محمد الدسوقى رشدى

«البوركينى» الساكن فى عقولنا

الجمعة، 02 سبتمبر 2016 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أجمل ما فى المجتمع المصرى أنه يكذب بلطف، ويخدع بوداعة، ويرسم بمهارة لواقعه صورا معكوسة، ولكنه للأسف حينما يحفر ليلقى فى باطن الأرض ما يريد إخفاءه لا يحفر بحرص ولا يردم على ما يلقيه بدقة، ولذلك تظهر أسراره بسرعة وتتكشف عيوبه وأخطاؤه بالصدفة وتنفجر فضائحه مع الأحداث الكبرى، فيصبح كالكتاب المفتوح يقرؤه من يريد لهذا الوطن الإصلاح، بينما يتعمد كل من يسترزق من الوضع الحالى أن يحول وجهه عن الحقيقة مفضلا الغرق فى بحر التصريحات الوهمية والمعلومات المغلوطة.
 
راجع معى حرب البكاء المضادة بين الأطراف المختلفة بسبب المرأة وستكتشف أصل الكذبة، على يمينك يبكى الشيوخ على وضع المرأة المصرية التى أغواها الغرب والعلمانيون، وعلى اليسار يبكى أهل التيار المدنى والنخبة المثقفة على حال المرأة المصرية التى يريد الشيوخ تغليفها وتعبئتها وتخزينها فى المنازل، لأنها فتنة وصوتها عورة، وعلى بعد خطوات تجد منصات رسمية منصوبة لوزراء ومسؤولين يحدثونك عن دور المرأة فى المجتمع، وبجوارهم يتعارك آخرون حول ما حدث فى فرنسا مع السيدة التى ترتدى «البوركينى» أو المايوه الشرعى على البحر وتدخل الشرطة الفرنسية لمنعها ثم الانتصار لها من قبل الجهات القضائية الفرنسية، بينما هنا على شواطئ الساحل الشمالى يتحول المتباكون على حرية المرأة فى فرنسا إلى ساخرين من سيدات مصر اللاتى يرتدين المايوه الشرعى، ليشكل المشهد بأكمله واحدة من أكثر اللوحات الفنية عبثا تتوسطها سيدة تتنازعها أيادى مختلفة.
 
منذ سنوات انتفضت مصر كلها بنخبتها ومثقفيها ضد قرار عمومية مجلس الدولة الذى رفض تعيين المرأة قاضية، وكتب الكاتبون وصرخ المثقفون عن مصر التى ترجع إلى الخلف، والمساواة التى ضاعت، والمرأة التى تم اضطهادها.
 
ثم عاد الجميع للصمت، لأننا نعيش فى مجتمع أدمن ذكوريته حتى لو سعى لتجميل وجهه بالكثير من الاستثناءات والعديد من التصريحات وبعض القرارات المناصرة للمرأة، الصحافة التى دائما ما تكون الأعلى صوتا فى الدفاع عن حق المرأة والمساواة وعدم التمييز تأمل هيكلها التحريرى والإدارى يكشف لك تردى وضع المرأة بها، دعك من وجود قيادة نسائية أو اثنتين أو ثلاث يتم تعيينهن على استحياء كرؤساء لأقسام غالبا ما تكون خاصة بالمرأة والطبيخ والديكور، ودعك من فكرة أن المؤسسات الصحفية القومية تخصص إصدارا أو اثنين من الإصدارات الجانبية لتقودهما امرأة، دعك من كل هذا لأنه يدخل تحت بند الاستثناء أو بند العادة التى جرت بتعيين امرأة أو اثنتين بجانب مسيحى أو ثلاثة على هامش المواقع القيادية فى المؤسسات الصحفية حتى تكون صورة مصر حلوة أمام الأجانب.. دعك من كل هذا وانظر إلى المواقع القيادية لتكتشف أن الصحف القومية لم يرأس تحريرها امرأة رغم أن الصحافة المصرية من عقود حظيت بتجربة مشرفة للأستاذة أمينة السعيد والأستاذة سهير القلماوى، ورغم أن كاتبة صحفية مثل الأستاذة سناء البيسى التى قادت مجلة نصف الدنيا إلى حيث النجاح والشهرة ومواقع التأثير تستحق أن تكون على رأس مؤسسة الأهرام ورئيسة لتحرير إصدارها اليومى أو رئيسة لتحرير الأخبار والجمهورية وروزاليوسف فهى تملك قلم كاتبة أشهر بكثير من رؤساء تحرير تلك الصحف لدى القراء، ولها تجربة إدارة فى «نصف الدنيا» أنتجت من خلالها صحافة متميزة وصحفيين مبدعين أفضل مما يفعله رؤساء تحرير صحف الحكومة الآن.
 
فى الشأن الحكومى ومنذ سنوات العادة جرت على تعيين امرأة أو اثنتين فى بعض الوزارات اللطيفة، هى التى أجبرته على ذلك، حتى تلك العادة التى تجرى منذ سبتمبر 1962 تاريخ تعيين السيدة حكمت أبوزيد وزيرة للشؤون الاجتماعية تتم على استحياء وتمنح المرأة الحقائب الوزارية الهامشية، ورغم تغير الموقف كثيرا الآن وظهور سيدات بعدد أكبر فى الوزارات، لكن لم يحدث مثلا أن تم الكلام عن ترشيح سيدة لرئاسة الوزراء أو أن حصلت سيدة فى مصر على حقيبة وزارية لإحدى الوزارات السيادية، فلم نسمع عن ترشيح امرأة لوزارة الداخلية، أو وزارة الخارجية أو وزارة الصناعة أو غيرها من الوزارات المهمة، بينما فى دول مثل فرنسا وأمريكا تولت المرأة منصب وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية، بل إن آخر ثلاثة تعاقبوا على وزارة الخارجية الأمريكية التى يسعى العالم لنيل رضاها كانوا ثلاث سيدات هن: مادلين أولبرايت، وكونداليزا رايس وهيلارى كلينتون.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة