تعتبر الصناعات و"الورش" الصغيرة، كلمة السر فى التنمية الاقتصادية فى الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، والبنية القوية التى استندت عليها، ومازلت دول تتبوأ قمة البلاد الصناعية كالصين والهند وماليزيا وإندونيسيا، حيث ساهمت الصناعات الصغيرة و"الورش" بشكل كبير فى الحد من البطالة، وتوفير المواد الأولية للصناعات الكبرى، فضلا عن أن النجاح فى تصدير منتجات هذه الصناعات يؤدى إلى تحسين ميزان المدفوعات وزيادة الوفرة الاقتصادية لأى دولة.
ودولة مثل مصر، تعانى من ظروف اقتصادية صعبة، الحل السحرى بالنسبة لها هو اللجوء إلى أسرع الحلول وأقلها تكلفة وأسرعها عائدًا، وهى الصناعات والورش الصغيرة، حيث إن تلكفتها الإنشائية قليلة، وبالتالى يمكن إنشاء آلاف الورش والمصانع الصغيرة بتكاليف ليست كبيرة، وتسهم زيادة أعداد هذه الصناعات والورش فى التغلب على مشكلة البطالة، وتلبية احتياجات السوق المصرى من الكثير من المنتجات التى يتم استيرادها بالدولار، مما يؤدى إلى استنزاف مستمر لـ"العملة الصعبة".
ومصر من الدول التى تميزت دائما بوجود الأيدى العاملة المميزة، و"الصنايعية" المهرة، كما أن عدد السكان الكبير الذى يقارب الـ 92 مليون نسمة، يساعد على وجود قاعدة كبيرة للأيدى العاملة اللازمة للصناعات الصغيرة، حيث يذكر التاريخ أن الدولة العثمانية فى أوج قوتها استعانت بالأيدى الماهرة المصرية بسبب تميزها، وإبداعها، وقامت بإرسالهم إلى الأستانة لإدخال الصناعات اليدوية والاستفادة من مهاراتهم وصناعاتهم الفائقة الجودة.
ورغم كل ذلك، فإن الصناعات الصغيرة والورش الحرفية، تعانى من صعوبات كثيرة، أدت إلى تعثر الكثير منها وإغلاق بعضها، لعدة أسباب.. منها عدم وجود حاضنات لهذه الصناعات، ترعاها وتمد لها يد العون عن طريق تقديم المعدات بأسعار تنافسية، أو تقديم الخبرات، وتنظيم المعارض كمنفذ لمنتجات هذه الورش أو المصانع الصغيرة، أو دعمها ماليًا، فضلًا عن ضرورة توفير حماية لها من المنافسة غبر المتكافئة مع المنتجات الأجنبية، والتى غالبًا تكون فى صالح المنتجات الرديئة الصنع التى ترد من الخارج وخاصة من الصين.
وتعانى الصناعات الصغيرة من تضاؤل قاعدة "الصنايعية" المهرة، بعد أن عزف الشباب عن تعلم الحرف والمهن اليدوية، وأصبح همه الوحيد الحصول على وظيفة حكومية، أو العمل كسائق توك توك أو فرد أمن أو أى مهنة "سهلة"، وبالتالى أصبح الحصول على "صنايعى" ماهر، من ضروب المستحيل، وهو ما أدى إلى توقف الكثير من "الورش" والمصانع الصغيرة بسبب قلة الأيدى العاملة.
وأعتقد أن الحل الأمثل للتغلب على عزوف الشباب عن تعلم "المهن" هو توجيه حملات توعية بأهمية التدريب وتعلم هذه المهن، وتوعية الشباب بالمستقبل الكبير للمهن الحرفية، وأيضًا التركيز على مدارس التعليم الفنى الذين يتخرجون منها دون أن يحصلوا منها سوى على شهادة ورقية، ليس لها قيمة فى الحياة العملية، خاصة فى ظل اعتماد هذه المدارس على التعليم النظرى الأكاديمى، والذى أثبت فشله فى تعليم الطلاب أى مهنة بشكل يتيح لهم ممارستها بعد تخرجهم.
وزارة التعليم الفنى لديها الفرصة الهائلة لحل مشكلة ندرة الأيدى العاملة الماهرة وذلك عن طريق مد جسور التعاون بين هذه المدارس والمصانع والورش الصغيرة، بحيث تلزم الطلاب بأداء عدد ساعات معين أثناء الدراسة فى إحدى الورش أو المصانع الصغيرة، ولن ينجح فى عامه الدراسى إلا إذا اجتاز الاختبارات الخاصة بهذه المهنة، وحصل من الورشة أو المصنع الذى يتدرب فيه على شهادة بإجادته لتلك الصنعة أو المهنة، وبالتالى نضمن وجود قاعدة كبيرة من "الصنايعية" لتلبية حاجة الورش والمصانع الصغيرة من ناحية، والقضاء على البطالة من ناحية أخرى، وأيضًا النهوض بالصناعات الصغيرة التى تعتبر عماد النهضة الاقتصادية من ناحية ثالثة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة