لا شك فى أن حزمة القرارات التى اتخذها مجلس الوزراء المصرى بدعم السينما المصرية، ومنها ضخ حوالى 200 مليون جنيه ما بين قروض ميسرة ومنح هو قرار حكيم يدل على وعى هذا المجلس بحساسية هذا الفن وعمق تأثيره، وقد كتبت فور الإعلان عن هذا القرار مشيدا به ومؤكدا أن الكرة الآن أصبحت فى ملعب الفنانين، فهل نستغل هذا الدعم الاستغلال الأمثل؟
للأسف نحن غرقنا فى «سينما العشوائيات» بعد انكسار موجة «سينما المنتجعات السياحية»، وأصبحت حياتنا بين نقيضين، ما بين طبقة فارغة من المعنى أكبر إنجازاتها «تظبيط امرأة» وطبقة أخرى محطمة بالفقر والجهل والمخدرات تعيش فى قضيتها الخاصة، وسط بطولاتها الخاصة، والتى تتلخص قيمها فى الانتقام من المجتمع الظالم أو الانتقال المفاجئ من التوكتوك إلى المرسيدس، وما بين هاتين الصورتين يضيع المجتمع المصرى بتنوعه وتحولاته، وتضمحل صورة المصرى وتتسطح، فبعد أن كان المصرى فى الأفلام مهندسا أو طبيبا أو أديبا أو سياسيا، أصبح المصرى فى الأفلام تافها أو مدمنا أو تاجر مخدرات أو بلطجيا. نحن نشكو من تدهور صورة المصرى الذهنية فى العالم العربى، لكننا فى الحقيقة نسهم فى تدهور هذه الصورة بالسينما والمسرح والتليفزيون، وهو ما نأمل أن نتخلص منه فى المرحلة المقبلة، مستغلين هذه الدفعة القوية من الحكومة المصرية، فللأسف نحن نهدر عشرات القصص الحقيقية ونهدر التفوق الروائى المصرى ونهدر طاقات تمثيلية جبارة فى تلك السينما التى لا تخاطب إلا النصف الأسفل من الوعى والنصف الأسفل من الجسد، ثم نتعجب من تدنى مستوى الذوق والمعرفة.
للأسف تغيب القيمة الحقيقية عن إنتاجنا السينمائى، ففى الوقت الذى تصنع فيه السينما العالمية عشرات الأفلام الجذابة عن الآثار واللوحات الفنية والسير الأدبية لكبار المشاهير والناجحين، مخاطبة الروح والقلب والخيال لا نهتم نحن سوى بالسيرة الذاتية لصبرى نخنوخ، ناهيك عن النفى القصرى لجميع قطاعات مصر وأقاليمها عن شاشة السينما كما لو كانت الكاميرات ستعطب والنجوم سيحمضون إن صوروا قصة فى كفر الشيخ أو بنى سويف أو المنيا.
مرة أخرى أقول إن السينما سلاح، وإنى لأرجو أن ينتبه الجميع إلى هذا السلاح الفعال وأن نحسن استثمار الفرصة المتاحة الآن وأن نضع فى حسباننا أن مصر بها تنوع جغرافى كبير يجب أن يجد له نصيبا على شاشة السينما، وأن لدينا عشرات الروايات التى تتناول حياة المصريين فى الدلتا وسيناء والبحر الأحمر والواحات والنوبة، ويجب أن ترعى الدولة تمثيل هذا التنوع الجغرافى فى أعمال درامية جذابة لنكسر قفص الغربة الزجاجى بين المصريين والمصريين، وتصبح السينما ذات قيمة حقيقية تضيف إلينا ولا تخصم من رصيدنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة