خالد عزب يكتب: أندرو روبنسون.. هل من سبيل لفك خطوط حضارة السند؟

الخميس، 18 أغسطس 2016 09:10 م
خالد عزب يكتب: أندرو روبنسون.. هل من سبيل لفك خطوط حضارة السند؟ الدكتور خالد عزب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أندرو روبنسون عالم بريطانى مهتم بالخطوط القديمة و اللغات المفقودة، و له العديد من الكتب و الدراسات فى هذا المجال، أبرزها كتابه اللغات المفقودة الذى ترجمته مكتبة الإسكندرية، فى مقالة له نشرتها مجلة نيتشر.

مؤخراً، يحاول أن يسبر غور الدراسات التى تحاول فك رموز أبجدية حضارة السند، التى مازالت مستعصية على العلماء إلى الآن، لكنه ينوه أن الخلافات الباكستانية الهندية الحدودية و عدم استقرار المنطقة الحدودية سبباً فى إعاقة تقدم البحث العلمى فى هذا المجال، خاصة فى منطقة جولستان الصحراوية، 10% فقط من المواقع المعروفة لهذه الحضارة هى التى جرى الحفر بها إلى الآن، و لم يتم اكتشاف أية نقوش تزيد عن 26 حرفاً حتى الآن.                                               

ازدهرت حضارة وادى السند لمدة خمسمائة عام منذ عام 2600 قبل الميلاد، حتى عام 1900 قبل الميلاد تقريباً، وبعد ذلك شهدت تدهوراً غامضاً، تلاه اختفاؤها التام لمدة بلغت حوالى 4000 سنة، حتى اكتشاف أطلالها مصادفة فى عشرينيات القرن 20 الميلادى بواسطة علماء آثار هنود و إنجليز، الدلائل الأثرية تشير إلى حضارة لا تقل عن حضارة مصر القديمة و بلاد الرافدين.                  

كما أن المعطيات الآن تدل على وجود ما لا يقل عن ألف موقع من حضارة السند على مساحة قدرها 800 ألف كيلو متر مربع، تتركز فى شمال غرب الهند و باكستان، و بلغ عدد السكان مليون نسمة، و هذه الحضارة كان لها تجارة واسعة مع منطقة الخليج العربى و بلاد الرافدين، لكن المثير للدهشة أن علماء الآثار لم يعثروا على أى دلائل على خوض حضارة السند حروب أو حتى وجود جيوش لديها.            

عثر على مدينتين كبيرتين لهذه الحضارة هما "موهينجو دارو" وتقع بالقرب من نهر السند و أدرجتها اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمى، و المدينة الثانية " هارابا " و التى تتميز بتخطيط شوارعها و شبكة صرف صحى تضاهى ما هو موجود فى المدن المعاصرة.                         

الباحثون لديهم ثلاث مشكلات أساسية، أولها : اللغة التى تعبر عنها هذه الخطوط، الثانية : عدم وجود أسماء لحكام أو أشخاص من حضارة وادى السند معروفين الأساطير أو السجلات التاريخية، ثالثاً : عدم وجود نقوش ثنائية اللغة مع هذه اللغة مما يساعد على فك شفرتها.                   

فى العقود الأخيرة أنجذ الباحثون فى حضارة وادى السند الكثير، فقد نُشرت مجموعة مكونة من ثلاثة مجلدات مصورة، حول نقوش حضارة وادى السند، حررها أسكو باربولا، و هو عالم آثار حضارة وادى السند الدؤوب فى جامعة هلسنكى، بين عام 1987 : 2010، بدعم من منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة، و ما زال المجلد الرابع و الأخير قيد الاعداد . و قد تم تحديد اتجاه الخطوط من اليمين إلى اليسار بصورة أساسية – بتحليل وضع مجموعات الحروف فى عديد من الخطوط المختلفة و يُعد تقسيم الخطوط التى تحتوى على تسلسلات مكررة من الحروف و التركيبات النحوية، و أنظمة الترقيم و القياس، مفهوماً على نحو جزئى.                                        

تختلف وجهات النظر حول عدد الإشارات الموجودة فى خطوط السند، حيث انه فى عام 1982 ميلادية نشر عالم الآثار شيكاريبورا رانجاناثا راو طريقة فك الرموز، أساسها اللغة السنسكريتية وبها 62 علامة، و قد قدر باربولا الرقم بحوالى 425 فى عام 1994 ميلادية، و هو تقدير يدعمه باحث خطوط وادى السند الرائد فى الهند، إرافاثام ماهاديفان، و على الجانب الآخر يوجد تقدير عال جداً يبلغ 958، نشره هذا العام بيران ويلز، حيث أستنتجه من رسالة الدكتوراه الخاصة به، أعدها فى جامعة هارفارد فى كمبريدج، ماستشوستس .                                              

رغم هذا ..يتفق كل الباحثين تقريباً على أن الخطوط تحتوى على علامات أكثر مما يمكن إعتباره أبجدية، أو أبجدية ذات مقاطع ( تمثل فيها الإشارات مقاطع )، مثل خطوط " الخط ب " و ربما تكون خطوط " رمزية مقاطعية " مثل اللغة السومارية المسمارية، أو مثل رموز لغة المايا، بمعنى أنها خليط من مئات العلامات المزية الصورية التى تمثل كلمات و مفاهيم، مثل : &، %، و مجموعة أصغر بكثير تمثل المقاطع .       

فيما يتعلق باللغة، تصب الموازنة بين الأدلة فى صالح كون لغة الخطوط لغة درفيدية بدائية، و ليست سنسكريتية، و قد بين العديد من العلماء وجود مجموعة من المعانى المنطقية فى الخطوط باللغة الدرفيدية، " التاميل " القديمة رغم أن أيا من تلك " الترجمات " لم تحط بالقبول العالمى .                 

وتبحث أقلية من الباحثين فيما إذا كانت خطوط وادى السند قادرة على التعبير عن لغة يمكن التحدث بها، أم لا، و السبب الأساسى فى قلة الباحثين فى هذا الصدد هو اقتضاب النقوش الموجودة فى الخطوط، حيث يبلغ متوسط النقوش خمسة حروف للنص، و يبلغ أطوالها 26 فحسب، و فى عام 2004 ميلادية قام المؤرخ ستيف فارمر، و كذلك المختص باللغويات الحاسوبية ريتشارد سبروات ( الذى يعمل الآن عالماً باحثاً فى شركة جوجل ) و كذلك الباحث فى شئون اللغة السنسكريتية مايكل ويتسزل فى جامعة هارفارد، بإصدار ورقة بحثية مشتركة تقارن خطوط وادى السند بنظام رموز غير صوتية شبيهه برموز النبلاء الأوربيين فى العصور الوسطى، أو ثقافة فينيكا للعصر الحجرى الحديث من أوروبا الوسطى، و الجنوبية الشرقية.          

تبدو هذه النظرية بعيدة الاحتمال، لعدة أسباب.. فمن الملحوظ أن الترتيب التسلسلى و الاتجاه المتفق عليه للكتابة يُعتبران بمثابة خصائص عالمية لأنظمة الكتابة، و لا تُعد هذه القواعد جوهرية فى الأنظمة الرمزية، إضافة إلى ذلك ..يتعين أن حضارة وادى السند كانت مدرِكة جيداً من خلال روابطها التجارية لإمكانية توظيف نظام الكتابة المسمارية، لعمل نظام كتابة كامل، رغم ذلك يمكن بالفعل أن يشير اقتضاب نصوص خطوط وادى السند إلى أنها مثّلت جوانب محدودة للغة حضارة وادى السند فحسب، و ينطبق هذا على أوائل الكتابة المسمارية المبكرة على ألواح الطين فى بلاد ما وراء النهرين فى عام 3300 قبل الميلاد، حيث تسجل الرموز حسابات لمنتجات عديدة ( مثل الشعير )، و أسماء المسؤولين فحسب.            

الأسلوب الرقمى                                               

حفّزت الورقة البحثية المخالفة للتيار العام استخدام بعض الأساليب الحديثة، حيث قام ويلز – الذى يؤمن بشدة أن خطوط السند تُعد نظام كتابة كاملاً، و الذى يعمل على عالم المعلومات الجيولوجية أندريس فولز فى الجامعة التقنية فى برلين – بإنشاء أول موسوعة مصطلحات إلكترونية لنصوص خطوط وادى السند، و على الرغم من عدم اكتمالها فإنها تتضمن جميع الخطوط من المشروع البحثى فى مجال الآثار فى موقع مدينة هارابا، الذى تقوده الولايات المتحدة.                                    

وقد أظهرت مجموعة بحثية – يقودها عالم الكمبيوتر راجيش راو فى جامعة واشنطن فى سياتل – إمكانية استخدام أسلوب رقمي، حيث حسب الفريق معاملات ضبط التغير الشرطية ( الإنتروبى ) – و هى كمية العشوائية فى اختيار علامة ( حرف أو كلمة ) مع الأخذ فى الاعتبار العلامة السابقة للعلامة المختارة – فى خطوط اللغات الطبيعية، مثل الأبجدية السومرية المسمارية، و الإنجليزية، و فى نظم غير لغوية، مثل لغة البرمجة الحوسبية " فورتران "و كذلك الحمض النووى البشري، وتبدو معاملات ضبط التغير الشرطية الخاصة بلغة خطوط وادى السند أكثر شبهاً بنظيرتها الخاصة بالسومارية المسمارية و كتب فريق راو " تزيد نتائجنا من احتمال أن تمثل الخطوط لغة.                                      









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة