محمد شومان

ثقافة المول.. وثقافة السوق القديم

الأحد، 21 أغسطس 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المول هو الشكل الحديث للسوق، وهو ابن بار لعولمة الرأسمالية والنزعة الاستهلاكية، فهو فضاء واسع يتيح للجهور متعة الفرجة والتسوق والأكل والشرب بحرية، لكنها حرية وهمية، فهى تعتمد على قدراتك المالية أو ما يمكنك إنفاقه فى جولة داخل عالم المول.. المغرى والمحرض على الشراء والتمظهر والتباهى الاجتماعى، ولقاء الأهل والأصدقاء، والتعارف السطحى بناس جدد.
 
ظهر المول فى مصر فى التسعينيات وربما قبلها، لكنه صار ظاهرة اجتماعية وتسويقية وتجارية فى العشر سنوات الأخيرة، ومع افتتاح عدة مولات ضخمة أسستها مجموعات استثمارية خليجية، نقلت نجاح الفكرة من أمريكا وأوروبا للخليج، ثم وجدت أنه من الممكن تعريبها ونقلها لمصر أكبر سوق عربى من حيث التعداد، القصد أن رأسماليتنا الوطنية لم تكن متحمسة لبناء مولات تجارية ضخمة لأسباب لا أعرفها، لكنها شاركت بهمه فى استئجار وإدارة فائض المحلات والمطاعم والمقاهى والسينمات والملاهى فى المولات.
 
المولات فى مصر التزمت بنظم وتقاليد المولات فى العالم، من حيث التصميم والممرات ووجود أماكن لانتظار السيارات، ومصاعد وسلالم متحركة، ورجال أمن ونظافة وخدمات مختلفة، والأهم التكييف الدائم الذى ينقل الجمهور من لهيب الصيف إلى جنة المول وراحته وسهولته، لكن مهما وفرت المولات كل هذه الأشياء فإنها تبقى ظاهرة اصطناعية مقارنة بالأسواق التى عرفها العالم وعرفتها مصر عبر تاريخها الطويل والممتد. 
 
فى المولات نمطية وتكرار ممل لأسماء محلات وماركات شهيرة ورموز استهلاكية معروفة لذلك فإن ما تجده فى مول فى أمريكا أو دبى أو الرياض قد تجده مثله تماماً وإلى درجة التطابق فى مول مصرى أو صينى أو برازيلى.. هذا التطابق الناتج عن العولمة يشعرك بأنك لا تعيش فى بلد وإنما فى فضاء استهلاكى متجاوز حدود المكان (البلد) والزمان.
 
معظم مولات العالم ليس لها تاريخ ولا يمكن أن تشعرك بالألفة أو تشجعك على عشق مكان أو محل معين لأن طرق العرض والبيع واحدة.. ولأن كل المحلات والماركات تغير أماكنها، كما أن العلاقة بينك وبين العاملين فى أى محل أو مقهى قائمة على البيع والشراء والمتعة السريعة، التى تنتهى بمجرد أن تدفع وتحصل على ما تريد.
 
السوق الحقيقى هو الحياة غير المرتبة.. المراوغة.. التى تحمل ذكريات ومفاجآت سارة أو حزينة.. هنا لم يتدرب البائعون على التعامل النمطى مع الجمهور، والجمهور فى الأسواق يجمع بشر من مختلف الطبقات والثقافات، عكس المول الذى لا يدخله تقريبا أغلب الفقراء. فى الأسواق الحقيقية فائض من تاريخ وذكريات مع الأمكنة والمحلات والشوارع.. باعة جائلون وضجيج ومساومات فى البيع والشراء، محلات تجاور ورش صغيرة أو محلات لإصلاح أجهزة معطلة، ومحل لبيع الذهب يجاور كبابجى، أو محل فول وطعمية، باختصار فوضى شيقة ولا تنظيم نمطى أو معلب كما فى المول الذى يشبه صوبة زجاجية عملاقة.
 
قد يعترض البعض على كلامى، وهذا حقهم تماماً، ويرون أننى متحيز للأسواق وأعيش فى الماضى، وأنكر راحة وسهولة الفرجة والتسوق فى المولات، وأنا لست هذا الشخص، وإنما رسالتى فقط أن نحافظ على الأسواق التقليدية، وألا ننقطع عن زيارتها والشراء منها والحياة فيها، ليس لأنها جزء من تاريخنا، فبعض أسواق القاهرة عمرها أكثر من 600 عام، لكن لأن الحياة فيها طبيعية، لم يفسدها تدخل العولمة أو الرأسمالية المصرية أو الخليجية، فلم نضع تخطيطها أو تقوم ببنائها، أو تحديد الطبقات التى تدخلها، والماركات والسلع والخدمات التى تقدم فيها، إنها باختصار أسواق أكثر ديمقراطية وأكثر تنوعا وحيوية، تجمع بين المحلات الصغيرة والكبيرة، ولا تكتفى بما ترسله لنا الشركات العملاقة متعددة الجنسيات.. فى السوق الحقيقى ندرة، ومنتجات غير نمطية، وفى المول فائض مكرر ومتشابه من المنتجات والناس.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة