ترك الدكتور خالد جمال عبدالناصر، منزله فى 59 شارع الثورة بـ«أرض الجولف»، ناحية «مصر الجديدة»، متوجهاً إلى لندن فى مثل هذا اليوم «10 سبتمبر 1987»، بجواز سفر دبلوماسى رقم «38545».
بدا سفره عادياً، فهو كثير التردد على العاصمة البريطانية منذ أن ذهب إليها عام 1972 للحصول على درجة الدكتوراه فى هندسة النقل من جامعة كامبريدج، وبعد أسبوع من سفره، وبالتحديد يوم 18 سبتمبر 1987، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على أعضاء منظمة «ثورة مصر» التى نفذت أربع عمليات مسلحة فى شوارع القاهرة، ثلاثة منها ضد عناصر إسرائيلية، وواحدة ضد عنصر أمريكى، وبدأت العمليات فى يونيو 1984 ضد «زيفى كيدار» المسؤول بالسفارة الإسرائيلية فى القاهرة، وفى 20 أغسطس 1985 نفذت العملية الثانية ضد مسؤول الأمن بالسفارة، وفى مارس 1986 نفذت العملية الثالثة المعروفة بـ«عملية معرض القاهرة الدولى»، وكانت إسرائيل تشارك فيه، وتم اغتيال «إيلى تايلور» مديرة الجناح الإسرائيلى فى المعرض، وجاءت العملية الرابعة الأخيرة ضد أحد عناصر السفارة الأمريكية عام 1987.
لم يتم الكشف عن «التنظيم» أكثر من ثلاث سنوات، إلا بخيانة «أحمد عصام» شقيق محمود نور الدين، قائد التنظيم، وكان «عصام» ضمن عناصره، ويؤكد نظمى شاهين أحد أعضائه فى حوار مع مجلة روز اليوسف «18 سبتمبر 2011» أن عصام أبلغ أولاً السفارة الأمريكية، واعترف بأن خالد يقوم بعملية التمويل.
جاء سفر خالد يوم 10 سبتمبر، فى حين تم القبض على أعضاء التنظيم يوم 18، ومع عملية القبض تسربت الأنباء عن علاقة «خالد» بالتنظيم، وتوزعت تكهنات بين أن يكون هذا السفر تم بنصيحة رسمية حتى لا يتم القبض على ابن جمال عبدالناصر فى قضية تتعلق بمقاومة التواجد الإسرائيلى فى مصر، وبين أنه سافر وعرف بالأمر وهو فى لندن، وفى يوم 28 سبتمبر 1987 غاب عن ضريح والده فى ذكرى وفاته الـ27، فزادت الأسئلة، ومع تكرار الغياب أثناء زيارة الرئيس مبارك إلى الضريح يوم 6 أكتوبر 1987 لم يعد الأمر سراً.
ووفقاً لـ«عادل الجوجرى» فى كتابه «ثورة مصر» «طبعة خاصة- القاهرة»، قضى خالد فترة فى لندن قبل أن ينتقل إلى العاصمة اليوغسلافية «بلجراد»، وبعد أن أعلن النائب العام قرار الاتهام وورود اسم خالد كمتهم ثان، طلبت النيابة له حكماً بالإعدام ضمن عشرة متهمين فى القضية، وحسب حوار له أجراه حمدين صباحى، ونشرته جريدة صوت العرب «9 مارس 1988»: «فور وصوله إلى بلجراد تلقى عروضاً عربية بالاستضافة»، لكنه رد عليها قائلاً: «بقائى خارج مصر لن يطول كثيراً، وسوف يسعدنى خلال هذه الفترة القصيرة وحتى عودتى أن ألبى شاكراً دعواتكم».
بقى خالد فى يوغسلافيا 23 شهراً، ووفقاً لما ذكره لى فى حوار صحفى نشرته جريدة البيان- دبى- الإمارات، فإنه عاش فى هذه الفترة ظروفاً قاسية، وكانت وفاة أمه السيدة تحية خلالها الأكثر إيلاماً له: «يومها دخلت حجرتى وبكيت طويلاً، ولم أرد على أى اتصالات ولم أقابل أحداً»، وأضاف: «زارتنى فى يوغسلافيا قبل وفاتها بشهور، وقالت لى: كل اللى بيحصل لك ده عشان اتنين صهاينة»، ويتذكر الدكتور مصطفى الفقى وقت أن كان سكرتيراً للرئيس مبارك، أن مبارك أوفده إلى السيدة تحية بعد أن طالبت النيابة بإعدام خالد، ويذكر فى مقال له بعنوان «ابن الرئيس» فى صحيفة الأهرام «10 مارس- 2011» جلست إلى السيدة الفاضلة، التى كانت ضيفة على عشاء فى منزلى فى العاصمة الهندية قبل ذلك بسنوات هى وابنتها منى، حيث شاهدت كيف تسابق السفراء العرب على طلب دعوتى لهم للتشرف بلقائها رغم القطيعة الدبلوماسية حينذاك، وكانت ضيفة على السيدة أنديرا غاندى «رئيسة الوزراء» التى استقبلتها شخصياً فى المطار، وشرحت لها أن ما قيل هو طلب من النيابة ولكنه لا يمثل حكماً للمحكمة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة