أسرة كبيرة قررت أن تبنى عمارة تسكن فيها مع أولادها وأحفادها وعهدوا بمهمة البناء والإدارة إلى كبيرهم.
حفروا الأرض ووضعوا الأساس الصلب، وبدأوا فى بناء الأدوار دورا تلو الآخر إلى أن ارتفع البناء وظهرت العمارة واضحة وشامخة للجميع مبنية على أساس صلب يمكن ملاكها من زيادة ارتفاع الأدوار كى تسع أجيالا مقبلة من أبنائهم وأحفادهم.
وبات الجميع يشعر بحجم هذا البناء وسرعة إنجازه ويلمسه حقيقة لاشك فيها ولا ينكرها إلا كل جاحد، لكن بدأ السكان يسألون كبيرهم: بأى لون سيتم طلاء واجهة العمارة؟ فكل واحد منهم يحب لونا وجميعهم يريدون الأفضل، كذلك منهم من يرى أن تكون العمارة كلها سكنية وبعضهم يريد أن يكون جزءا منها تجارية، ثم كيف ستوزع الشقق؟ هل نبدأ بالأكثر احتياجا؟ أم بالشباب أم بمتحدى الإعاقة؟ أم بكبار السن؟ وكيف سيتم جمع مصاريف الصيانة للعمارة وكيف سيتم إدارتها؟ اختلف السكان لأن لكل منهم ظروف حياته، وكل منهم يريد أحسن حالا لسكنه وسكن أولاده، ويبقى لكبيرهم الذى عهدت إليه المهمة أن يتصرف فى ضوء الإمكانيات المتاحة بعد إنجاز البناء، فليس كل أحلام السكان ممكن تنفيذها فى ضوء الواقع، وليس كل آرائهم صحيحة فهو الذى يجلس مع مهندسين البناء ويشرحون له ما يمكن عمله هندسيا، وكم من الوقت يحتاج، وما هو يصلح أولا كأولوية قبل أخرى وهو وحده الذى لديه مفتاح الخزينة التى بها أموال العائلة.
ثم يتخذ متولى الأمر القرار بحكم المسؤولية وبحكم قراءة المعطيات والإمكانيات الحقيقية البعيدة عن الأحلام التى غالبا ما تكون قاسية.
وبعد اتخاذ القرار تتوالى ردود أفعال السكان، فكل منهم كان يرغب أن تكون طلباته وأولوياته هى التى تنفذ، وهو أمر مستحيل فعله وإرضاء الجميع. فيبدأ أحدهم بالنقد، وآخر بارتفاع الصوت، وثالث بوضع لافتة على العمارة، وتزيد الحماسة لدى البعض ويحاول بحسن نية وبسوء تصرف أن يمنع العمال من استكمال البناء بالقوة أو يهدم جزءا مما أنجزوه.
هنا يأتى دور الكبير وقدره مرة أخرى، فكلهم أبناء عائلته وجميعهم بالنسبة له سواء، وعليه أن يتحملهم جميعا، ولكن وفى نفس الوقت لابد من إنجاز العمل، لأن الالتزام على عاتقه أمام الجميع، فمطلوب منه أن يرد على كل هؤلاء ويتعامل معهم.
المثال السابق ينطبق على الدولة المصرية الآن، فالأغلبية العظمى من أبناء هذا البلد عهدوا إلى الرئيس السيسى بناء الدولة الجديدة، وكل منهم له رأى فى أولويات البناء البعض يرى الصحة أولا ثم التعليم ثم البنية الأساسية والاستثمار، وآخرون يرون أن تسليح الجيش أولا، لأن ما لديهم من معطيات وقراءة للمشاهد تجعلهم أميل إلى تأمين بلادهم أولا قبل أن يستغل المتربصون الأمر لا قدر الله، ويهدموا ما يبنونه، وهنا لن يفيد بناء الداخل مادامت عجزت عن صد هجوم من الخارج، ولن تستطيع أن تبنى لك مكانة فى مفاوضات كثيرة وحجم قوتك لا يساوى أو يزيد على آخرين، وفريق آخر يرى أن المشروعات القومية العملاقة وخلق مجتمعات جديدة أمر له بعد معنوى فى إحساس المواطن بإنجاز ضخم وسريع عكس الخوض فى المشاكل المزمنة التى لا تحل فى يوم وليلة ولا يشعر بأثرها المواطن إلا بعد زمن طويل.
كل هذه الاختلافات وغيرها أمر طبيعى وكلها إيجابية إن كان حسن النية متوفرا، وأيضا حسن التصرف، فالهدف هو صالح هذا البلد وأبنائه، لكن وما نيل المطالب بالتمنى، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
قدر الرئيس وجزء مهم من الإدارة هو أن يشرح للمواطنين فقه الأولويات، ولماذا اخترنا البدء فى مشروع دون آخر؟ وما جدوى كل مشروع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا المعنوية، وقدره أيضا أن يتقبل بعض الآراء التى تنتقد للصالح العام دون أن تكون ملمة بكل معطيات الواقع، كما أن دوره وواجبه أن يمنع ولو بالقوة كل من يحاول تعطيل مهمة البناء، حتى وإن كان حسن النية وسيئ التصرف، فالشرح وتوصيل المعلومات للناس ومناقشتهم أمور واجبة تريح كثيرين.
قرأت بيانا صادرا عن المكتب الإعلامى لرئيس الجمهورية يزيد على أربعين صفحة، أتمنى أن يقرأها كل مواطن مصرى دون تعليق من كاتب أو تفسير من مقدم برنامج، فالبيان واضح وصريح ومنظم وبه ردود على معظم النقاط التى لا أعتقد أن كثيرا منا ملم بها، لأن التنمية والعمل خلال سنتين شملت مجالات كثيرة، وأحيى كل من عملوا على إخراج هذا البيان.
وأتمنى أن يصدر المكتب الإعلامى للسيد الرئيس بيانا شهريا عن حجم الإنجاز، ولديه لكثير الذى يمكن أن يقوله فى بيانه، حتى يكون لدى الإعلاميين والمواطنين رؤية شاملة لخريطة التنمية فى البلد.
وأتمنى أيضا أن يكون البيان به وصف للحالة التى كانت عليها الدولة فى كل مجال، وما أصبحت عليه، فمثلا كان لدينا عدد من الطرق فى 2013 ثم تضاعف فى 2016، وهكذا حتى يستطيع المواطن البسيط تقيييم حجم الإنجاز مقارنة بزمن عمله وطبيعته، فكرة البيان فى حد ذاتها رائعة وكافية عن أى شرح أو فلسفة من أى طرف، ومكتب الرئيس هو وحده الذى لديه فهرس المشاريع ولديه أيضا مسؤولية وأمانة نقل مجهود كل الوزراء إلى الشارع.
وبكل أمانة، حديث الرئيس التليفزيونى الأول لو تطرق إلى كل المحاور بتفاصيلها كما جاء فى بيان المكتب الإعلامى لكان أفضل كثيرا، مع تقييمى للحوار أنه جيد، أن التفاصيل التى مرت بها رئاسة الدولة فى كل المشاريع كثيرة جدا ومعقدة جدا حتى نصل إلى مرحلة الوزراء وكامل الوزير أمام الرئيس فى ساعة تذاع على الهواء لافتتاح أى مشروع.
نحتاج أن نعرف كيف تم الحفر، وكم تكلف، وكم الصعوبات، ثم ثمن شراء المعدات وساعات العمل، وما كانت تتكلفه هذه المشروعات فى الماضى وكم نكلفها الآن، ومن أين نأتى بالتمويل ولماذا اخترنا مشروعا دون الآخر؟
هذه الإدارة هى الأولى فى تاريخ مصر التى تفعل الكثير على الأرض لكن مازال ينقصها التسويق السياسى لحجم إنجازاتها، علما بأن أى خطأ من أخطائها يجيد كثيرون التسويق والترويج له داخليا وخارجيا.
خالد أبو بكر يكتب: بين مكتوب لا يقرأ ومقروء لا يفهم يضيع كثير من المعانى.. من مشاريع الدولة وأولويات اختيارها وجدواها إلى احتياجات المواطن.. تفاصيل تحتاج لشرح
الأربعاء، 08 يونيو 2016 04:38 م
خالد أبو بكر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
كلام سليم تماماُ
عدد الردود 0
بواسطة:
تيتو
احنا لسه فى الاول