياً للتوصل إلى حل جذرى ونهائى وشامل للأزمة السورية، وإننى أدعو المبعوث الدولى "ستيفان دى مستورا" لتوجيه الدعوة للجولة القادمة من المفاوضات فى أقرب وقت ممكن.
ثانيا: لا شك أن الخطوط العامة لأى حل سياسى فى سوريا لا يوجد عليها خلاف غير أن ترجمة هذه الخطوط العامة لإجراءات عملية على أرض الواقع تقتضى إعلاء مبدأ الوحدة والسلامة الإقليمية لهذا البلد الشقيق والمساواة بين كل مواطنى سوريا وممثلى جميع مكوناتها المجتمعية وأطيافها السياسية المختلفة مع استثناء التنظيمات الإرهابية، التى لا يمكن أن يكون لها مكان فى سوريا التى نأملها.
نعم، لا مكان للإرهاب فى سوريا ولا مجال لأى محاولة لتجميل صور التنظيمات الإرهابية لذلك فإننا نرفض تماما أية محاولات للالتفاف على قرارات مجلس الأمن التى صنفت تلك التنظيمات كمنظمات إرهابية.
ثالثاً: لا مفر إذن من أن نعترف بأن الوقت ليس فى صالحنا فكل يوم يمر وجرح سوريا مازال غائراً يعطى فرصة جديدة للإرهاب الذى يتفشى، وللطائفية التى تحاول أن تقوض أسس الدولة الوطنية فى كل المشرق العربى، ودعونى أقولها صراحة أن كل من يراهن على حسم عسكرى يفضى لغلبة فريق واحد فى سوريا.. خاسر كما أن كل من يراهن على أن تلعب التنظيمات الإرهابية دورا فى مستقبل سوريا.. واهم.
السيد الرئيس،
لقد ثبت من تجربتنا فى مسارى جنيف وفيينا ومن تجربة إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2254 أن إيجاد قواسم مشتركة بين المعنيين بالأزمة السورية ليس مستحيلا وأننا قادرون على إحراز تقدم حقيقى تجاه التسوية السياسية وفى توقيت قياسى إذا ما توافرت النية والإرادة.
ثم أن تجربة مصر فى استضافة مؤتمر جامع لمختلف أطياف المعارضة السورية فى يونيو 2015 اجتمع فيه السوريون من مختلف التيارات بدون تدخل أو إملاء تظهر أن بإمكان هؤلاء السوريين التوافق على وثائق متقدمة ترسم الطريق للخروج من نفق الأزمة المظلم فى سوريا.
إن وثائق مؤتمر القاهرة التى أنتجها سوريون بدون أى تدخل من أى طرف غير سورى توضح بجلاء أن بالإمكان إيجاد حل سورى للأزمة السورية وقد لاحظتم جميعا أنها شكلت الأساس الذى بنى عليه كل جهد لاحق قام به أى طرف سورى أو دولى لطرح رؤية عملية للتسوية.
إن الطريق واضح فاستئناف اتفاق وقف العدائيات وإلزام كل الأطراف بقبوله ثم تطويره لوقف شامل لإطلاق النار فى سوريا من شأنه أن يوقف نزيف الدم ويسمح بنفاذ قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية للمدنيين فى المناطق المنكوبة والأشد احتياجا، ولعلكم جميعاً تعلمون أن لمصر خبرة ناجحة فى تمرير المساعدات مرتين إلى مناطق منكوبة فى سوريا استفادة من خطوطنا المفتوحة مع كل أطراف الأزمة السورية، ونحن إذ نعول تماما على التزام جميع الأطراف باتفاق وقف العدائيات كخطوة ضرورية نحو تخفيف المأساة الإنسانية وإيصال المساعدات للمنكوبين، فإننا نؤكد استعدادنا لتقديم كل عون فى هذا المجال.
لكن إحياء المفاوضات السياسية الجادة فى سوريا يبقى شرطاً ضرورياً لكى يصمد أى اتفاق لوقف إطلاق النار وليستمر وصول المواد الإغاثية للمنكوبين، فلا يعرف التاريخ نموذجاً لترتيبات ميدانية لوقف إطلاق النار صمدت بدون أفق سياسى لمعالجة جذور الأزمات ولن تكون سوريا استثناء من ذلك.
السيد الرئيس،
إن رؤية مصر للحل فى سوريا كانت ولا تزال تقوم على ركيزتين أساسيتين: أولاهما هى الحفاظ على كيان ووحدة الدولة السورية والحيلولة دون انهيار مؤسساتها، أما الثانية فهى دعم التطلعات المشروعة للشعب السورى فى إعادة بناء دولته عبر التوصل لصيغة حل سياسى تكون مرضية لجميع السوريين ومعبرة عنهم وتوفر البيئة المناسبة لجهود إعادة الإعمار.
ومن هنا، فإننا نثمن جهود المبعوث الأممى "ستيفان دى مستورا" وندعم عمله الرامى لاستئناف المفاوضات السياسية فورا ودون تأخر. ونؤكد فى هذا السياق، على أهمية أن تشمل هذه المفاوضات ممثلين عن الحكومة السورية وعن جميع مجموعات المعارضة بدون أى تمييز فيما بينها لتؤتى تلك المفاوضات ثمارها المرجوة وفقا لما جاء بقرار مجلس الأمن رقم 2254.
السيد الرئيس،
لا مجال لإضاعة الوقت فكل يوم يمر يعنى أن مزيدا من الدماء ستراق وأن معاناة جديدة ستضاف إلى حياة الأبرياء السوريين.
إن مصر حريصة على التواصل مع كل أطراف الأزمة السورية وملتزمة بالعمل مع كل أشقائنا فى المنطقة وشركائنا فى المجتمع الدولى لتقديم كل دعم ممكن للحل السياسى المنشود فى سوريا.
مسئوليتنا جميعاً أن نستعيد الأمل لأبناء سوريا وقد أن الأوان لأن نتحمل هذه المسئولية وأن نواجه جذور المشكلة مباشرة وبدون أى إبطاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة