هذا كله يحدث على الرغم من أن البيئة العامة كانت مهيأة لإحداث تطوير فى الأداء الإعلامى بنوعيه الحكومى والمستقل، وكان من المفترض أن يستغلها القائمون على المجال لتقديم محتوى مرضى لمتلقى الرسالة الإعلامية ويتماشى مع أجواء مفترض أن تحدث بعد الثورة، ولكن هناك مجموعة أسباب وقفت وراء تراجع الأداء الإعلامى خلال الفترة الحالية، وذلك من وجهة نظر عدد من الخبراء والأساتذة فى هذا المجال من بينها عدم حدوث تغييرات جذرية فى هيكل المؤسسات الإعلامية بشكل يتناسب مع المتطلبات الجديدة، ناهيك عن افتقاد بعض من تلك المؤسسات لقواعد المهنية مما أدى لتقديم محتويات عاجزة عن تشكيل وعى عام ناضج ومسئول.
مقدمو البرامج يقدمون آراءهم الشخصية كمعلومات
"كان من المفترض أن يسبق الإعلام المجتمع بخطوة ويقوده للأمام بدلا من جره عشرات الخطوات للخلف" بهذه الكلمات بدأت الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميد كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية سابقا، مضيفة أن قضية تحسين الأداء الإعلامى ليست مسؤولية القائمين على المجال فحسب، بل المجتمع بأكمله، لذا كان يتعين على اللجنة التى تم إعدادها من قبل للوصول إلى صيغة حوارية إعلامية جادة أن تعقد جلساتها بمشاركة عدد من الشخصيات الممثلة لكافة الفصائل المجتمعية.
الانفتاح التكنولوجى والاعتماد على الأساليب الحديثة وسائل جديدة من وجهة نظر عبد المجيد، يعتمد عليها المتلقى فى الفترة الحالية للحصول على المعلومة أو تقييم أداء أى إعلامى مثلما حدث مؤخرا من خلال تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعى، قائلة: لذا من المفترض أن يتحرى مقدمو البرامج الدقة لينجحوا فى توصيل رسالتهم بشكل مفصل، لذا فنحن الجماعة الإعلامية بمثابة عامل أساسى للنجاح فى القيام بهذا.
وأشارت ليلى عبد المجيد إلى أنه على الرغم من وجود شكاوى من بعض الممارسات الإعلامية لكن هذا لا يعطينا الحق فى الحكم بشكل سلبى على الأداء الإعلامى بشكل عام قائلة "لا يجوز أن نضع الممارسات الإعلامية جميعها فى سلة واحدة ولا يوجد رأى صائب ورأى خاطئ وإنما يوجد رأى سديد مبنى على معلومات ورأى آخر قائم على وجهة نظر صاحبه وانطباعاته الشخصية، وإذا أراد مقدم البرنامج أن يطل علينا بآرائه الشخصية فعليه أولا أن ينقل المعلومة".
وأضافت: إعلامنا فى كثير من الأحيان لا يقدم لنا المعلومة الصحيحة القائمة على أسس مهنية، فنحن كإعلاميين وظيفتنا أن ننقل ما هو أقرب إلى الحقيقة، ونحن خادمون للشعب من المفترض أن نعطيه حقه فى المعرفة وأكثر شىء يزعجنى هو أن كلمة إعلامى أصبحت تطلق على أى شخص، وفى رأى أحكام وتنظيم الامر سيتحقق من خلال عدة أشياء، أولها تطبيق القانون والاعتماد على ضمير الإعلامى إلى جانب تنمية المهارات والخبرات والتدريب مع ضرورة أن يتمتع الإعلامى بحس الوطنية. وتابعت: المشكلة الحقيقية ليست فى الإعلام المطبوع ولكن المرئى فنحن لا نعلم من وما الذى يحكم آلية عمل القنوات الفضائية، وحتى وإن افترضنا أن هناك تشريعات قوية وميثاق شرف ودستورا يحمى المهنة هناك دائما فجوة بين القانون والممارسة الفعلية على أرض الواقع، لذا فهناك اختياران إما تطبيق القانون على الجميع أو تأهيل وتدريب الإعلاميين، خاصة أن جوانب التدريب والتعليم داخل المؤسسات الإعلامية ليست كما قبل.
نجومية الإعلامى ليست بـــ"قلة الأدب"
"هذه ليست المرة الأولى التى تنتقد فيها الرئاسة الأداء الإعلامى وهذا معناه أننا أمام حالة من الغضب والاستياء واضح من تكرار الانتقادات حتى وصل بنا الحال لاستعانة الرئيس بالرأى العام والاستقواء به فى وجه المؤسسات الإعلامية" هكذا وصف الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسى بجامعة القاهرة، المشهد الإعلامى الحالى مقيما الممارسات الإعلامية الآن فى مجموعة نقاط، أولها اقتصار بعض برامج التوك شو تمتد لساعات طويلة من النقاش دون جدوى ودون أن تقدم معلومة حقيقية يستفاد منها المتلقى، إضافة إلى أن هناك تعظيما للقضايا الثانوية على حساب القضايا الرئيسة الهامة فمثلا وقت الانتخابات البرلمانية لم يشعر المواطن أن هناك انتخابات ولم يقم أى إعلامى بشرح خصائص ومميزات النظام الانتخابى للجمهور، ناهيك عن أن كثيرا من الانتقادات والممارسات الإعلامية تفتقد للدقة، فالإعلاميون ينتقدون كثيرا من الأداء السياسى دون أن يكون لديهم معلومات حقيقية ظنا منهم أنهم بذلك يتميزون ويعارضون، وأخيرا فى كثير من برامج التوك شو يتم تكرار الضيف أكثر من مرة بالإضافة للضيف الشتام أو الضيف الذى يستخدم خبرته القانونية ويوظفها توظيفا معيبا ضد البسطاء وبمخالفة للإعلام، قائلا: فى أسئلة لابد من الإجابة عنها، هل أنا كمقدم برامج أحضرت الضيف بدافع حقائقى معلوماتى ولا من أجل الإثارة والتحريض والفوضى، ثم هل الضيف بالفعل يمتلك ما يقدمه للرأى العام وما تخصصه الذى سيتم تقديمه على أساسه بعيدا عن هذا يصبح وجوده غير مجدٍ ومن الأفضل عدم إحضاره من الأساس.
وأضاف: هناك سؤال يحتاج للإجابة عليه هل الحرية التى اكتسبها الإعلامى للحديث كما يشاء كانت لمصلحته الشخصية أم لمصلحة الرأى العام، فهناك شىء يؤكد على أن ذاكرة الوطن مفقودة عند الإعلاميين وهذا ينطبق على ممارسات كثيرة فنحن نعيد تقديم ضيوف ومصادر نحن نعلم أنهم كانوا مخطئين يوما ما وفى رأى النجومية ليست بقلة الأدب، ولكن بالمهنية أعطينى المعلومات كمشاهد واترك لى فرصة للحكم ولا تحجر على حقى فى المعرفة، لذا لابد من وجود محتوى حقيقى ومرتكزات أساسية وخطاب مهنى وثقافى يحدد شكل المرحلة.
مواثيق الشرف "حبر على ورق"
وسط الأصوات التى تنادى بتقديم نموذج إعلامى مهنى وحوار بناء حقيقى قائم على بنود مواثيق شرف المهنة، هناك أصوات أخرى ترى أن الحل ليس فى مواثيق الشرف بل فى مجموعة أساليب أخرى أولها القانون وآخرها تطبيق مواثيق المهنة. فى مصر هناك ميثاق شرف صحفى صدر فى 1998، أكد على الالتزام بمعايير الشرف والأمانة والدقة فى نقل المعلومة وعدم الانحياز، وإضافة إلى ميثاق الشرف الإعلامى الذى انتهت منه المؤسسة المصرية لحقوق الإنسان مؤخرا، ونص على العمل على تعزيز حق المواطن فى المعرفة، وإقرار حرية الرأى حرية الرأى والتعبير والإبداع والاتصال مكفولة دون تمييز فى إطار المسئولية الاجتماعية للإعلام والالتزام بالتنوع والتعدد فى المجتمع، والالتزام بمبدأ الشفافية والمساءلة، واحترام الخصوصية. إلى جانب ما تم الإعلان عنه مؤخرا من قبل أعضاء اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الإعلامية والصحفية، بشأن إطلاق مشروع القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام. ولكن على الرغم ما نصت عليه المواثيق السابقة، إلا أن موادها لا تجد سبيلا للتطبيق على أرض الواقع.
الدكتور ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامى، يرى أن التمسك بمبادئ ميثاق الشرف المهنى ليست وحدها القادرة على الوصول لإعلام مهنى، قائلا: إن كافة الأنظمة الإعلامية على مستوى العالم تشهد ممارسات حادة ولكن الأنظمة الإعلامية الرشيدة والمجتمعات المتقدمة تضع وسائل وأساليب للحد من الممارسات الحادة والمنفلتة على رأسها "القانون"، ويليه الهيئات الضابطة الممثلة فى الأجهزة والهيئات المستقلة ذات أساس عمل فنى، لتلقى شكاوى بحق أنماط الأداء المثيرة للجدل وتقوم بالتحقيق فيها وإنزال العقوبات بحق المخالفين، مثل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المنصوص عليه فى المادة 211 من الدستور والذى لم ير النور حتى هذه اللحظة.
وأضاف: يلى هذا كله الدقة العامة، بمعنى أن الجمهور والمجتمع المدنى ينظم نفسه ويرصد ويحاسب الممارسات الحادة والمنفلته وأكبر مثال على ذلك جمعيات حماية مستهلكى وسائل الإعلام أو الحملة التى قام بها بعض شباب التواصل الاجتماعى ضد أحد مقدمى البرامج، بالإضافة إلى آليات التنظيم الذاتى التى يقوم بها المجتمع الرشيد، وهذا يشمل النقابات وأنظمة الشكاوى وميثاق الشرف، وبالتالى ميثاق الشرف أكذوبة، فهناك من يعتقد أن الحل فى ميثاق الشرف وهو مهم وله اعتبار لكنه غير كاف لحل مشكلة الأداء الإعلامى المنفلت.
مواصفات الإعلامى المهنى
المواثيق السابقة حتى وإن كانت غير كافية للوصول لممارسات إعلامية أفضل من وجهة نظر عبد العزيز، إلا أنها لم تغفل مواصفات الإعلامى المهنى التى تحتاجه المرحلة الحالية.
"موضوعى، يتحلى بالدقة والأمانة والنزاهة فى كل ما يقدمه" بهذه الكلمات وضعت الدكتورة إيناس أبو يوسف العميد الحالى لكلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، مواصفات الإعلامى المهنى قائلة: هناك فارق كبير بين الإعلامى الناقد الذى يمتلك رؤية حقيقية ويذكر الإيجابيات والسلبيات على حد سواء وبين آخر يدعى أنه يقدم معلومة وهو فى حقيقة الأمر لا يفعل ذلك، فالمعارضة لا تعنى التطاول أو السباب، ومؤخرا لاحظت أن بعض مقدمى البرامج يتطاولون على المشاهد نفسه وعلى ضيوفه وهذا لا يجوز.
وأضافت: مازلت عند رأيى بأن الإعلام المصرى بحاجة لتدشين نقابة للإعلاميين وهناك مماطلة لتنفيذ هذا الأمر على الرغم من أن النقابة ستصبح هى الجهة الوحيدة التى تستطيع وضع ميثاق شرف يلتزم به كافة الإعلاميين بعيدا عن السلطة التنفيذية أو التشريعية وبناء عليه يمكننا محاسبة الإعلامى الذى يخطأ وبناء عليه يمكن وضع سياسة إعلامية تحكم المشهد فى مصر، ومن الخطورة أن يقتحم أى شخص المجال ويطلق على نفسه "إعلامى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة