تمردت يسرا على شخصية البطلة الطيبة المثالية التى أغرقتنا بها طوال السنوات الماضية، وقدمت شخصية "رحمة" خبيرة التنمية البشرية التى تعانى من اضطرابات نفسية تدمر حياة كل من حولها فى مسلسل كبير كتب له السيناريو اثنان من الكتاب الشباب، هما أمين جمال وعبد الله حسن، وكتب حواره الشاب أيضا محمد رجاء، وأخرجه هانى خليفة فى توليفة شبابية راهنت عليها يسرا وكسبت الرهان بل واحتلت مراكز متقدمة جدا فى سباقات الأكثر مشاهدة.
عمد المؤلف إلى تقديم تحليل اجتماعى ونفسى عن حياة سكان الكومبوندات تلك العلب المغلقة على ساكنيها الأثرياء، حيث الزيف والنفاق والعلاقات الاجتماعية المشوهة، ومنذ المشهد الأول فى العمل تظهر شيرين رضا وهى تعلن خلاف ما تبطن حيث تهنئ يسرا باختيارها ضمن المعينين لمجلس النواب ولا تتوقف عن النميمة مع سكان الكومبوند الآخرين.
وتيرة المسلسل المتسارعة وخيوط سرده المشدودة تعجل من حدوث جريمة مصرع الدكتور جلال، التى تصبح العقدة فى القصة ويسعى كل أبطال العمل لحلها وسط مكائد "رحمة" مرتكبة الجريمة التى لا يشكك فيها أحد لأنها فوق مستوى الشبهات.
نجح المسلسل فى تجاوز كبوة "نيللى كريم" فى سقوط حر حيث انجرت النجمة الشابة إلى قضية المرض النفسى للعالم الثالث على التوالى وقدمت جرعات مكثفة من الحزن المركز لا يحتملها المشاهد المصرى، كذلك تمكن المسلسل من عبور فكرة الأكشن والجريمة إلى مناطق إنسانية نافذة فى علاقات الأبطال والشخصيات ومصائرهم بدلا من أن متابعة مطاردات الشرطة والمجرمين وما تكتبه الصحافة عن ذلك وهى كلها اكلشيهات محفوظة ورتيبة فى الدراما المصرية وغيرها.
تعبر "رحمة" عن عقدها النفسية بالمحو، فهى لا تفكر فى إيذاء الآخرين بقدر ما تقرر محوهم تمامًا، كأن تمنح شقيقتها أدوية نفسية تجعلها غير قادرة على الحركة أو الكلام، وتتخلص من زوجها بتدبير قضية والزج به فى السجن، وكذلك تفعل بأخيها الذى يضطر لمغادرة البلاد بسبب الديون، وتطيح بصديقتها وجارتها "إنجى" وتورطها فى جريمة قتل وهكذا، دون أن يكتشف أحد السر وراء كلامها المنمق حول السعادة والتفاؤل وثباتها الانفعالى الكبير وقدرتها على التزييف.
يتعرض المسلسل أيضًا لطبيعة العلاقات الزوجية، ومدى رضا المرأة عن حياتها الجنسية مع زوجها، فتشكو اثنين من نساء المسلسل من غياب السعادة فى علاقتهما بأزواجهما، وعدم الانسجام الجسدى وذلك فى حديث للطبيب النفسى لا يعرفه الزوج، تضطر الزوجة غير الراضية إلى خيانة زوجها تحت ضغط هذه الاحتياجات وهى قضايا لم تكن الدراما تتطرق لها من قبل ولكنها تؤكد أن مشاكل المرأة المصرية واحدة لا تفرق بين سيدة مجتمع فى كومباوند وعاملة فى الريف فالصمت واحد والأوجاع مشتركة.
نجح "هانى خليفة" فى توظيف واختيار الممثل الملائم لكل دور، مراد مكرم ينجح فى دور "أحمد" الزوج النمطى الموظف الذى لا يعرف سوى توجيهات أمه وطريقه من البنك إلى البيت وعنايته بأسرته، حتى إنه لا يهتم بجسده البدين ولا يهندم ملابسه وهى كلها تفاصيل تصب لصالح الصورة العامة لمن هم مثله من الأزواج، أما أحمد حاتم الذى يلعب دور "عمر" شاب مستهتر متعدد العلاقات النسائية وهارب من أحكام قضائية يعلق صوره على الحائط وكأن المخرج يريد أن يشير إلى احتفائه بوسامته التى يوقع بها النساء، ومن ثم فإن علاقته بدينا زوجة أحمد متوقعة ضمن السياق الدرامى الذى رسمه المخرج للشخصية،كذلك فإن نبوغ سيد رجب أو عز رجل الأعمال ذو الأصول الشعبية الذى يحب رحمة رغم ما فعلته به، ليس جديدا على ممثل مسرحى متمكن من أدواته يلفت النظر إليه كل عام.
أما نساء الشبهات، أهمهم شيرين رضا التى استعادت اناقتها وشبابها فى هذا العمل، وقدمت دور "إنجى" بشكل لافت، زوجة ساذجة وثرية تنشغل بالنميمة ومن ثم تصبح عرضة لفخ جارتها "رحمة" التى تدبر لها مكيدة وتنتهى بمحاولة قتلها.
وهناك "دينا" التى لعبت دورها "نجلاء بدر" زوجة خائنة تعمد إلى الانتحار كى تخبئ فضيحتها بعد مقتل الطبيب النفسى وظهور تسجيلات جلساته فى المعمل الجنائى، وقد نجحت "نجلاء" فى لعب هذا الدور لولا إنها ظهرت فى العناية المركزة برموش اصطناعية ومكياج كامل تمسكا منها بالحفاظ على مظهرها بما لا يتناسب مع طبيعة المشهد.
كذلك فإن ناردين فرج مذيعة برنامج et بالعربى، خاضت دور مريم مذيعة الراديو وهو دور غير بعيد عن ناردين التى كانت مذيعة بالراديو قبل أن تتجه إلى التلفزيون وهى الشخصية السوية الوحيدة فى عالم الشبهات.
سيظل المشاهد يذكر "يسرا" بدور رحمة حليم لفترة طويلة قبل أن تنسيه النجمة بأعمالها اللافتة اسمها بدور جديد تقدم فيه ما قدمته فى عملها الفريد "فوق مستوى الشبهات".
موضوعات متعلقة:
شارك باستفتاء "اليوم السابع" لاختيار أفضل ممثلة فى دراما رمضان
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة