فى حوار بعد إصداره "الفتوحات الباريسية"

ماهر البطوطى: الزمن يشغل تفكيرى على الدوام.. والترجمة أصعب من التأليف

الأحد، 14 أغسطس 2016 03:11 م
ماهر البطوطى: الزمن يشغل تفكيرى على الدوام.. والترجمة أصعب من التأليف الكاتب والمترجم ماهر البطوطى
حوار عبد الرحمن مقلد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 الحاضر والماضى لا يوجدان إلا فى الذاكرة.. وابعتدت فى روايتى عن أى دلالات سياسية واجتماعية وأيديولوجية.. وأصطحب كتاب الحكيم معى أين ذهبت

 تأثرت بفيلم "كيف تسرق مليونا".. وباريس من أوائل المدن التى قرأ عنها المصريون.. وأتمنى من الشباب إتمام مهمتى بنقل "كتاب الحب المحمود" للعربية

خدمات جليلة قدمها الكاتب والمترجم الشهير ماهر البطوطى للثقافة العربية، فيكفى أن نعدد قائمة ترجماته الشعرية لرامبو ولوركا وويتمان ونيرودا لنعرف قدر جهده فى هذا الشأن.. هذا إلى جانب ترجماته لأعمال لأرنست هيمنجوى (حاضرة الدنيا والفراشة والدبابة) وجيمس جويس (صورة الفنان فى شبابه"، كما ترجم كتبا مهمة مثل "قاموس الأدب الأمريكى" و"الفن الروائى" لديفيد لودج، هذا إلى جانب مؤلفاته وعلى راسها "الرواية الأم.. ألف ليلة وليلة" و"الجيل الرائع"، وكان آخرها رواية "الفتوحات الباريسية"، (الصادرة حديثا عن دار العين) والتى يبحر فيها المؤلف فى الزمن، ليقدم باريس "المصرية" فى الستينيات والسبعينيات.. من أجل كل ذلك كان لنا هذا الحوار مع الكاتب المصرى المقيم فى أمريكا..

ـ بداية تناولت فى روايتك باريس الستينيات والسبعينيات من وجهة نظر مصرية، كيف اختلفت تناولك عن توفيق الحكيم للمدينة فى "عصفور من الشرق"؟

  طبعا الاختلاف ينبع أساسا من اختلاف الفترة الزمنية، واختلاف الظروف التاريخية. وذلك بالإضافة إلى أن وقائع كتاب توفيق الحكيم حقيقية تتناول فترة دراسته فى باريس وصداقته مع أندريه الذى تبادل معه رسائل كتاب "زهرة العمر".  وكتاب الحكيم يقدم تفاعلًا بصورة أكبر وأشمل مع باريس وقتها، ومع العادات والتقاليد الفرنسية التى كان المصريون يبدأون فى التعرف عليها، بينما ركزت روايتى أكثر على الشخصيات والأحداث.  

 

ـ أشرت فى الرواية أكثر من مرة لرواية توفيق الحكيم، وكأن هناك محاكاة أو معارضة (إن صحت التسمية) لكتاب الرائد المصرى؟

 كتاب توفيق الحكيم الأكثر ذكرًا وتأثيرًا فى روايتى هو كتاب "زهرة العمر"، ولكن ليس هناك محاكاة أو معارضة لكتاب رائدنا الكبير.  وقد تأثرت فى حياتى كثيرًا بذلك الكتاب وكنت أحفظ فقرات كاملة منه وأصطحبه حيث أقمت. ولا عجب أننى اخترته فى صلب دراسة "شانتال" لأدب توفيق الحكيم.

ـ تدور روايتك فى أكثر من عصر، فالباحث يتناول كتاب "الاعتبار" لأسامة بن منقذ عن الحروب الصليبية، ويعيش فى الستينيات والسعبينيات ويصاب بحالات إبحار إلى الألفينيات الحالية، لما تعمدت المجاروة بين الفترات الزمنية، وما الدلالة؟

 يشغل الزمن تفكيرى على الدوام. فالحاضر والماضى لا يوجدان إلا فى الذاكرة. وقد اخترت حالات الإبحار تلك كيما تمكننى من الانتقال بين الأزمنة دون عناء أو ملامة قصصية.

ـ بطلك المحقق يعمل على كتاب "رد الاعتبار" الذى ينتصر للشرق الحضارى على حساب الغرب المظلم والمتخلف فى العصور الوسطى، يقابله الصدمة الحضارية التى يتعرض لها المصريون أو الشرقيون عمومًا فى باريس، وكأنك مشغول بالبعد الاستعمارى، ولذا لجأت للحظة انتصار الشرق وكتاب أسامة بن منقذ فى مواجهة الهزائم وسرقة تراثنا الأثرى وحاضرنا فى ذات الوقت؟

 الواقع أنى أحاول كتابة رواية فنية، مبتعدًا فيها عن أى دلالات سياسية أو اجتماعية أو أيديولوجية أو تعليمية، مقتفيًا فى ذلك المعلم الكبير جيمس جويس فى نظريته عن الفن الصحيح والفن غير الصحيح، ونظريته الجمالية التى عرضها فى روايته "صورة الفنان فى شبابه".  فهو يبتعد فى رؤيته للرواية الحقة عن الروايات التى يمكن تصنيفها كروايات اجتماعية أو أخلاقية أو أيديولوجية. فإذا جاءت فى روايتى لمحات لانتصار الشرق على الغرب فهى لمجرد صلتها بصلب دراسة الباحث وتخدم الحدث فيها.

لماذا قصدت أن يكون بطلك مصابًا بالبحران؟

  كما ذكرتُ سابقا، كان ذلك تعلةً مكنتنى من التنقل بحرية فى الزمن. وقد تأثرت فى ذلك بفيلم أمريكى عن "نوستراداموس" الذى يجئ ذكره كثيرا فى الرواية، وصوّره الفيلم حين تنتابه تلك الحالات الذهنية التى يستطلع فيها أحداثًا معينة فى المستقبل. غير أنى بعد أن درست تنبؤات نوستراداموس، أجد أنها عامة جدًا، ويمكن تفسيرها على أى محمل بلوْى عنق الكلمات والعبارات.  وإذا كان فى بعض منها على شئ، فما هو إلا مصادفة بحتة.

 هل يمكن أن نصنف "الفتوحات الباريسية" كسيرة ذاتية أو ثقافية أو سياسية لحقبة، خاصة وأن الوقائع التاريخية كانت متواجدة طوال روايتك؟

  برغم حقيقة قولك بتواجد الوقائع التاريخية طوال الرواية، فهى ليست سيرة ما لحقبة معينة، اللهم إلا ما جاء من أنها تصور حياة بعض المصريين والمصريات فى مكان معين هو فرنسا، وزمن معين هو ما بين الأعوام 1969 و1973.  وهى بالمناسبة ليست سيرة ذاتية شخصية، فأنا لم أعش أو أعمل فى باريس، بل فى مدريد، وإنما زرت باريس عشرات المرات وطفت بجميع مدن فرنسا كافة عبر سنوات حياتى.

  ربما يواجه القارئ غير المثقف صعوبات فى التعامل مع الرواية المكتوبة عن عالم المثقفين بالأساس، ألا ترى مشكلة فى ذلك، خاصة وأن عالم الكتاب والمثقفين أصبح مغريًا للكتابة لدى الكتاب والمثقفين، وكأنهم يكتبون عن أنفسهم لأنفسهم؟

  فى سؤالك جانب كبير من الحقيقة، للأسف. وأقول للأسف لأن عالم المثقفين كان يجب أن يكون معروفا ومقبولا من القراء المصريين والعرب بصفة عامة، كما كان الأمر حين أصدر الحكيم وطه حسين كتبهما العامرة بالأصداء الثقافية والفكرية ؛ وكنا نقرأنا ونحن فى مطلع الشباب بكل سهولة ونتأثر بها تأثرا بالغا.

  بدا بطلك مهزوزًا وحائرًا وفاقدًا للحماس، ألهذا الحد أثرت فيه المضايقات السياسية التى تعرض لها فى مصر؟

  هناك بطلان فى الرواية: محب وسامح. سامح هو بالفعل الذى يبدو فاقدًا للحماس بسبب ما تعرض له قبل الذهاب إلى باريس، فيجب ألا ننسى أنه تعرض للسجن والفصل قبل أن تعود حياته إلى المجرى الطبيعى للباحث والأديب.

ـ أوردت بعض الوقائع، مثل سرقة المصرى "رستم" تمثالا مصريا من متحف اللوفر، هل هذا ظلال لواقعة حقيقية؟

 كلا.  بالمرة.  هذا خيال محض، تأثرت فيه بفيلم "كيف تسرق مليونا" لبيتر أوتول وأودرى هيبورن، وغيره من الأفلام المتعلقة بالموضوع ذاته.

  ـ بطلك انحاز للمرأة الفرنسية وتزوج منها على حساب زميلته المصرية التى وكأنها هى الأخرى تخلت عنه، فبدا الحب "المصرى" باهتا وضعيفا فى مواجهة "الغرام الفرنسى"؟

  لو أن هذا ما يخرج به القارئ، فقد جاء عن غير قصد. حب محب لسهير كان صادقا وعنيفا، وكان يمكن أن يستمر حتى مع ما حدث مع شانتال لولا الغيرة القاتلة التى انتابت محب. وقد خبرتُ علاقات حب صادقة دمرتها الغيرة العمياء سواء من الرجل أو المرأة، والغريب أن بعض حالات الغيرة تلك كانت تنتهى بكونها لها أساس، كما حدث بين سهير والدكتور عزيز. وهذه من أسرار الطبيعة البشرية التى لا يُسبر غورها.

  رأينا ثمة تناقدًا واضحًا فى موقف "محب" الرجل الشرقى الواقع فى علاقة حب عنيفة مع امرأة فرنسية، ولكنه فى ذات الوقت شديد الغيرة على خطيبته المصرية، وهو ربما ما دفعها للابتعاد عنه؟

  هذا ما قصدتُ تصويره فى الرواية. فأنا أجد من حولى ذلك التناقض فى الرجل الشرقى، الذى يسمح لنفسه بما لا يسمح بجزء منه للمرأة التى يحبها ويتزوج منها. هل هو انفصام فى الشخصية؟ ربما. وقد ناقشتْ كميلة محبًا فى ذلك الأمر ولم يجدا حلا لتلك الظاهرة.

  لم تحز مدينة أخرى بما حازته باريس من محبة لدى المصريين، حتى أصبحت مقياسًا فكريًا لاختلافات الشخصية المصرية، إذا تناولنا الكتب والمقالات التى دونها مصريون عن عاصمة النور، كيف تفسر ذلك؟

 كانت باريس، وفرنسا بوجه عام، من أوائل المدن والدول التى قرأ عنها المصريون، منذ عاد رفاعة الطهطاوى من هناك وأبهر قراءه بما كتب عن باريس والفرنسيين وتمدنهم وتقدمهم وحريتهم. كما أن توجه كبار أدبائنا إلى فرنسا للدراسة، ومنهم الدكتور حسين هيكل (وله كتاب عن ذكريات الشباب فى باريس) وتوفيق الحكيم ولطفى جمعة والدكتور طه حسين وغيرهم ، وما أصدروه من كتب عن فرنسا وما فيها من ثقافة وفن وموسيقى ومتاحف، قد أشعل خيال المصريين - وأنا منهم - ودفعهم إلى العمل على الاطلاع على تلك الثروات الثقافية والحضارية..

  لو ابتعدنا عن الرواية، واتجهنا للترجمة الذى خصصت لها جهدك  الأكبر، الذى ربما يكون سرق منك وقتًا لكتابة إبداعك الخاص، ما مغريات الترجمة بالنسبة لك؟

  بالفعل، كتبى المترجمة أكثر من المؤلفة. جاء اهتمامى بالترجمة منذ دراستى بقسم اللغة الإنجليزية، وتطلعى إلى نقل درر أدب تلك اللغة إلى العربية، خصوصا الأدب الحديث من روايات جويس وهمنجواى وفوكنر وغيرهم ممن درسناهم. والترجمة تمثل لى تحديًا أكبر من التأليف، فإن نقل عمل أدبى - خصوصا فى الشعر - يتطلب تشربًا للعمل ومؤلفه وظروفه حتى يمكن نقله بأمانة إلى القراء العرب على نحو يمكن معه أن يتذوقوه ويتجاوبوا معه. ودفعنى اهتمامى بالترجمة ودقتها للالتحاق بقسم اللغة العربية فور تخرجى، حيث درست فيه سنتين ثم انقطعت لظروف طارئة. ثم حاولت الالتحاق بدار العلوم لكنها لم تكن تقبل طلبة من الخارج. وقد سعدت بالعمل فى دار العلوم حين تكرم أستاذى وصديقى الدكتور الطاهر مكى بندبى لتدريس الإنجليزية فى تلك الكلية العريقة.

 كيف تقيم الحالة العامة لواقع الترجمة فى مصر وعلى مستوى اللغة العربية عمومًا؟

  لدينا جهد واضح فى إصدار الترجمات، ففى قطاعات وزارة الثقافة عدد من الأجهزة التى تصدر كتبًا مترجمة، ولا شك أن فضلًا كبيرًا فى ذلك يرجع إلى المركز القومى للترجمة الذى أنشأه الدكتور جابر عصفور، وكذلك سلسة الجوائز التى تخصصت أساسا فى نشر الترجمات، وهى التى أشرفت عليها الدكتورة سهير المصادفة.  ولكن ما ينقصنا فى ذلك الشأن هو التنسيق والتحضير لما يترجم، فقد رأينا الكثير مما يعاد ترجمته دون داع، وحتى صدور ترجمتين فى مصر لعمل واحد، وهذا غريب.

 تركزت ترجماتك فى أغلبها على أعمال المشاهير كلوركا ورامبو ونيرودا وهمنجواى، والتى ترجمت أكثر من مرة للعربية، فى رأيك ترجمة عمل ترجم أكثر من مرة أهم أم ترجمة عمل جديد؟

 أنا ضد إعادة ترجمة أعمال سبق ترجمتها وإصدارها، إلا فى حالتين: الأعمال الكلاسية الإبداعية التى تحتمل الترجمات المتعددة، كأعمال شكسبير وويتمان وجيتة ورامبو، وخصوصا الأعمال الشعرية ؛ ثم الترجمات التى ثبت نقصها أو خيانتها للنص أو تشويه النص. فالأفضل هو العمل على وضع قائمة بيانات بالكتب المهمة التى يجب ترجمتها، ثم تعمل جهات الترجمة فى الوطن العربى على إصدارها دون تكرار لتوفير الجهد والوقت. وأبين أننى لم أقْدم على ترجمة عمل ما وأنا أعلم أنه قد تمت ترجمته من قبل، اللهم إلا قصيدة "السفينة النشوى" لرامبو. وأذكر أننى أكملت ترجمة مسرحية "المنفيون" لجويس ورواية "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، ثم أهملت نشرهما لأنهما نشرا بعد أن انتهيت منهما بترجمات آخرين.

 

  عشت بعيدًا عن وطنك فى الأغلب، فى أمريكا وفرنسا وأسبانيا، هل كان ذلك عن هوى نفسك أم ماذا؟

  كلا، بالمرة. ذهبت إلى مدريد عقب امتحان لاختيار الملحقين الثقافيين للعمل بالمكاتب والمراكز الثقافية المصرية بالخارج. وقبل عودتى إلى مصر من إسبانيا، تعرفت على زوجتى، وشاء القدر أن تكون فرنسية! ولما كنت أعلم بصعوبة الزواج من أجنبية والعيش معها فى مصر، آثرت أن أضحى أنا - رغم موافقتها على الحياة فى مصر - وانتظرت حتى جاءتنى وظيفة المترجم بالأمانة العامة فى نيويورك، فتزوجنا هنا وما زلنا فى نيويورك، وإن كان هواى فى القاهرة وباريس.

 

  هل لتجربة الغربة أو الاغتراب ثمن دفعته فى الشهرة والتواجد كمترجم وكاتب شهير فى مصر؟

  لا شك أن وجود الكاتب فى وطنه يعمل على الدفع باسمه وأعماله بإسهاماته فى تسويقها. ولكنى منذ البداية سعيت إلى تحقيق ذاتى وإخراج الكتب التى حلمت بترجمتها أو تأليفها، ولم أسع الى ما وراء ذلك. ..

 

 أخيرا ما الجديد لديك؟

  كنت أُقدّر أن "الفتوحات الباريسية" هى آخر ما سوف أخط، نظرا لدواعى السن والصحة. ولكن كما قال لى أصدقائى، تستمر الكتابة إلى آخر نَفَس، فأنا أسعى الآن إلى ترجمة عمل قصير عن أهمية الترجمة تأليف الأمريكية إديث جروسمان، بعد أن تنحيتُ عن ترجمة العمل الإسبانى الضخم "كتاب الحب المحمود" لمؤلفه رئيس أساقفة هيتا، تاركا إياه لأصدقائى من الشباب القادرين على دخول معترك تلك الأعمال الطويلة الضخمة.

  







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة