ما يجرى فى سوريا الآن هى حرب عالمية ثالثة، ولكنها مختلفة عن ما سبقها من حروب عالمية (الأولى – الثانية) .. ففى السابق كانت جيوش الدول المشاركة فى الحرب تتقاتل وجهاُ لوجه، بل أن الأمر امتد إلى سحق شعوب بأكملها من أجل إثبات القوة والهيمنة العسكرية على العالم .. وما زال العالم يعانى منذ عام 1945 وحتى الآن من الآثار التى خلفتها الحرب العالمية الثانية، سواء كانت أثار ناتجة عن دمار شعوب ودول أو أثار ناتجة عن هيمنة الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية على مقاليد السياسة العالمية.
أما الحرب العالمية الثالثة المندلعة فى سوريا الآن هى حرب لإثبات القوة وتحقيق المصالح، ولكن دون أن تتواجه الجيوش وجهاً لوجه مع بعضها، وإنما تقوم كل دولة من الدول المشاركة فى الحرب بعمل وكالة لفريق ليقاتل نيابة عنها، ويكون ذلك القتال بتخطيط وتمويل الدول المتحاربة دون أن يخدش جندى من جنودها فى الحرب .
ففريق يدعى أنه يشارك فى دمار سوريا من أجل إحلال السلام فى المنطقة والخلاص من الديكتاتورية وهذا الفريق تمثله (أمريكا وحلفائها من الغرب) ... وفريق آخر يدعى أنه يشارك فى الحرب من أجل الدفاع عن الشرعية والمتمثل فى دولة (إيران وحزب الله الشيعى) و(روسيا) ... وفريق ثالث يشارك فى الحرب من أجل الدفاع عن الإسلام وأصحاب المذهب (السنى) والمتمثل فى (المملكة العربية السعودية)، وفريق رابع يشارك فى الحرب بحجة محاربة الإرهاب والقضاء على حلم قيام دولة كردية على حدود دولته والمتمثل فى دولة (تركيا).
كل هؤلاء يطلقون أسلحتهم ومدافعهم وطائراتهم صباحاً ومساء على دولة (سوريا الحبيبة) والتى لم تعد بعد مرور أكثر من خمس سنوات دولة، وإنما أصبحت مقاطعات صغيرة ومتفرقة عبارة عن مبانى خرسانية مهدمة فوق جثث أطفال ونساء وشيوخ لا ذنب لهم إلا أنهم مواطنون عرب مسلمون فى دولة عربية مسلمة.
كل الدول المشاركة فى تلك الحرب يدمرون الدولة السورية بحجة أنهم يقاتلون ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وكأن ذلك التنظيم شبح خارق القوة لا تستطيع أكبر وأقوى جيوش العالم القضاء عليه، والغريب أنه يزداد قوة وصلابة وعددا رغم تداعى كل تلك الدول والجيوش عليه !!
كل من يشارك فى تلك الحرب لا يريدها أن تنتهى لأنها لو انتهت سينتهى دوره فى الهيمنة على جزء من الأرض وربما سيصطدم بالقوة الأخرى التى كانت تشاركه فى القتال .
روسيا استطاعت أن تنقل حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إلى منطقة الشرق الأوسط لتخفف عن نفسها الضغط الدولى الواقع عليها بسبب الوضع فى (جزيرة القرم) فى (كرواتيا)، وأصبح استعراض القوة وعقد الصفقات بين (أمريكا وروسيا) يتم على أجساد أطفال ونساء وشيوخ العرب والمسلمين .... استطاعوا أن يبعدوا خطر الحروب من بلادهم وشعوبهم وجلبوها إلى بلادنا رافعين لواء (الديمقراطية والشرعية).
إيران .. الدولة الشيعية التى تسخر كل ما تمتلك من إمكانيات وقدرات لنشر المذهب الشيعى والسيطرة على العالم الإسلامى تقاتل أهل السنة فى سوريا مستخدمة شعار القضاء على الإرهاب ومساندة شرعية الرئيس السورى.
ولكن الهدف الأساسى من دخولها تلك الحرب هو القضاء على أصحاب المذهب السنى .والمملكة العربية السعودية تساند المقاتلين (السنة) من أجل الوقوف أمام المد الشيعى الذى تقوده إيران ... فإيران هى العدو الأول للمملكة ودول الخليج. أما تركيا فأصبحت عضوا فعالا فى الحرب السورية بعد أن فتحت قواعدها الجوية للأمريكان والغرب ومؤخراً أدخلت قواتها الباسلة إلى الأراضى السورية.. ومن ضمن التنازلات التى قدمتها تركيا لروسيا بجانب الاعتزار عن إسقاط الطائرة الحربية الروسية ...عرضت تركيا على الدب الروسى استخدام أراضيه لإقلاع الطائرات الروسية لقتال ما يسمى بداعش (الشبح غير المرئى بالعين المجردة)، رغم أن تركيا هى السبب الأول والأخير والأساسى فى وجود داعش فى سوريا، ولكنها الآن تحاربه كما تقول ... ولكن هل تركيا تحارب داعش فعلا ؟؟؟ الله أعلم.
والسبب الحقيقى لدخول الجيش التركى الذى هزمته الشرطة التركية فى ثلاث ساعات إلى الأراضى السورية هو القضاء على الأكراد حتى لا تقوم لهم دولة على الحدود التركية.. فاعتراف العالم بالدولة الكردية يعنى اعترافهم بالمذابح التركية فى حق الأكراد مثلما حدث مع (الأرمن) إلى جانب مصلحة تركيا السياسية التى ستتضرر من قيام الدولة الكردية.
أصبح العالم يستبيح دم المسلمين تحت مسميات كثيرة، بل أصبح المسلمون يستبيحون دماء بعضهم بعضاً من أجل المصالح السياسية.. أصبح الجميع يشارك فى قتل الأطفال والنساء وكبار السن متعللين بأسباب وهمية يضحكون بها على عقول ضعاف البصيرة مستخدمين كلمات وعبارات تدخل إلى القلب قبل العقل ليجدوا من يناصرهم من الشعوب الإسلامية والعربية .
الحمد لله رب العالمين على نعمة النوم ليلاً فى بلد مهم اختلف أهله ولكنهم لا يقتلون بعضهم بعضا ...اللهم بارك لنا فى وطننا وارحم سوريا وأهلها من كل ظالم حتى ولو كان مسلماً .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة