تركيا.. ماذا حدث وإلى أين تتجه؟.. الدولة أمام مفصل تاريخى يحدد مصيرها لعقود.. المجتمع يواجه صراع هوية حاسم.. استغلال أردوغان فشل الانقلاب لإقصاء الجميع يحول انتصاره إلى مقبرة سياسية مستقبلا

الإثنين، 25 يوليو 2016 07:24 م
تركيا.. ماذا حدث وإلى أين تتجه؟.. الدولة أمام مفصل تاريخى يحدد مصيرها لعقود.. المجتمع يواجه صراع هوية حاسم.. استغلال أردوغان فشل الانقلاب لإقصاء الجميع يحول انتصاره إلى مقبرة سياسية مستقبلا رجب طيب أردوغان
تحليل يكتبه عمرو جودة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى حياة الأمم لحظات مفصلية تحدد مستقبل مصيرها لعقود، وفى التاريخ المصرى الحديث، مثلا، هناك لحظات مفصلية حسمت مساره وغيرته بزاوية حادة وفى عمق الأمة، مثل نهضة محمد على التى تلت الحملة الفرنسية، وثورة عرابى والاحتلال الإنجليزى مرورا بثورة 1919، ثم رسخت أركان الدولة ـ وحتى الآن ـ بثورة يوليو وزعامة ناصر، ثم انعكس المنحى بعد ردة ونكوص المجتمع إثر هزيمة 67، تماما فى تركيا أيضا لحظات مفصلية مثل تلك التى ذكرتها، ولكى نفهمها لابد أن نتتبع مسار التاريخ بداية من قيام الدولة العثمانية وحتى نهايتها على يد أتاتورك، ثم محاولة إحيائها مرة أخرى على يد أردوغان الذى بلغ أوج نجاحه بعد فشل الإنقلاب الأخير.

دراما "انقلاب الست ساعات"


وفى الواقع تعد الدراما الغامضة لـ"انقلاب الست ساعات"، وما تلاها من نتائج مفاجئة وحادة وصادمة، لحظة مفصلية فى تاريخ الأمة التركية ستحدد مصيرها لعقود، ولكن"ماذا حدث وكيف ولماذا؟.. أسئلة أزعم إنه لا يوجد أحد يستطيع أن يجزم بامتلاكه إجابة كاملة ومقنعة وشافية عنها فى ضوء المعلومات والتتابعات وردود الأفعال الداخلية والخارجية المتناقلة عبر وسائل الإعلام.. هل كان فعلا انقلابا فاشلا دبره قادة فاشلون وجاهلون لدرجة أنهم لم يدركوا أن زمن "الانقلابات الصلبة" انتهى حتى فى الدول التى احتكرتها مثل دول إفريقيا، وأن نجاح أى تحرك سياسى داخلى للجيوش لابد أن يسبقه تحرك واسع للجماهير فى الشوارع لتكون سنده الشرعى فى مواجهة تحدياته، ناهيك عن أن الطريقة التى تم تنفيذ هذا الانقلاب بها شديدة الغباء لدرجة جعلت الكثيرين يعتقدون أن ما حدث مجرد تمثيلية أراد بها أردوغان تشديد سلطاته وترسيخ مشروعه، لمواجه إشكاليات كبيرة تعرض لها مؤخرا نتجت عن "الحادث الكبير" بعد إسقاط الطائرة الروسية والذى انتهى باعتذار تركى إلى روسيا، ثم "تطبيع العلاقات مع إسرائيل" وأثر ذلك على مصداقية أردوغان وقوته داخليا وخارجيا.

ومثل غيرى لا أستطيع تقديم إجابة شافية عن تلك الأسئلة الصعبة فى ظل طوفان من الألغاز يدور كموجة مغناطيسية حول ما حدث، ولكننا فى ضوء القرارات التى اتخذها أردوغان بعد ما حدث، وأقصى بها كل من خارج معسكره وإعلانه نفسه ديكتاتورا جديدا، يمكننا أن نستشرف إلى أين تتجه تركيا فى هذا المفصل التاريخى .

الداخل.. صراع هوية ورهان على قومية جوفاء ومجد منقض


المؤكد على سبيل القطع واليقين أن أردوغان استطاع خلال الأيام القليلة الماضية توجيه أكبر ضربة وجهت للهوية التركية العلمانية الأتاتوركية منذ نشأتها، وأسس قاعدة واسعة لهوية أردوغانية إسلامية – عثمانية جديدة.. ولكن السؤال هنا، هل سيستمر هذا النجاح؟؟ هل سيتقبل المجتمع التركى هذه الهوية حادة الإنعكاس، ويتخلى ببساطة عن قيمه الليبرالية التى يمارسها منذ عقود ويخنع لسيطرة فرد لا شريك له؟.. أعتقد أن المجتمع التركى على درجة كبيرة من التطور والتعددية تجعل استمرار نجاح أردوغان مستحيلا مستقبلا، بل إنى أكاد أرى نهاية أردوغان فى الأفق قادمة لا محالة وسقوطه سيكون سريعا ودراميا ومفاجئا.

إن قوة أردوغان الداخلية تتلخص فى نقطتين، الأولى نهضته الاقتصادية التى حققها خلال السنوات الأولى من حكمه، وهذه النهضة اندحرت وأصبحت فى طور التجمد، وقريبا سينظر لها كأطلال مجد منقض، والثانية هو مشروعه القومى العثمانى الذى استطاع به جمع القوميين من خارج معسكره الإسلامى حوله، ولكن هذا المشروع الذى بلغ أوجه فى المنطقة بعد صعود التيارات الإسلامية عقب الربيع العربى، انتهى بالسقوط المدوى لجماعة الإخوان فى مصر، أى أن أردوغان فى واقع الأمر لا يستند إلا على ماض منقض، ومن يفعل ذلك فلا مستقبل له حتى وأن كان حاضره مزدهرا.

إن الشعب التركى الآن فى مرحلة "السكرة"، وهذه المرحلة لن تستمر طويلا، وقريبا سيدخل الشعب مرحلة الإفاقة، ولحظتها سيجد أردوغان نفسه، ليس فى مواجهة جيش جريح منتهك فقط، وإنما فى مواجهة جميع أطياف الشعب التركى _ بمن فيهم الأضاض _ بعدما سحقتهم قراراته الدكتاتورية الأخيرة، الأمر الذى سيحول انتصاره الآنى الكبير إلى مقبرة سياسية حتمية.

صراع الخارج.. عهر الرقص على السلالم بين الشرق والغرب


لكى نفهم الدور الخارجى لتركيا بشكل عام، لابد أن ننظر لموقعها على الخريطة كنقطة التقاء وصراع فى الوقت ذاته بين الشرق والغرب، وخلال العقود التى تلت الحرب العالمية الثانية كانت تركيا شوكة الغرب فى خاصرة الاتحاد السوفيتى خلال الحرب الباردة، وروسيا خلال المرحلة الراهنة، والإشكالية هنا أن الغرب يحتاج تركيا للقيام بهذا الدور، ولهذا انضمت لحف الناتو دون تقبل الأتراك كجزء من نسيج المجتمع الأوروبى .

وبعد ما حدث المؤكد أن شرخا ما حدث بين تركيا وأمريكا، ويلوح فى الأفق خلافا مع الاتحاد الأوروبى سيتحول قريبا إلى صراع، فى حين أننا نجد ما يبدو "توافقا" مع روسيا المستفيدة الكبرى إذا استطاعت أن تكسر هذا الارتباط السياسى العسكرى بين تركيا والغرب، الأمر الذى ينزع شوكة حادة طالما آلمت خاصرة الروس.. هذا هو الموقف "التكتيكى الروسى المتغر" تجاه تركيا وهو عكس الموقف "الإستراتيجى الثابت" لموسكو التى تعتبر – بعد تجربتين مريرتين فى أفغانستان والشيشان - الإسلام السياسى كله إرهابيا ولا تعترف بوجود تيار إسلامى سياسى معتدل، وما يفعله الداهية بوتين الآن هو إرخاء الحبل لأردوغان للمضى قدما فى طريقه نحو فصل الارتباط مع الغرب دون أن يدرى أنه بذلك يشد الحبل حول رقبته.

وفى الإطار الإقليمى الذى يعول عليه أردوغان لتمديد مشروعه القومى العثمانى الإسلامى، فأغلب دول الإقليم ترفض التمدد القومى التركى باستثناء بعض دول الخليج، لذلك هو مجال ضيق للغاية لن يجعل منها قائدا للدول الإسلامية كما يطمح أردوغان، وفى ذات الوقت لن يعوضها عن الخسائر الفادحة التى ستنتج عن انفصال – أو على الأقل اهتزاز - ارتباط تركيا بالغرب.

مما سبق أستطيع أن أجزم أن أردوغان بقراراته المستبدة يذبح النصر الكبير الذى حققه بعد فشل الإنقلاب، إلا فى حالة واحدة وهى أن يترك أردوغان السلطة طواعية لجيل جديد يكمل ما بدأه، ولحظتها ستتحول الأردوغانية الجديدة لهوية قد تحكم تركيا لعقدين من الزمان، ولكن ما فعله الرجل خلال الأيام الماضية يؤكد أنه طاغية ارتكب كل الموبقات التى كان هو ذاته ينتقدها فى الدول الأخرى، وأنه ولن يتخلى أبدا عن شهوة السلطة التى تحرقه من الداخل.. إننا أمام رجل يبحث عن مجده الشخصى مستغلا شعارات دينية وقومية جوفاء، والتاريخ علمنا أن هؤلاء الفاشيين سيقسطون لا محالة مهما طال الزمان، ولكنه لن يطول فى حالة أردوغان وأعتقد أنه لن يستمر أكثر من عام .


موضوعات متعلقة


- تايم الأمريكية: قلق حقوقى من إعلان حالة الطوارئ فى تركيا.. أردوغان سيستغل محاولة الانقلاب للانتقام من المعارضة.. مسئول منظمة العفو: ممارسات الحكومات التركية تعسفية والطوارئ أنهت حالة التوافق الوطنى











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

م. عمار فراج

نهاية قريبة إن شاء الله

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة