أول ما خلق الله القلم.. لماذا؟ لأنه مفتاح العلم والوعى.. أول كلمة أنزلها ربنا على النبى : «اقرأ»، على الرغم من أنه لم يكن يقرأ ويكتب، لكنها كانت دعوة للوعى.. اقرأ الحياة.. اقرأ الأحداث.. اقرأ قبل أن تنزل من غار «حراء» لتتحرك بالرسالة، الوعى فرض عين على كل إنسان، والوعى قبل السعى، لكن فى عصرنا هذا اختلطت المفاهيم، وأصبح السعى قبل الوعى، وأصبحت الفهلوة هى البديل.
خطر ثقافة الفهلوة
الخطر الأكبر أن ثقافة الفهلوة امتدت من الحياة للدين أيضًا، وأصبحنا نرى أناسًا تفتى بلا علم، تريد أن تقود بالدين بدون وعى بالحياة وواقع الناس، ففهم الواقع جزء من الوعى، فهل لك أن تتخيل نفسك داخل طائرة تحلق فى الجو، والكابتن الذى يقودها حدث له شىء، هل يمكن أن تخرج المضيفة، وتقول: الكابتن أصيب ونحن بحاجة لشخص متدين يقود الطائرة.. هل يعقل ذلك؟
“قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”، كل هذا بسبب غياب مبدأ الوعى قبل السعى، ونحن ننطلق دون تفكير، سعى بلا رشد بلا عقل، حركة فقط، فهلوة مخيفة، فلا بد من مواجهة فكرة الفهلوة ببناء المعرفة والوعى قبل التنفيذ.
النبى صلى الله عليه وسلم رفض تولية «أبى ذر»، لأنه كان غير مؤهل لذلك، فعن أبى ذر قال: «قلت يا رسول الله ألا تستعملن»؟ قال فضرب بيده على منكبى، ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها».. فالسعى للقيادة باسم الدين بلا وعى، هو تخطيط للإفساد دون إدراك، ومن يسعى بلا وعى فى الدين هو مفسد، ومن يسعى فى الحياة بلا وعى نصاب أو فهلوى، فهذا آدم أبو البشرية قبل النزول للأرض وعى أولاً «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا».. سيدنا يوسف قاد مصر، ليس لأنه متدين، «قالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، لكنه لأنه تعلم أولاً فى بيت العزيز الاقتصاد وفن الإدارة، فأهله ذلك لمسؤولية أعظم قاد خلالها مصر إلى النجاة من الهلاك.
ابنة شعيب قالت لأبيها عن موسى «يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الْأَمِينُ»، لم تقل لأنه متدين، لا يمتلك مواصفات الوظيفة، بل لأنها وجدت أنه قوى آمين، وهما شرطان لأداء العمل، والقرآن أكد على هذا المعنى فى قصة موسى مع الخضر، «قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا».. الوعى أولاً.
ابحث عن أصحاب الخبرة والتخصص
قبل تنفيذ أى مشروع، أو تأسيس شركة، أو تعلم حرفة، قبل أى عمل دينى كبير، لا بد من الوعى قبل السعى، فإذا لم يكن لديك وعى كاف وتريد عمل مشروع، القرآن يقول: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، ابحث عن أصحاب الخبرة والتخصص، «وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ»، وهذا سر تميز الغرب، فى كل خطوة تقييم للسعى ووعى جديد، «توماس أديسون» مخترع المصباح الكهربائى يقول : النجاح 1% موهبة و 99% جهد.
فى قصة طالوت وجالوت..«كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ»، لم يكن النصر بالفهلوة ولا بالدعاء وحده فقط، هدف الآية: فكر بوعى واعرف الواقع، كم من فئة صغيرة وعت نقاط قوتها ونقاط ضعف عدوها الأكبر منها، فاستغلت نقاط قوتها فى قهر نقاط ضعفها فانتصرت، قمة الوعى، هذا هو معنى «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ» ليس حماسة وتضحية فقط.
«جالوت» قوة جبارة محتل الأرض المقدسة و«طالوت» أقلية، الأول مدجج بالسلاح والدروع حركته صعبة، إذن نقطة ضعفه، يتعب بسرعة.. نقطة قوة «طالوت» سرعة وخفة، الخطة: أتعبهم وأطول المعركة، من أجل ذلك زود طاقة جنوده «إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ»، كان الوعى سر انتصاره، كر وفر حتى تعب وأرهق جيش «جالوت»، فكان له النصر فى النهاية، كان ضمن جيش جالوت سيدنا داود، تعلم أيضًا الوعى قبل السعى بشكل آخر، وعى حتى الاتقان، أتقن العبادة، أتقن الحلم، أتقن الصناعة، لذلك أثنى الله عليه بقوله: «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»، «اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ».
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
للاسف نحن نقتل الوعى في المهد
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
نبيل محمود والى
هذا الدعى الكاذب الكذوب
عدد الردود 0
بواسطة:
طالب ازهري
مين اللي قالك كده