ومن الواضح أيضاً أنه منذ القرن الماضى تلعب الولايات المتحدة أو على الأقل تريد أن تلعب دور الأخ الأكبر لمعظم الدول، ما يجعلها قادرة على حماية مصالحها فى مختلف أنحاء العالم، كما يجعل لها دورا فى تحديد علاقات الدول بعضها ببعض، ولا شك أنه خلال السنوات والشهور بل والأيام القليلة الماضية فإن مواقف الولايات المتحدة من الأحداث العالمية التى تبدو وكأنها أمر خارجى للأمريكان تؤدى إلى إعماء الداخل عن تلك المواقف، لكنهم تدخلوا فيها بشكل مباشر عن طريق دور الأخ الأكبر أو كبير العائلة أو إن صح التعبير عمدة العالم.
وجدنا الولايات المتحدة تعضض ثورة ٢٥ يناير فى مصر وتساعد فى الإطاحة بمبارك ونظامه، خاصة بعد خطاب أوباما الشهير "الآن يعنى الآن"، وبهذه الجملة كان يقصد تنحى مبارك بعدما استطاع مبارك السيطرة على الموقف ووعد بتسليم السلطة بشكل سلمى بعد ٦ أشهر، كما رأينا دور الولايات المتحدة فى وصول الإخوان للاتحادية وحكم مصر، الشىء الذى لم يكونوا يحلمون به، أما موقفهم من ثوره ٣٠ يونيو فلن أستطرد فيه كثيرا لأن الجميع يعلم كم كان الهجوم العنيف من الإدارة الأمريكية على رغبة وإرادة الشعب المصرى فى الإطاحة بالجماعة التى كادت تودى بمصر إلى الهلاك والانهيار.
وأخيرا موقف الولايات المتحدة من الانقلاب العسكرى فى تركيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكيف أنقذت طائرات الإف ١٦ نظام أردوغان من الانهيار بعدما أرسلتها الإدارة الأمريكية من قاعدتها العسكرية فى تركيا للهجوم على طائرات الجيش التركى الذى أحكم السيطرة على الأماكن المهمة من العاصمة، وأهما المطار الدولى ومنع طائرة أردوغان من الهبوط فى مطار أتاتورك بإسطنبول.
الغريب هو التغيير الجزرى فى ساعات قليلة من عدم قدرة أردوغان للهبوط فى مطار العاصمة أو حتى التحدث فى مداخلة تليفزيونية، واللجوء لتطبيق الـFaceTime للتحدث مع إحدى القنوات الخاصة، إلى إعلان فشل الانقلاب، فلأجل تلك الأسباب السابقة والكثير التى لم أذكرها، يجب علينا الاهتمام بمن سوف يحكم الولايات المتحده على الأقل فى الأربع سنوات المقبلة، إن لم يكن الثمانية سنين لطول مدتى الرئاسة المسموح بهما، فمن الملاحظ أن الشعب الأمريكى فى موقف لا يحسد عليه، لأنه مطلوب منهم أن يختاروا بين أسوأ خيارين من وجهه نظرهم، فسوف أذكر مزايا وعيوب كلا المرشحين حتى يتثنى للقارئ معرفة ما يدور فى الداخل الأمريكى.
سوف أبدا بالمرأة حسب الذوق الذى تعودنا عليه "ladies first" وللأسف هذا كارت قد استخدمته المرشحة الرسمية عن الحرب الديمقراطى هيلارى كلينتون التى تم ترشيحها الخميس الماضى من الحزب الديمقراطى للترشح بالنيابة عن الحزب فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى نوفمير 2016، وهيلارى تعد سياسية ذات خبرة كبيرة نظرا لموافقتها لزوجها خلال رئاسته للولايات المتحدة سابقا، كما خدمت كلينتون كسيناتور عن ولاية نيويورك ثم رشحت نفسها للرئاسة فى تنافس حاد أمام باراك أوباما الذى انتهت بالانسحاب وتدعيمها للأخير فى حملته الانتخابية، ونذكر اللقاء الذى تم بينهم ولم يعلن ما دار فيه لكن بانسحاب هيلارى ذلك الوقت وتدعيم أوباما لها الآن بتلك القوة أوضح طبيعة ذلك الاجتماع، والصفقة التى تمت بينهما فى ذلك الوقت، حيث تم اختيارها وزيرة الخارجية، لا شك فى أن كلينتون لها خبرة كبيرة فى التعامل مع الملف الخارجى بعض النظر على الاتفاق أو الاعتراض على ما فعلته فى الشرق الأوسط.
أيضا من مميزات هيلارى كلينتون هى مبادئ حزبها الديمقراطى وهى المساواة والعدالة الاجتماعية وعدم التفرقة العنصرية ومحاربة الرأسمالية، مما تعد مبادئ ضرورية للطبقه الفقيرة، ومن الواضح فور فوز كلينتون بالرئاسة فسوف تتبع نفس سياسة الإدارة الحالية، ما يعنى تعضيد أكثر لجماعة الإخوان، ومحاوله عرقلة مصر فى النهوض والخروج من المرحلة العصبية التى تمر بها، كما يعنى توطيد العلاقة مع إيران وتمكين إيران من الاستمرار فى تصنيع الإسلام النووى، ما يعد خطرا كبيرا على دول الخليج والشرق الأوسط، كما سوف يؤدى فوزها إلى البقاء على التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش المسئولة عن تواجده وقوته الإدارة الإمريكية الحالية وعلى رأسها الرئيس باراك أوباما، المتهم من العديد من القوى السياسية الأمريكية والعالمين بالتخازل فى الحرب على هذا التنظيم، كما أنه متهم بدعمه للجماعات المتطرفة بشكل غير مباشر عن طريق عرقلته للقانون المطروح فى الكونجرس الأمريكى لإدراج جماعة الآخوان كجماعة إرهابية فى الولايات المتحدة الأمريكية، كما نذكر أيضا تدعيم كلينتون غير المسبوق لمحمد بديع مرشد الإخوان حيث اجتمعت بهم العديد من المرات بعد نجاح ثورة ٢٥ يناير وتمكينهم من اختطافها لصالحهم والوصول إلى كرسى السلطة فى مصر .
وقد أثارت قضيه البريد الإلكترونى الخاص بهيلارى كلينتون وكذبها المستمر لمحاولة إخفائها حقيقة استخدام هذا البريد الخاص للتواصل مع جماعات، وأشخاص لم تستطع التحدث معهم عبر بريدها الرسمى، مما يضع علامات استفهام كثيرة على محتويات تلك الرسائل التى تم مسحها تماما، وأخيرا تورطها فى مقتل السفير الأمريكى فى ليبيا كريس ستيفين والثلاثة ظباط المارينز فى هجوم بنغازى الشهير، الذى اتهمت فيه كلينتون بالتخازل والإهمال فى تأمين السفارة الأمريكية فى بنغازى رغم المحاولات العديدة التى قام بها السفير الأمريكى لتحذير الخارجية الأمريكية مما أدى إلى كارثة حقيقية ووصمة عار فى السيرة الذاتية لهيلارى كلينتون .
أما الحديث عن دونالد ترامب هو حديث ملىء بالمواقف المتخبطة فهو المرشح الرئاسى الرسمى عن الحزب الجمهورى، حيث تم إعلان هذا رسميا فى شهر يوليو الماضى بعد حصوله على دعم كبر عدد من نواب الحزب الجمهورى، ودعونى أتحدث عن عيوب ترامب قبل مميزاته، تعد تصاريح ترامب الغريبة وغير المسئولة هى أكبر عائق له فى الحصول على دعم الكثير من المواطنين الأمريكيين بغض النظر عن مرجعيتهم الحزبية، فمنذ ترشح دونالد ترامب وتصريحاته الصبيانية وغير المسئولة أحيانا أدت إلى نفور العديد من رجال الحزب الجمهورى، ما سوف يحتمل أن يؤدى إلى تقاعس أعضاء الحزب الجمهورى عن الإدلاء بأصواتهم لصالح مرشح الحزب دونالد ترامب.
لكن من المحتمل أن يعصر الأمريكان الليمون لاختيار ترامب عن هيلارى كلينتون نظرا لوضوح ترامب ووضوح أهدافه، خاصة بعد وعوده فى محاربة داعش واستعادة قوة الاقتصاد الأمريكى واسترداد الوظائف لأهل البلد دونا عن الأجانب، ووقف نزيف التعليم والتأمين الصحى لغير المواطنين ودفع الأموال الشهرية للعاطلين، ما أدى إلى زيادة ضرائب الطبقة العاملة والكادحة.
فمن المتوقع فور فوز ترامب أن تقوى العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها بعد توترها بسبب سياسة الإدارة الأمريكية الحالية، فيما يتوقع المحللون السياسيون أن يتم عرقلة التخالف مع إيران، وأن يتم ترميم الصدع بين روسيا والولايات المتحدة أو على الأقل التحالف المؤقت للحرب على الإرهاب، ومن أهم مميزات ترامب هو نجاحه فى تكوين إمبراطورية عقارية من أنجح الشركات فى العالم، مما يعطى إشارة إلى احتمالية ارتفاع الاقتصاد الأمريكى إن تم اختيار ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية .
موضوعات متعلقة..
مايكل مورجان: كلينتون وأوباما لا يجيدان سوى الخطب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة