بدون سابق إنذار تذكرت فجأة شخصيتى "الكحيتى" وعزيز بيه الأليط، اللتين ابتكرهما الساخر أحمد رجب والفنان مصطفى حسين للدلالة على أن المصريين فيهم عرق فشخرة وفنجرة حتى ولو كانوا على الحديدة.. تذكرتهما وأنا أقرأ خبر قيام الحكومة بمضاعفة الدعم الذى تقدمه للسينما من 20 مليون جنيه إلى 50 مليون جنيه!
قد يتهمنى البعض بالجهل والتخلف وعدم الإيمان بالقوة الناعمة لمصر؛ والتى لا تقل أهمية عن أى قوة أخرى؛ والتى تعكس الصورة الحضارية لمصر صاحبة حضارة السبعتلاف سنة.
وقد يتهمنى البعض بإنى "دقة قديمة".. فالخمسين مليون ملطوش مابيكفوش دلوقت عيش من غير غموس.. فالواحد مننا بيدخل السوبر ماركت بالخمسين مليون جنيه بيخرج ومعاه ربع بسطرمة وربع حلاوة طحينية وعشر بيضات وملبساية بقية الحساب!!
وكل ده كلام جميل وأقبله على عينى وراسى، لكن ما لا أقبله أبدًا أن تدعم الحكومة ولو بمليم أحمر واحد سينما تحرض على العنف والكراهية وتنشر التفاهة والبلاهة بين أفراد الشعب من عينة تتح وهاتولى راجل وسامى أكسيد الكربون وقلب الأسد وإبراهيم الأبيض وعبد العزيز الأسود.. وغيرها وغيرها.
بالمناسبة عبد العزيز الأسود ده اسم فيلم من خيالى لكن مش بعيد يعمله منتجو البتلو والكندوز وسوق الكانتو ووكالة البلح!
والنكتة أنه حتى هذا الدعم الذى توجهه الحكومة للسينما يتسرب ولا يصل لمستحقيه؛ فبعض منتجى الفشة والكرشة والكلاوى تفتق ذهن حضراتهم الكندوز إلى الضحك على الحكومة بتقديم ميزانية وهمية ضخمة ومبالغ فيها للفيلم الذين يعتزمون "طبخه".. آسف قصدى إنتاجه.. وبعد أن يحصلوا على الدعم الحكومى المعتبر ينتجون الفيلم بميزانية أقل من مبلغ الدعم ويضربون باقى المبلغ فى "كروشهم".. عفوًا قصدى فى جيوبهم.. وبذلك ينتجون أفلامًا ببلاش بل ويسطون على فلوس الحكومة حتى قبل أن يظهر الفيلم للنور!
وبالمناسبة هذه "النصاباية" يعرفها كل الذين يعملون فى مجال السينما.. أما الحكومة فهى كالزوج آخر من يعلم!
وفى تقديرى أن هذه المهزلة لابد أن تتوقف على الأقل حفاظًا على مشاعر "مهدودى" الدخل المطحونين والفئات الأولى بالرعاية فى هذا البلد، كالأرامل والأيتام وأصحاب المعاشات الذين أصبحوا على الحديدة بل إن بعضهم باع الحديدة من زمااااان!
كما أن هذه المهزلة يجب أن تتوقف ولو من باب صدق الحكومة مع نفسها ومع الشعب؛ فمن غير المعقول أنه فى الوقت الذى تروج فيه لفكرة أنه يجب إلغاء الدعم؛ لأنه يكلف خزانة الدولة الكثير ويؤدى إلى تفاقم عجز الموازنة العامة؛ بل ويزيد من عبء الديون الداخلية التى وصلت لمستويات غير مسبوقة؛ وأنه يجب على الشعب أن يتفهم طبيعة المأزق الذى تعانى منه الحكومة بسبب الدعم وبلاوى الدعم.. ناهيك عن أن فكرة الدعم فى حد ذاتها عفا عليها الزمن وأصبحت فى ذمة التاريخ.. فى الوقت الذى تروج فيه لكل هذا نجدها تدعم السينما بل وتضاعفها بمقدار مرة ونصف!
وبالمناسبة القضية لا تتعلق أبدًا بحجم هذا الدعم كبيرًا كان أم صغيرًا، لكنها تتعلق بالفكر الذى تدير به الحكومة هذا البلد.. فكر يضيق على الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى كل سبل الحياة الكريمة.. فى الوقت الذى يدعم فيه سينما العنف والتفاهة والهيافة وتسطيح الفكر.
إن الأمثال الشعبية؛ والتى هى نتاج خبرة عشرات بل مئات السنين، تلخص نصيحة أهديها لحكومتنا الموقرة وهى: "اللى يحتاجه البيت.. يحرم على...." وأعتقد أننى وأنتم والحكومة من قبلنا ومن بعدنا تعرف باقى المثل.. ربنا يجعل كلامنا خفيفا عليها!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة