"الفن الإسلامى أوسع الفنون انتشارا وأطولها عمرا، إذا استثنينا الفن الصينى، فقد امتدت الإمبراطورية الإسلامية، من الهند وآسيا الوسطى شرقا إلى الأندلس والمغرب الأقصى غربا، ومن حوض الطونة وإقليم القوقاز وصقلية شمالا إلى بلاد اليمن جنوبا، وازدهر الفن الإسلامى فى هذه الإمبراطورية واسعة الأرجاء" هكذا يقدم الدكتور زكى محمود حسن كتابه "الصين وفنون الإسلام".
والكتاب يقصد إلى بيان العلاقة بين الصين والشرق الأدنى فى العصر الإسلامى، والتحدث عن وجود التحف الصينية فى المدن الإسلامية فى العصور الوسطى، وإعجاب المسلمين بتلك التحف وتقليدهم إياها ومحاكاتهم بعض الأساليب الفنية فيها وأوجه الشبه بين فنون الشرقيين: الأدنى والأقصى، تلك الأوجه التى مهدت السبيل للتبادل الفنى بينهما.
والكتاب ينطلق من فكرة أن سنة الفنون جميعها أن يؤثر بعضها في بعض، وأن تتوارث الأساليب الفنية المختلفة وتتبادلها، وقد وجد علماء الفنون والآثار أن العناصر الزخرفية، فى كل الفنون، مشتقة من عناصر زخرفية فى فن أعرق منه فى القدم، وأن هذه السلسلة الراجعة تعود بنا إلى أقدم مراحل الفن التى نعرفها فى مصر وبلاد الجزيرة والصين والهند وبلاد الإغريق.
وربما يتساءل البعد عن سبب تسمية أطباق السفرة الخزفية باسم "الصينى"، ويقول الكتاب إن المعروف أن الفن الصينى فن عريق فى القدم، احتفظ بكثير من أساليبه الفنية على مر العصور، وازدهر فى محيط اجتماعى واسع، وكانت له وحده فنية، منذ الألف الثالثة قبل المسيح إلى العصر الحاضر، وقد عرف المسلمون هذا الفن منذ فجر الإسلام، واعجبوا بمنتجاته فتأثروا به.
ويرى الأثرى الكبير "زكى" أن من مظاهر تأثر الحضارة الإسلامية بالفنون الصينية استخدام الورق، والمعروف أن الصينيين كانوا ينتجون أحسن أنواع الورق، كما كان للخط الجميل عندهم منزلة عظيمة، فقرنوه بالأعمال الإلهية المقدسة، وقد تعلم العرب صناعة الورق على يد صناع من الصين، أسرهم المصريون حين فتحوا سمرقند ف نهاية القرن الأول الهجرى.
وفى الكتاب أن فنانيى الشرق الإسلامى أقبلوا على تقليد التحف الصينية، وأصابوا، فى بعض الأحيان، نجاحا يتفاوت مداه، ولا ريب فى أن بدء هذا التقلد يرجع إلى فجر الإسلام وقد ظل قائما حتى القرن الثانى عشر الهجرى، حيث وجد فى حفائر الفسطاط إلى جانب الخزف الصينى الصحيح خزف أنتجه الخزفيون المصريون تقليدا للخزف المصنوع فى الشرق الأقصى، ويرجع تقليد الخزف الصينى فى مصر إلى العصر الفاطمى، فقد حاول الخزفى المشهور "سعد" ومن نسج على منواله ان يصنعوا نوعا من الخزف ذى الزخارف المحفورة تحت الدهان كانوا يقلدون به خزف سونج الصينى.
ثم يعرض الكتاب أوجه التشابه بين العالمين خاصة التأثير الصينى فمن المعروف أن المسلمين فى الشرق الأدنى لا ينتمون إلى الجنس المغولى الأصفر ومع ذلك كله بعد أن زاد اتصالهم بالشرق الأقصى سياسيا وثقافيا وتجاريا أقبلوا على جعل السحنة فى رسم الأشخاص على تحفهم وفى مخططاتهم مغولية إلى حد كبير جدا، كما نجد أن الإيرانيين أكثر الشعوب الإسلامية مخالفة للتعاليم الإسلامية فيما يتعلق بالتصوير للكائنات الحية، وذلك يرجع للعلاقة القوية التى تربطهم بالصين، كما أخذ الفنانون المسلمون عن الأساليب الفنية الصينية العمل على محاكاة الطبيعة بدقة واتقان فى رسم الحيوانات والزهور والنباتات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة